في 2025/04/25
طه العاني - الخليج أونلاين
تواجه الكويت، كغيرها من دول المنطقة، تحديات متنامية في مواجهة ظاهرة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، التي باتت تمس بشكل مباشر منظومتها الحقوقية والاجتماعية.
وعلى مدار السنوات الماضية، كثفت الدولة جهودها للحد من هذه الجرائم العابرة للحدود، عبر إصلاحات تشريعية وإدارية، وتفعيل دور الجهات الرقابية، وتعزيز التعاون مع المنظمات الدولية المختصة.
استراتيجية وطنية
في خطوة جديدة لمواجهة التحديات المتصلة بالاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين، أعلن وزير العدل رئيس اللجنة الوطنية الدائمة لمكافحة الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين، المستشار ناصر السميط، عن إطلاق الاستراتيجية الوطنية للفترة (2025- 2028).
وتهدف الاستراتيجية إلى تعزيز إجراءات الوقاية والحماية والمساءلة من كافة صور الاستغلال والاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين
وبحسب ما نقلته وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، في 21 أبريل الجاري، فإن الاستراتيجية ترتكز على تفعيل الأدوات القانونية والتنظيمية، وتدعيم نظام الإحالة الوطنية، وتعزيز قدرات الجهات التنفيذية، إلى جانب رفع مستوى الرقابة وتوحيد الإحصاءات ذات الصلة.
كما تهدف إلى تحسين تصنيف الكويت الدولي في هذا المجال، من خلال تعزيز التعاون الإقليمي والدولي وتكثيف التوعية المجتمعية.
وتم إعداد الاستراتيجية عبر مسار تشاركي ضم الجهات الحكومية المختصة ومجموعة من الخبراء الوطنيين، واستند إلى تحليل معمق للتحديات المحلية والتطورات الإقليمية والدولية ذات الصلة.
وستخضع الاستراتيجية لمراجعة دورية لقياس مستوى التقدم، في إطار من التنسيق مع منظمات المجتمع المدني والجهات الإقليمية والدولية المعنية.
وأكد رئيس اللجنة الوطنية أن هذه الاستراتيجية تمثل نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة من الجدية والشفافية في معالجة قضايا الاتجار بالأشخاص، كما تعكس إدراك الدولة لأهمية بناء منظومة متكاملة تشمل الوقاية، والحماية، والمساءلة، وتعزيز التنسيق الوطني لضمان التطبيق الفاعل.
نحو حماية الحقوق
وفي سياق سعيها لمعالجة مشكلة المتاجرة بالبشر، وضعت الكويت خطة متكاملة تستند إلى مبادئ واضحة تضمن الفعالية والاستدامة، مع التركيز على التنسيق المؤسسي والتحديث التشريعي.
وكشف الوزير السميط، في تصريحات خاصة لصحيفة "الأنباء" الكويتية، في 21 أبريل، عن الخطوط العريضة للاستراتيجية، والتي تنطلق تحت شعار (نحو حماية الحقوق وتعزيز العدالة).
وأوضح أن هذه الظاهرة تمثل تحدياً حقيقياً أمام الكويت على المستويين المحلي والدولي، ما يتطلب تبني استجابة مؤسسية شاملة ترتكز على المعايير الدولية والنهج القائم على حقوق الإنسان.
وأكد السميط أن الاستراتيجية جاءت رداً عملياً على ما ورد في التقارير الدولية، لا سيما تقرير وزارة الخارجية الأمريكية، الذي أشار إلى وجود جوانب قصور في جهود المكافحة.
وأضاف أن الوثيقة الجديدة تهدف إلى تجاوز هذه الملاحظات عبر خطة تنفيذية متكاملة تستند إلى أدوات قانونية وتنظيمية تضمن توحيد الجهود وتحقيق مستوى أعلى من الالتزام بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
خطوة مهمة
يؤكد باحثون متخصصون أن جريمة الاتجار بالبشر تمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، إذ تسلب الأفراد حريتهم وكرامتهم وتحولهم إلى مجرد سلع، وتستدعي هذه الظاهرة تضافر الجهود على الصعيدين المحلي والدولي لمكافحتها وتوفير الحماية اللازمة للضحايا.
ويقول الباحث الدكتور حبيب الهادي إن ظاهرة الاتجار بالبشر جريمة في حق الإنسانية، مؤكداً أن جميع الشرائع والقوانين تجرمها وتحرمها.
