في 2025/07/22
وكالات
تواصل سلطنة عُمان رسم ملامح جديدة لدبلوماسيتها الاقتصادية، واضعة نُصب عينيها تحويل علاقات الصداقة التقليدية إلى فرص ملموسة للنمو المشترك، وفي هذا الإطار تبدو الفلبين شريكاً واعداً بما تمتلكه من موقع استراتيجي وموارد بشرية ومجالات خصبة للتعاون.
ومع انعقاد النسخة الأولى من منتدى "عُمان- سيبو" الاستثماري، تفتح مسقط نافذة جديدة نحو آسيا، مؤكدة أن سياسة الأبواب المفتوحة لم تعد مقتصرة على الحوار السياسي والثقافي، بل أصبحت تركّز على سبل تعزيز التبادل التجاري واستقطاب الاستثمارات النوعية في مجالات متعددة.
شراكة متجددة
وفي خطوة تعكس طموح عُمان لتعزيز حضورها الاقتصادي في آسيا، يبرز التعاون مع الفلبين كفرصة لتوسيع الاستثمار والتبادل التجاري، مدعوماً برغبة مشتركة في نقل علاقات الصداقة إلى مستوى جديد من الشراكة العملية.
وفي كلمته الافتتاحية خلال منتدى "عُمان- سيبو" الاستثماري، في 12 يوليو 2025، شدّد وزير الخارجية العُماني بدر بن حمد البوسعيدي على أن الصداقة التاريخية بين بلاده والفلبين يجب أن تتحوّل إلى مشاريع استثمارية وتجارية تعود بالنفع على الطرفين.
وأكد الوزير خلال المؤتمر المنعقد في سيبو الفلبينية، أن تحقيق ذلك يتطلب خلق بيئة أعمال محفزة، ونشر الوعي بالفرص الواعدة المتاحة أمام المستثمرين في كلا البلدين.
ودعا البوسعيدي إلى ترسيخ التعاون في مجالات حيوية مثل الطاقة الخضراء والمتجددة، والخدمات اللوجستية، والسياحة، والتنمية العقارية، إلى جانب الصناعات الغذائية، والرعاية الصحية، والذكاء الاصطناعي، ومراكز البيانات، والتكنولوجيا المتقدمة.
وأشار إلى أن العمالة الفلبينية المقيمة في السلطنة -التي يبلغ عددها نحو 50 ألفاً- تُشكّل رابطاً إضافياً لتعزيز جسور التعاون وتوسيع آفاق الشراكة الاقتصادية، بما يعزز حضور المستثمرين ويعمّق العلاقات بين مجتمعي الأعمال في عُمان والفلبين.
آفاق استثمارية
شدّد وزير الخارجية العُماني على المزايا التنافسية التي تجعل السلطنة بوابةً مفتوحة أمام المستثمرين من الفلبين والعالم.
وأوضح أن موقع عُمان الاستراتيجي، الممتد بين شبه الجزيرة العربية وشرق إفريقيا وجنوب آسيا، يتيح الوصول إلى أسواق ضخمة تتجاوز ملياري مستهلك، بدعم من بنية تحتية متطورة ومناطق اقتصادية خاصة وموانئ حديثة في الدقم وصحار وصلالة.
كما أشار إلى حزمة الحوافز التي تمنحها السلطنة للمستثمرين، بدءاً من الملكية الكاملة والإعفاءات الضريبية، وصولاً إلى بيئة اقتصادية مستقرة تضمن حرية حركة الأموال والعمليات التجارية.
وفي المقابل لفت إلى ما تمتلكه الفلبين من مقومات اقتصادية حيوية، بفضل قواها العاملة الماهرة، وديناميكية الابتكار وريادة الأعمال، ما يفتح المجال أمام فرص جديدة للشركات العُمانية في قطاعات مثل التكنولوجيا والزراعة والبنية التحتية والضيافة.
وأكد البوسعيدي أن المرحلة المقبلة تتطلب تكثيف المشاريع المشتركة وتبادل الخبرات، مع البناء على الروابط الإنسانية المتينة التي أسسها آلاف العمال الفلبينيين المقيمين في عُمان، لتحويلها إلى قاعدة صلبة لشراكة اقتصادية طويلة الأمد.
