طه العاني - الخليج أونلاين
تشكل الاكتشافات البحرية الأخيرة في دولة الكويت محطة فارقة في مسيرة الصناعة النفطية للبلاد، وتعكس مدى التقدم التقني والابتكار الذي وصلت إليه في مجال استكشاف الموارد الطبيعية البحرية.
ومن المتوقع أن يسهم هذا الاكتشاف في زيادة الإنتاج الوطني وتعزيز المخزون الاستراتيجي من الهيدروكربونات، وهو ما يفتح آفاقاً جديدة للتنمية الاقتصادية المستدامة ودعم الاقتصاد الوطني على المدى الطويل.
اكتشافات بحرية جديدة
وفي هذا السياق، أُعلِن رسمياً عن اكتشافات مهمة للنفط والغاز في الكويت باحتياطيات تقترب من مليار برميل من النفط المكافئ، وهو ما يعزز مكانة البلاد بصفتها إحدى أكبر الدول المنتجة والمصدرة للخام.
وصرحت شركة "نفط الكويت"، بتاريخ 20 يناير 2025، عن اكتشاف كميات تجارية كبيرة من الموارد الهيدروكربونية في حقل الجليعة البحري بالمياه الإقليمية الكويتية.
جاء هذا الاكتشاف ضمن جهود الشركة المتواصلة لتعزيز موقع الكويت كمنتج رئيسي للنفط والغاز وتحقيق استراتيجية الاستكشاف في المناطق البحرية.
يمتد حقل الجليعة على مساحة 74 كيلومتراً مربعاً، باحتياطيات تُقدَّر بنحو 800 مليون برميل من النفط المتوسط الكثافة، إضافة إلى 600 مليار قدم مكعبة من الغاز المصاحب، أي ما يعادل 950 مليون برميل نفط مكافئ.
وعدّت "نفط الكويت"، في 20 يناير الجاري، هذا الاكتشاف إضافة استراتيجية لموارد الهيدروكربونات في البلاد، ويؤكد نجاح استراتيجيتها في الاستكشاف البحري.
ويعدّ هذا الحقل ثاني اكتشاف بحري رئيسي بعد اكتشاف حقل النوخذة البحري في يوليو 2024، الذي قدرت احتياطياته بـ 3.2 مليارات برميل من النفط و5 تريليونات قدم مكعبة من الغاز.
أهمية الاكتشافات
وأشارت "نفط الكويت" إلى بدء استعداداتها للمرحلة الثانية من خطة الاستكشاف والحفر والإنتاج في المناطق البحرية، والتي تشمل تنفيذ عمليات مسح ثلاثية الأبعاد تغطي مساحة تفوق 6 آلاف كيلومتر مربع؛ ما يساعد على تحسين دقة البيانات الجيولوجية واتخاذ قرارات استراتيجية للمضي قدماً في مراحل الإنتاج.
وأكدت الشركة أن اكتشاف حقل الجليعة يُعزز إمكانات استكشاف مكامن إضافية في العصر الطباشيري العلوي بالمنطقة البحرية والمناطق المجاورة.
كما تسهم هذه الاكتشافات في تحقيق أهداف استراتيجية الكويت لعام 2040، التي تسعى إلى زيادة الطاقة الإنتاجية لتصل إلى 4 ملايين برميل يومياً.
ويُعَدّ التركيز على التنقيب البحري خطوة نحو تعزيز قدرات الكويت الإنتاجية وتلبية الطلب المحلي والعالمي المتزايد على الطاقة.
لكن الخبير النفطي حمزة الجواهري، يرى أن أي اكتشاف جديد للنفط في دول الخليج هذه الفترة، لا يمكن أن يضيف شيئاً للدولة من الناحية الاقتصادية؛ لأن هذه الدول مرتبطة بمنظمة "أوبك".
ويضيف لـ"الخليج أونلاين" أن "أوبك هي من تعطي حصص الإنتاج لهذه الدول، ومن بينها الكويت، حيث تلتزم بإنتاج نفطي ولديها قدرة إنتاجية فائضة على حاجة تصديراتها، لأنها لا تستطيع تصديرها للخارج، أو استثمارها في الداخل".
ولا يعتقد الجواهري أن الاكتشافات الجديدة في الكويت أو غيرها من الدول الأخرى، يمكن أن تعزز من مكانة الدولة في سوق الطاقة العالمي، لارتباطها بحجم تصدير محدد.
وفي حين تسعى دول الخليج لتنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط، لا تزال تعتقد أن الحاجة إلى الوقود الأحفوري ستستمر عقوداً من الزمن.
حيث أكد الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية، الشيخ نواف الصباح، لموقع "الشرق بلومبيرغ" في 21 نوفمبر 2024، أن "سوق الطلب على النفط سيظل حتى عام 2050 وما بعده كما هو الآن بشكل أو بآخر. من سيقدم هذا النفط؟ نحن نقدم أقل تكلفة وأقل كثافة للكربون، ونعتزم الاستمرار في ذلك".