ويشير، في حديثه مع "الخليج أونلاين"، إلى أن الكويت في خطوة مهمة، بادرت بوضع استراتيجية وطنية للحدّ من هذه الظاهرة ومحاربتها ومكافحتها.
ويوضح الهادي أن "الإسلام يدعو إلى إخراج الإنسان من العبودية لغير الله إلى العبودية لله سبحانه وتعالى"، ويستشهد بالأحاديث النبوية التي تشير إلى أن "عتق الرقبة وفك قيد المستعبد له مكانة عظيمة في الإسلام، ما يدل على دعوة الإسلام لمحاربة هذه الظاهرة".
وأضاف أن هذه الظاهرة لها طرق عديدة لاستغلال الإنسان، سواء في قضايا جنسية أو السخرة أو التجارة بالأعضاء وغيرها، مؤكداً أن الاستراتيجية الكويتية ترفد جهود محاربة هذه الظاهرة.
ويشدد الهادي على "ضرورة وجود إرادة دولية صادقة من جميع الدول والمؤسسات والمنظمات الإنسانية والدولية والإقليمية للسعي المشترك في مواجهة هذا التحدي والظلم الذي يوقعه الإنسان على أخيه الإنسان".
أهداف محورية
وتركز الاستراتيجية على ثمانية أهداف محورية، أولها تفعيل الأدوات القانونية والتنظيمية، من خلال سد الثغرات التشريعية القائمة، وتحديث القوانين بما يضمن شمول التجريم وسهولة الوصول إلى العدالة، بحسب صحيفة "الأنباء" الكويتية.
وأما الهدف الثاني فيتعلق بتطوير نظام شامل للإحالة الوطنية، إذ أشار السميط إلى ضرورة تحويل النظام من دليل إرشادي إلى إطار قانوني ملزم يصدر بقرار من مجلس الوزراء، لضمان التزام كافة المؤسسات بتطبيقه عملياً.
وفيما يخص تحسين أداء الجهات التنفيذية، تتضمن الخطة تدريب العاملين في الصفوف الأمامية، وعلى رأسهم موظفو "القوى العاملة" و"الداخلية"، على أدوات التعرف على ضحايا الاتجار وتطبيق البروتوكولات الخاصة بالحالات المحتملة.
ويشمل الهدف الرابع تعزيز الرقابة والإشراف عبر حملات تفتيش دورية تشمل الجهات الحكومية وأماكن العمل، وتطوير البنية التحتية لمراكز الإيواء، وتوسيع إنشاء مكاتب الفحص الاستباقي في الجهات المعنية.
وفي سياق رفع مستوى الشفافية وتوحيد الإحصاءات، ستقوم اللجنة الوطنية بإنشاء قاعدة بيانات مركزية تُجمع فيها كل المعلومات المتعلقة بالحالات، على أن تقدم الجهات الرسمية بياناتها بشكل دوري ومنظم وفق نموذج موحد.
وأما على المستوى الخارجي، فتهدف الاستراتيجية إلى رفع مستوى التعاون الدولي من خلال توقيع مذكرات تفاهم مع منظمات ودول مصدرة للعمالة، وإطلاق برامج تدريبية وتوعوية، فضلاً عن إصدار قانون خاص بالتعاون الجنائي الدولي لدعم جهود مكافحة الاتجار.
كما لم تغفل الوثيقة عن التوعية المجتمعية، إذ تقترح إطلاق حملات إعلامية متعددة اللغات، تستهدف العمالة والجهات الحكومية، مع التركيز على المؤشرات الأولية لجريمة الاتجار قبل وقوعها.
وأخيراً، تسعى الاستراتيجية إلى تحسين تصنيف الكويت الدولي من خلال الاستجابة العملية للملاحظات الدولية، وتعزيز حضور الكويت على المنصات الإعلامية العالمية لتسليط الضوء على جهودها بشكل موضوعي وموثوق.
وشدد السميط، في ختام تصريحاته، على أن هذه الخطة ليست مجرد وثيقة توجيهية، بل خارطة طريق عملية تؤسس لنظام متكامل ومستدام، يعالج جوانب القصور ويرتقي بجهود الدولة نحو حماية ضحايا الاتجار، ويجعل من الكويت نموذجاً متقدماً في هذا المجال على مستوى المنطقة.