دول » دول مجلس التعاون

من الوصمة إلى الوعي.. تحوّل خليجي في فهم الأمراض النفسية

في 2025/04/15

كامل جميل - الخليج أونلاين

في تحولٍ لافتٍ تشهده المجتمعات الخليجية بدأت المفاهيم المتعلقة بالصحة النفسية تخرج من دائرة المحظورات الاجتماعية، لتأخذ مكانها في صلب النقاش العام؛ وهو ما يراه مختصون خطوةً مهمة تخدم التنمية وتدعم الاقتصادات المحلية.

فبعد عقود من الصمت والإنكار، بدأ الحديث عن القلق، والاكتئاب، واضطرابات ما بعد الصدمة، يصبح جزءاً من لغة الحياة اليومية، لا سيما لدى فئة الشباب.

ولطالما ارتبط الحديث عن الأمراض النفسية في المجتمعات الخليجية بنوع من التحفّظ والريبة، ولسنوات طويلة، لم يكن من السهل على المصاب باضطراب نفسي أن يفصح عن معاناته، أو أن يطلب المساعدة دون أن يُواجَه بنظرات التشكيك أو التعاطف الممزوج بالشفقة.

وبحسب تقرير صادر عن معهد دول الخليج في واشنطن (AGSIW)، فإن المرضى النفسيين في الخليج واجهوا لعقود طويلة نظرة دونية وتهميشاً مجتمعياً أدى إلى عزوف كثيرين عن طلب المساعدة، رغم أن الأعراض النفسية شائعة ومتنوعة، وتمسّ مختلف الفئات العمرية والاجتماعية.

تغيير تدريجي

ما يمكن ملاحظته بجلاء أن السنوات الأخيرة شهدت تغيراً تدريجياً في المفاهيم المجتمعية، كان من بينها تغير النظرة السلبية لمن يعانون أمراضاً نفسية.

ساهمت عوامل متعددة في كسر حاجز الصمت، أبرزها الانفتاح الإعلامي، وزيادة المحتوى التوعوي عبر وسائل التواصل، إضافة إلى إدماج الصحة النفسية في السياسات الصحية الوطنية.

ورغم أن هذا التحول ما زال في طور التشكّل، لكنه فتح الباب واسعاً للنقاش، وأعاد الاعتبار لفكرة أن المرض النفسي ليس عيباً، بل حالة صحية تستحق الاحترام والعلاج، تماماً كما هو الحال مع أي مرض عضوي. 

ويفيد تقرير معهد دول الخليج في واشنطن أن نحو 62% من الشباب الخليجيين باتوا ينظرون إلى الأمراض النفسية على أنها حالات صحية طبيعية، تحتاج إلى رعاية وعلاج، لا إلى وصم وتجاهل.

هذا التحول يُعزى في جزء كبير منه إلى الثورة الرقمية والانفتاح على تجارب الشعوب الأخرى، إضافة إلى زيادة الوعي بعد جائحة كورونا، التي فجّرت أزمة نفسية عالمية، ولم تكن مجتمعات الخليج بمنأى عنها.

دور المؤسسة التعليمية

دول الخليج أطلقت برامج دعم نفسي داخل المؤسسات التعليمية، شملت تعيين مختصين نفسيين، وتنظيم ورش عمل لرفع الوعي والتعامل مع الضغوط الدراسية والاضطرابات السلوكية.

أحد أبرز مظاهر التحول في وعي الشباب الخليجي هو الدور الذي باتت تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي.

فعلى منصات التواصل الاجتماعي أخذ أطباء ومختصون نفسيون يقدمون محتوى توعوياً مبسطاً ومتاحاً للجميع.

دراسة نُشرت على منصة PubMed، في فبراير 2024، حللت أثر حملة توعية رقمية نُفذت في دول الخليج، وخلصت إلى أن المراهقين الذين تعرضوا للمحتوى التوعوي أظهروا تحسناً كبيراً في تقبل فكرة العلاج النفسي وطلب المساعدة.

نحو تطبيع الصحة النفسية

جاء في دراسة لشركة "بي دبليو سي" الشرق الأوسط، أن الاضطرابات النفسية غير المعالجة في الخليج تؤدي إلى فقدان 37.5 مليون يوم عمل إنتاجي سنوياً، أي ما يعادل خسائر بقيمة 3.5 مليار دولار سنوياً.

الخطوات الجارية في الخليج تُظهر أن ملف الصحة النفسية لم يعد من المحرّمات؛ فدول المنطقة بدأت تدرك أن الاستثمار في العافية النفسية هو استثمار في الإنسان والتنمية.

وفي ظل رؤى مستقبلية طموحة أصبح تحسين جودة الحياة – وكذلك الصحة النفسية – أولوية واضحة لدى دول الخليج.

ورغم أن الوصمة لم تُمحَ تماماً، فإن الطريق نحو تقبل العلاج النفسي بات ممهداً أكثر من أي وقت مضى.

علاقة الصحة النفسية بالتنمية

المتخصصة النفسية د. تحرير الصافي، التي تحدثت لـ"الخليج أونلاين"، أكدت أن الصحة النفسية ليست مجرد بُعد فردي يتعلق بالرفاهية الشخصية، بل هي حجر الأساس لبناء المجتمع فكرياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً.

وشددت على ضرورة دمج الثقافة النفسية في السياسات التعليمية والإعلامية والاقتصادية في دول الخليج، مشيرةً إلى أن الاستثمار في الإنسان يبدأ من الداخل، من عقله ونفسيته، قبل أن يُطلب منه الإنتاج والعطاء، مبينة:

تُعدّ الصحة النفسية أساساً لتشكيل البنية الفكرية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية للمجتمع.

الإنسان السوي نفسياً هو مصدر النهضة، والإبداع، والتقدّم الحضاري.

لا يمكن للفرد أن يؤدي واجباته الذاتية والاجتماعية على نحو فعّال دون التمتع بصحة نفسية مستقرة.

الاضطرابات النفسية تؤثر سلباً في الإنتاجية، والعطاء، والإنجازات الشخصية والمهنية.

المجتمعات التي تعاني من تدهور اقتصادي ومستوى معيشة متدنٍ، غالباً ما تكون بيئة غير صحية نفسياً.

الانحدار في مؤشرات الرفاهية يؤثر مباشرة على الصحة النفسية للأفراد ويُنتج مجتمعاً مريضاً. 

العلاقة بين الوعي النفسي والنمو الاقتصادي علاقة طردية.

الصحة النفسية تخلق بيئة اجتماعية متماسكة تُبنى على علاقات متوازنة، وتُفضي إلى رفاهية فكرية وثقافية واقتصادية.

الاستثمار في الصحة النفسية يساهم في تحسين جودة الحياة وتوجيه المجتمع نحو مستقبل ينسجم مع طموحات أفراده وآمالهم.

تسهم الصحة النفسية في:

بناء شخصية متكاملة ومتوازنة نفسياً وعقلياً.

إعداد الأفراد لتحمل المسؤوليات الاجتماعية، وتوظيف قدراتهم لخدمة مجتمعاتهم بأقصى طاقة ممكنة.

تحقيق النمو في مختلف الجوانب؛ الاجتماعية والجسدية والانفعالية والحسية والفكرية.

تلبية سليمة للاحتياجات النفسية والاجتماعية.

القدرة على التكيّف مع الواقع، والانخراط في المجتمع، وتنمية المهارات والميول.