بدايات جيدة
ويؤكد الباحث الدكتور حبيب الهادي أن العلاقات التجارية والاقتصادية بين سلطنة عُمان والفلبين تشهد نمواً متسارعاً ووتيرة متصاعدة باستمرار.
ويشير في حديثه مع "الخليج أونلاين" إلى أنه رغم أن العلاقات لم تصل بعد إلى مستويات تبادل تجاري واقتصادي ضخمة، فإنها في بدايات جيدة، خاصة في الفترة الأخيرة.
ويوضح الهادي أن منتدى عُمان-الفلبين الاستثماري الأخير يعكس هذا التوجه الكبير نحو مزيد من التقارب والنمو التجاري بين البلدين، ويبرز فرص التعاون في مجالات الاستثمار والسياحة والمنتجات الغذائية.
ويضيف أن الاقتصاد العُماني يتجه شرقاً نحو دول آسيوية مهمة مثل كوريا، الصين، اليابان، الفلبين، والهند، وهذا المسار يتماشى مع المنهج الذي تتبعه جهاز الاستثمار العُماني وغرفة تجارة وصناعة عُمان.
ويوضح الباحث أن هناك طفرة مرتقبة في التعاون الاقتصادي بين البلدين، مشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من الجالية الفلبينية في عُمان، وهي من أكبر الجاليات بعد الهندية والباكستانية والبنغلاديشية، ما يعكس جزءاً من هذا التعاون.
ويختتم الهادي بتأكيد الحاجة إلى مزيد من التفاهمات والتعاون الأكبر، حيث تملك عُمان مقومات اقتصادية واعدة تتمثل في الموانئ، واللوجستيات، وقطاع الطاقة، وغيرها من القطاعات الحيوية.
مجالات واعدة
يواصل البلدان العمل على توسيع رقعة التعاون عبر مبادرات جديدة تعزز التبادل التجاري وتفتح مسارات للاستثمار النوعي.
وفي سلسلة محاضرات استضافها معهد الخدمة الخارجية الفلبيني، في سبتمبر 2024، شدّد سفير سلطنة عُمان لدى الفلبين ناصر بن سعيد عبد الله المنوري، على أهمية الانتقال بالعلاقات إلى مرحلة أكثر نشاطاً، عبر زيادة التبادلات رفيعة المستوى وتنشيط زيارات وفود الأعمال لاستكشاف فرص السوق في القطاعات الواعدة.
وأشار المنوري إلى الحاجة إلى تفعيل المشاركة الفلبينية في الفعاليات والمعارض التي تُقام في عُمان، لا سيما مع توفّر إمكانات كبيرة لتوسيع التعاون في مجالات مثل الطاقة والزراعة والبنية التحتية والتكنولوجيا.
كما لفت إلى ضرورة تسهيل إجراءات التصدير والاستيراد وتبسيط الرسوم الجمركية، باعتبارها خطوة أساسية لدعم حركة السلع والخدمات، خصوصاً في القطاع الزراعي.
وعلى صعيد الشراكة التقنية، كشف السفير عن مساعٍ لتوقيع مذكرة تفاهم مرتقبة في مجال تقنية المعلومات والاتصالات خلال الاجتماع التشاوري الثنائي المنعقد في يوليو 2025، تمهيداً لتعزيز التعاون في الأمن السيبراني ونقل الخبرات في هذا المجال الحيوي.
إلى جانب ذلك أكد أهمية توثيق الروابط الثقافية وتنشيط السياحة بين الجانبين، بما يدعم التفاهم المتبادل ويمهّد الطريق لشراكة اقتصادية متوازنة ومستدامة.
وبحسب بيانات مرصد التعقيد الاقتصادي (OEC)، فقد بلغت صادرات عمان إلى الفلبين عام 2023 أكثر من 141 مليون دولار، فيما بلغت واردات السلطنة من الفلبين نحو 20 مليون دولار.
ومع الزخم الذي يُولّده المنتدى، والاستعدادات للقاءات التشاورية المقبلة، تبدو العلاقة بين مسقط ومانيلا مهيأة للانتقال إلى مرحلة أكثر عمقاً وتنوعاً، عنوانها شراكات عملية واستثمارات مستدامة تُترجم الصداقة إلى فرص حقيقية للنمو والازدهار المشترك.