مستقبل واعد
نقلت صحيفة "القبس" الكويتية عن الرئيس التنفيذي لـ"مؤسسة البترول الكويتية"، الشيخ نواف سعود الصباح، تأكيده أن عمليات الاستكشاف في البلاد مستمرة، مع وجود مكامن غير مكتشفة وفرص واعدة لزيادة المخزون النفطي الكويتي.
وأشار الشيخ نواف إلى أن نسبة النجاح في عمليات الاستكشاف النفطية الجديدة في الكويت وصلت إلى 100%، وهو معدل يفوق بكثير المستويات العالمية البالغة 20%.
وأوضح أن شركة نفط الكويت قد طورت عمليات الاستكشاف بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وهو ما أدى إلى تحقيق العديد من الإنجازات في هذا المجال.
وأكد الصباح أنه سيتم وضع خطة تطويرية للبدء بالإنتاج الفعلي من الحقل في أقرب وقت ممكن، مما يعزز الطاقة الإنتاجية للبلاد ويدعم تحقيق استراتيجية 2040.
زيادة منصات الحفر
ونشرت مجلة "ميد" الاقتصادية، في يوليو الماضي، أن إجمالي عدد منصات الحفر النفطية العاملة في الكويت من المتوقع أن يرتفع إلى 212 منصة في السنة المالية 2025-2026، مقارنة بـ 172 منصة في السنة المالية السابقة.
وأوضحت الوثائق أن هناك حالياً 86 منصة حفر نشطة في الكويت، إلى جانب 86 منصة مخصصة لصيانة وتحديث وتعميق الآبار لتحسين أدائها، وتتوزع منصات الحفر الحالية بين 30 منصة مخصصة للحفر العميق، و54 منصة لتطوير الآبار، ومنصتين للنفط الثقيل، أما منصات الصيانة فتشمل 10 منصات للحفر العميق، و76 منصة لتطوير الأنشطة.
ووفقاً لمجلة "ميد"، تخطط شركة نفط الكويت لزيادة العدد إلى 114 منصة حفر و98 منصة صيانة بحلول السنة المالية 2025-2026.
وضمن خطتها الخمسية، تتوقع "نفط الكويت" أن يرتفع إجمالي عدد منصات الحفر بنسبة 38% بحلول السنة المالية 2028-2029 ليصل إلى 119 منصة نشطة، ومن المتوقع أن يصل عدد منصات الصيانة والتطوير إلى ذروته عند 98 منصة في السنة المالية 2025-2026، قبل أن يتراجع إلى 92 منصة بحلول السنة المالية 2028-2029.
وفي ضوء هذه الاكتشافات الأخيرة، قد تُجري شركة "نفط الكويت" تعديلات على خططها لزيادة عدد منصات الحفر المستقبلية.
استثمارات مليارية
تخطط مؤسسة البترول الكويتية لاستثمار نحو 10 مليارات دينار كويتي (نحو 32.7 مليار دولار) خلال خمس سنوات بهدف زيادة الطاقة الإنتاجية للنفط، في ظل توقعات الطلب القوي لعقود قادمة.
وفي تصريحاته لموقع "الشرق بلومبيرغ"، قال الرئيس التنفيذي للمؤسسة: "نحن نتطلع إلى القيام باستثمارات ضخمة، وهذا ليس فقط للحفاظ على قدرتنا الإنتاجية، ولكن أيضاً لتنميتها، وفقاً لما تدعونا استراتيجيتنا لتحقيقه".
ويُعد هذا الإنفاق جزءاً من برنامج استثماري أوسع بقيمة 20 مليار دينار كويتي (65.4 مليار دولار) بدأ في أبريل 2024، ويشمل مجالات متعددة من أبرزها أنشطة الاستكشاف وتطوير البتروكيماويات.
وكشف نائب الرئيس التنفيذي للاستكشاف والحفر في "نفط الكويت"، خالد الملا، أن اكتشافات واعدة ومبشرة من النفط المتوسط والخفيف في الشمال، ستعزز مكانة الكويت كمصدر رئيسي للطاقة.
وقال الملا، في حوار مع صحيفة "الراي" الكويتية في نوفمبر الماضي، إن شركة "نفط الكويت" أنجزت اكتشافات نفطية وغازية جديدة ومهمة في الشمال، مثل حقول القشعانية وشحم وصخيبريات، وفي الغرب مثل كحلولة وكراع المرو، بالإضافة إلى حقل النوخذة البحري.
وأشار الملا إلى أن الشركة تسعى لرفع إنتاجها إلى 3.65 ملايين برميل يومياً بحلول 2035، وزيادة إنتاج الغاز إلى 1.5 تريليون قدم مكعبة يومياً بحلول 2040، مع التركيز على تطوير حقول رئيسية مثل برقان وعدال، بجانب التوسع في تطوير حقل النوخذة.