دول » قطر

قطر تمضي في مسار التميّز المؤسسي بتعديل قانون الموارد البشرية

في 2025/10/09

عمر محمود – الخليج أونلاين

بعد أقل من عقد من الزمن، تعاود دولة قطر إجراء تعديلات جديدة على قانون الموارد البشرية في القطاع الحكومي، في خطوة يعتبرها كثيرون استمراراً لمسيرة التطوير الإداري في الدولة وسعياً مستمراً لبناء مسار مضيء نحو التميّز المؤسسي والارتقاء بالعمل الحكومي.

وتعكس هذه التعديلات نضج التجربة القطرية في إدارة الموارد البشرية منذ التعديلات السابقة في عام 2016، ومدى استجابتها لمتغيرات بيئة العمل المحلية والعالمية، بما يعزز كفاءة الجهاز الحكومي ويضع الإنسان القطري في قلب عملية التنمية الوطنية.

وتشكل هذه التعديلات تحولاً استراتيجياً في فلسفة العمل الحكومي، إذ تؤكد أن الوظيفة العامة ليست امتيازاً مكتسباً، بل مسؤولية وطنية تتطلب الكفاءة والالتزام.

ومن خلال اعتماد الكفاءة أساساً للتعيين والترقية، نجحت الدولة في ترسيخ ثقافة العمل الحكومي على أسس المهنية والمساءلة، بما يضمن تقديم خدمات حكومية عالية الجودة.

وفي الوقت نفسه، أدركت الدولة أهمية الأسرة في رفع إنتاجية الموظف، ومدى انعكاس بيئة العمل العادلة والمرنة على الاستقرار والإنتاجية معاً، لذلك ركزت التعديلات على تعزيز مكانة الأسرة القطرية من خلال إجازات وضع أطول، وساعات عمل مرنة، وسياسات العمل عن بعد، إضافة إلى حوافز اجتماعية تدعم الأزواج والآباء والأمهات، بما يحقق التوازن بين الحياة المهنية والحياة الأسرية.

وعلى صعيد الأداء، جاءت التعديلات لترسخ مفهوم التميز المؤسسي القائم على الأداء الفعلي لا الشكلي، فقد استحدث القانون منظومة تقييم جديدة أكثر عدالة وموضوعية، ربطت الأجر والترقية بمستويات الأداء الحقيقي، ووفرت فرصاً للتدريب والتطوير المهني بما يواكب متطلبات المستقبل ويعزز القدرات الفردية للمواطنين.

ومن خلال هذا المسار المتكامل، تسعى قطر إلى تحقيق قفزة نوعية في كفاءة مؤسساتها الحكومية، عبر تمكين الكفاءات الوطنية، وتحفيز بيئة العمل، ودعم استقرار الأسرة، بما يرسّخ رؤية الدولة نحو حكومة أكثر مرونة، وكفاءة، وتميّزاً على المستويين المحلي والإقليمي.

ولاقت التعديلات على قانون الموارد البشرية ترحيباً واسعاً في الأوساط الإعلامية والشعبية والقانونية، إذ اعتبرها كثيرون خطوة نوعية نحو تحديث بيئة العمل الحكومي وتعزيز كفاءة الأداء المؤسسي.

وأكد المختصون أن التركيز على مبدأ الجدارة والتميز وربط الترقيات بالأداء الفعلي يرسخ ثقافة المساءلة والاحترافية في القطاع العام، في حين تسهم المرونة في ساعات العمل والإجازات المراعية للأسرة في رفع إنتاجية الموظف وتحقيق التوازن بين الحياة المهنية والشخصية.

أعلى معايير الكفاءة

الإعلامي القطري حسن المحمدي يرى أن التعديلات الجديدة على قانون الموارد البشرية، والتي تأتي بعد ما يقارب عشرة أعوام من التعديل الأخير، تعكس توجّه الدولة الثابت نحو تطوير بيئة العمل في القطاع الحكومي، وتؤكد أن الإصلاح الإداري في قطر بات عملية مستمرة تهدف إلى تحقيق أعلى معايير الكفاءة والتميز في الأداء الحكومي.

ويوضح المحمدي، في حديثه لـ "الخليج أونلاين"، أن الحكومة القطرية لا تتعامل مع القوانين بوصفها نصوصاً جامدة أو غير قابلة للتغيير، بل تعتبرها منظومة متجددة قابلة للتطوير المستمر بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة وتطور المجتمع.

ويتابع أن هذه الخطوة تعبر عن وعي قيادي وإداري عميق بأهمية تحديث البنية التشريعية والتنظيمية في مؤسسات الدولة، بما يواكب متغيرات العصر ويلبي احتياجات الموظف الحكومي على المستويين المهني والاجتماعي.

ويلفت المحمدي في حديثه إلى أن التعديلات راعت بشكل أساسي البعد الأسري في المجتمع القطري، وهو ما يعكس حرص الدولة على الحفاظ على تماسك النسيج الاجتماعي وترسيخ قيم الهوية العربية والإسلامية.

ويشير إلى أن إدراج مزايا مثل المرونة في ساعات العمل، والعمل عن بعد، والإجازات المراعية للظروف الأسرية، يؤكد أن التحسين الإداري في قطر لا يقتصر على تطوير الأداء المؤسسي، بل يمتد ليشمل الإنسان الموظف في بعده الاجتماعي والأسري.

ويستطرد المحمدي قائلاً: "الحوافز المالية وغير المالية التي تضمنتها التعديلات الجديدة ستسهم بشكل مباشر في تعزيز ثقافة التميز والإبداع داخل المؤسسات الحكومية، لأنها تربط بين الجهد والمكافأة، وبين الأداء الفعلي والتقدير المستحق".

