في 2025/04/12
كامل جميل - الخليج أونلاين
في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها سوق العمل العالمي، يجد الشباب الخليجي أنفسهم في قلب تحديات معقدة تتطلب تكيّفاً سريعاً مع المتغيرات الاقتصادية والتقنية، بالتزامن مع طموحاتهم المتزايدة نحو الاستقلال المهني وريادة الأعمال.
فمع النمو المتواصل لعدد الخريجين وتراجع الاعتماد على التوظيف الحكومي، برزت ريادة الأعمال خياراً جاذباً لجيل جديد يسعى إلى بناء مستقبل مهني مختلف.
بحسب تقرير أصدره البنك الدولي، في يناير 2024، فإن نسبة البطالة بين الشباب في منطقة الخليج على الرغم من كونها أقل من المتوسط العربي، فإنها ما تزال تُشكّل تحدياً في ظل النمو السكاني السريع وارتفاع عدد الداخلين إلى سوق العمل سنوياً.
كما يُظهر التقرير أن دول الخليج تبذل جهوداً واضحة لتنويع اقتصاداتها وتوفير فرص عمل نوعية، خاصة في قطاعات التقنية والخدمات والاقتصاد الأخضر.
وسجلت نسبة البطالة في قطر 0.1% (أدنى نسبة في العالم)، تلتها عُمان 1.46%، ثم الكويت 2.1%، فالإمارات 2.68%، والسعودية 3.5%، ثم البحرين 5.5%.
من الوظيفة إلى اقتصاد الابتكار
لطالما شكّلت الوظائف الحكومية الخيار الأول للشباب الخليجي، خاصة في السعودية والكويت والبحرين.
غير أن السياسات الاقتصادية الجديدة التي تبنتها دول الخليج في إطار رؤاها الوطنية دفعت نحو إعادة هيكلة سوق العمل، وتقليل الاعتماد على التوظيف الحكومي، وفتح المجال أمام القطاع الخاص والمبادرات الريادية.
لا يقتصر تحوّل الشباب الخليجي نحو ريادة الأعمال على البعد الاقتصادي فقط، بل يمتد إلى التحوّل في نمط التفكير، فجيل ما بعد 2000 يتميز بانفتاحه على التقنية، ورغبته في العمل المستقل، والبحث عن حلول مبتكرة للمشكلات المجتمعية.
وبحسب تقرير "جلوبل إنتربرينيورشيب مونيتور" لعام 2023، أظهرت الإحصائيات أن الشباب الخليجي في الفئة العمرية بين 25 إلى 34 عاماً شكل ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الشباب الراغبين في ريادة الأعمال، تتجاوز 30%؛ مما يعكس اهتماماً كبيراً بالاستقلال المالي وخلق فرص جديدة.
وأطلقت المملكة عدة مبادرات لدعم رواد الأعمال مثل "منشآت" و"برنامج كفالة"، أما في الإمارات فقد حقق برنامج "تطوير المشاريع الوطنية الصغيرة والمتوسطة" نتائج لافتة.
وساهمت الحاضنات ومسرعات الأعمال؛ مثل "ستارت أب بوت كامب" في قطر، و"فلات 6 لابز" في البحرين، و"أسترولابز" في دبي، في توفير بيئة داعمة لريادة الأعمال، حيث تتيح التدريب، والتمويل الأولي، وربط المبتكرين بالمستثمرين.
تحديات التمويل والتشريعات
وعلى الرغم من الزخم الكبير الذي تشهده ريادة الأعمال في الخليج، ما تزال هناك تحديات قائمة، أبرزها صعوبة الوصول إلى التمويل، والبيروقراطية في بعض الإجراءات، وضعف الثقافة الريادية في بعض الشرائح.
كما توصي تقارير مثل دراسة "أوكسفورد بزنس جروب" لعام 2024 بتحديث الأطر القانونية لتسهيل إنشاء الشركات، وتوسيع برامج التوجيه والإرشاد، وتضمين ريادة الأعمال في المناهج التعليمية.
ومع تصاعد زخم التحول الرقمي، وزيادة الوعي بأهمية تنويع مصادر الدخل، يتجه شباب الخليج نحو مجالات جديدة مثل التكنولوجيا المالية، والطاقة المتجددة، والتجارة الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي.
ومع استمرار المبادرات الحكومية، وتوسع برامج الدعم، يبدو أن مستقبل الشباب الخليجي يتجه نحو نموذج متوازن يجمع بين فرص التوظيف النوعي وريادة الأعمال المستدامة.
تمكين الشباب
الخبير الاقتصادي د. علي دعدوش، الذي تحدث لـ"الخليج أونلاين" يرى أن ريادة الأعمال في الخليج رافعة حقيقية للتوظيف ومؤشر على تحول تنموي مستدام.
وأشار دعدوش إلى أن "التحول التدريجي من الاعتماد على التوظيف الحكومي إلى تعزيز ثقافة ريادة الأعمال يتماشى مع التوجهات العالمية نحو اقتصادات أكثر تنوعاً وابتكاراً".
وأوضح أن هذا "التوجه تقوده رؤى استراتيجية كبرى، مثل رؤية السعودية 2030 وما يماثلها في بقية دول مجلس التعاون الخليجي، التي تسعى إلى تقليص الاعتماد على النفط، وتمكين الشباب من خلال التدريب والدعم الموجه للقطاع الخاص".
كما أضاف أنه "في الوقت الذي يشهد فيه العالم نمواً في الاقتصاد الرقمي والشركات الناشئة، تتمتع دول الخليج بميزة تنافسية مهمة تتمثل في الموارد المالية القوية والسوق المحلية النشطة، ما يتيح بيئة محفزة لريادة الأعمال".
لكن دعدوش أشار إلى أن "مواكبة الأسواق العالمية يتطلب مزيداً من العمل على تعزيز البنية التحتية التكنولوجية، وتبسيط الإجراءات البيروقراطية، وترسيخ ثقافة المخاطرة الريادية، التي ما تزال في مراحلها الأولى مقارنة بنماذج متقدمة مثل وادي السيليكون أو بعض دول أوروبا"، على حدّ قوله.
وفيما يتعلق بمؤشرات النجاح أشار إلى أن "معدلات البطالة المنخفضة في دول الخليج تعد مؤشراً إيجابياً، حيث سجلت انخفاضاً بنسبة 7% في السعودية، و2.7% في الإمارات، بحسب إحصاءات عام 2024، ما يعكس فعالية السياسات الحكومية في خلق فرص العمل".
ورأى دعدوش أن ريادة الأعمال يمكن أن تشكل حلاً مستداماً للبطالة بين الشباب الخليجي، شرط أن تُدعَم عبر سياسات طويلة الأمد، تشمل:
تطوير التعليم ليتضمن مهارات ريادية متقدمة.
توفير التمويل الميسر والمستدام للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
بناء شبكات دعم تشمل مراكز تسريع الأعمال وبرامج التوجيه والمتابعة.
ومع ذلك نبّه إلى وجود تحديات ما تزال قائمة، من بينها:
ارتفاع تكاليف التأسيس في بعض القطاعات.
المنافسة الإقليمية والدولية.
الحاجة إلى ضمان استقرار اقتصادي كلي.
ولفت دعدوش إلى أن "معالجة هذه التحديات تمثل خطوة حاسمة لضمان استدامة الدور الذي تؤديه ريادة الأعمال في دفع النمو، وتوسيع قاعدة التوظيف في دول الخليج".