ويوضح أن هذا التوجه سيغير طريقة تفكير الموظفين، حيث سيصبح التنافس إيجابياً ومبنياً على الإبداع والإنجاز، لا على الأقدمية أو العلاقات الشخصية، معتبراً أن هذا التطوير في فلسفة التحفيز يمثل انتقالاً من مفهوم الوظيفة المستقرة إلى مفهوم الوظيفة المنتجة، وهو ما يتماشى مع روح العصر وتطلعات الدولة نحو جهاز حكومي أكثر كفاءة وابتكاراً.

ويشير الإعلامي القطري إلى أن هذه الإصلاحات جاءت منسجمة مع استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة (2024–2030)، التي تضع الإنسان القطري في قلب العملية التنموية، وتعتمد على بناء مؤسسات حكومية متميزة تمتلك القدرة على الابتكار والاستدامة.

واختتم المحمدي تصريحه بالتأكيد على أن هذه التعديلات لا تهدف إلى تحديث القوانين فقط، بل إلى إعادة تعريف مفهوم الوظيفة العامة بوصفها شراكة بين الدولة والمواطن لخدمة المجتمع بكفاءة ومسؤولية.

متطلبات العصر

الباحث القانوني عبد الرحمن السيد يعتقد أن التعديلات التي طرأت على قانون الموارد البشرية المدنية جاءت لتعكس توجه الدولة نحو تطوير بيئة العمل في القطاع الحكومي بما يتماشى مع متطلبات العصر واستراتيجية الدولة المستقبلية.

ويضيف السيد في حديثه لـ "الخليج أونلاين": "القانون ما هو إلا مرآة تعكس رؤية الدولة ومتطلبات المجتمع، ولهذا يقال إن القاعدة القانونية تنظم سلوك الأفراد من خلال القواعد التي تضعها الدولة".

وتابع بالقول: "التعديلات تجسد بوضوح إيمان الدولة بأهمية تطوير القطاع الحكومي ليكون محركاً رئيسياً لعجلة التنمية الوطنية وتحقيق رؤية قطر الوطنية 2030".

ويوضح أن المشرع القطري في هذه التعديلات اتسم بالتوازن والتمهل ورحابة الأفق التشريعي، إذ جاءت التعديلات نتيجة متابعة دقيقة لحركة القطاع الحكومي وتحليل لاحتياجاته الواقعية، ما يعكس رؤية تشريعية واعية وثاقبة تستند إلى أسس علمية ومنهجية واضحة.

ويلفت الباحث القانوني إلى أن الحوافز الجديدة الواردة في هذه التعديلات من شأنها أن تعزز ثقافة التميز والإبداع في المؤسسات الحكومية، مشيراً إلى أن المال هو وقود العالم اليوم، وبه تتحرك عجلات التطور والإنتاج، ولذلك جاءت التعديلات لتعزز مفهوم المبادرة والجدارة لدى الموظف الحكومي، من خلال ربط الأجر والترقية بالكفاءة والإنتاجية.

ويشير إلى أن المشرع القطري لم يغفل جانب العدالة والمراعاة الاجتماعية، بل تجلت هذه القيم في حزمة من المزايا الاجتماعية والإنسانية، منها استحداث حافز الزواج السنوي، وتعديل العلاوة الاجتماعية بفئة المتزوجين، فضلاً عن رفع مدة إجازة الوضع للموظفة إلى ثلاثة أشهر براتب إجمالي، وستة أشهر في حال وضع التوأم أو طفل من ذوي الإعاقة، مع تمكينها من اختيار بدء الإجازة من الشهر الثامن من الحمل.

ويؤكد أن هذه التعديلات تُجسد حديث الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام: "ألا كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته.."، مشيراً إلى بروز روح المسؤولية المشتركة بين الفرد والدولة، وحرص المشرع على بناء بيئة عمل تراعي الأسرة وتدعم التوازن بين الحياة المهنية والأسرية.

واختتم السيد تصريحه قائلاً: "لقد ساهمت في تمكين الإنسان القطري، ودعمت استدامة التنمية الوطنية في مجالاتها المختلفة".

تعزيز الأداء المؤسسي

المواطن القطري خالد فخرو يرى أن التعديلات الجديدة على قانون الموارد البشرية تمثل تقديراً حقيقياً من الدولة للكوادر البشرية بوصفها شريكاً أساسياً في مسيرة التنمية، لا مجرد عناصر إدارية.

ويؤكد فخرو، الذي تحدث لـ "الخليج أونلاين" بعد الإعلان عن تفاصيل القانون، أن التعديلات تعزز الأداء المؤسسي والكفاءة الفردية في القطاع الحكومي.

ويستطرد قائلاً: "أكثر ما لفت انتباهي هو ربط الترقيات والمكافآت بالأداء الفعلي والجدارة، وهذا يعزز ثقافة التميز والابتكار داخل المؤسسات، ويحفز الجميع على تقديم أفضل ما لديهم من جهود، دون الاعتماد على الأقدمية فقط".

ويوضح فخرو أن التعديلات أخذت في الحسبان احتياجات الموظف على المستوى الأسري والاجتماعي، مشيراً إلى أن مرونة الدوام، والعمل عن بعد، والإجازات المراعية للأسرة، تجعل الموظف أكثر قدرة على التوازن بين مسؤولياته المهنية والشخصية، ما ينعكس إيجاباً على إنتاجيته ورضاه الوظيفي.