في 2025/04/27
(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
عنصر الشباب هو الاستثمار الإستراتيجي للأمم؛ كونهم قادة المستقبل والوقود الحقيقي لنهضة الدول وتقدمها، وهو ما يجعل منهم أولوية متقدمة في أجندة الدول الرشيدة.
في دول مجلس التعاون الخليجي، تفيد أحدث الإحصائيات بأنّ إجمالي عدد اليافعين والشباب في دول الخليج العربية، في "المرحلة العمرية من 10 إلى 24 سنة" بلغ 11.8 مليون يافع وشاب يشكّلون ما نسبته 20.9% من إجمالي عدد السكان، وفقًا لبيانات المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
كما كشف جاسم البديوي أمين عام مجلس التعاون الخليجي أن نسبة الفئة العمرية، من 15 إلى 34 عامًا، بلغت نحو 36 في المئة من إجمالي عدد سكان دول المجلس، وذلك في إعلانه عن عزم المجلس على تبني مقترح إنشاء "مجلس الشباب" في الأمانة العامة، برؤية طموحة لتمكينهم ليكونوا شركاء فاعلين للإسهام في رسم السياسات المستقبلية وتعزيز التكامل؛ بهدف إنشاء منصة مؤسسية دائمة.
هي خطوة مهمة؛ وإن كانت متأخرة بعد تفشي عدد من الأزمات والتحديات التي يواجهها شباب دول مجلس التعاون. وهي، وفقًا لخبراء الاجتماع والراصدين والمهتممين بالشأن الخليجي، تحديات تختلف كُليًا عن التحديات التي واجهتها الأجيال السابقة، والذي شهد الكثير منهم قيام أساسات الدولة ووضع اللبنات الأولى لنُظم الحكم. تُرجع التقارير الراصدة للتحديات الجديدة أمام شباب الخليج أسبابها إلى التصارع والانسياق وراء موجات التطور والحداثة العالمية التي تُعَد نتاجًا لحركات العولمة، والتي برزت بصورة كبيرة في منتصف التسعينيّات من القرن الماضي، إلى جانب السعي لإيجاد معنى وقيمة للحياة، وظهور عدة مشكلات؛ مثل ضرورة إيجاد فرص العمل المناسبة، وقضية البطالة بشكل عام، وغياب التشجيع اللازم لبدء مشاريع جديدة، بسبب سطوة الاقتصاد الريعي لوقت طول.
هناك، أيضًا، مشكلات قلة التعليم وفرص التدريب، والمفاهيم المغلوطة تجاه العمل الحرفي، إلى جانب البعد عن مراكز اتخاذ القرارات وعزوف الشباب عن المشاركة في مؤسسات المجتمع المدني.
كما أحدث الانتقال السريع لمجتمعات الخليج العربية من العيش في النمط التراثي الأصيل إلى التحديث والحداثة، ضمن مجتمعات وبنى سياسية وطنية وعبر جيل واحد، ما يشبه الصدمة الثقافية والتشابك مع الحاضر. كما أدى تغلغل سمات الحداثة والعصرنة، داخل بنية المجتمع والدولة، لينتج عنها مزيج هجين في غالب الأمر، وهو وراء التوتر القائم بين الكثير من شباب الخليج، بسبب الصراع بين الرغبة في استثمار واستغلال أدوات وتقنيات الرقمنة ومنجزات الحداثة والاتصال بصورة قوية، وبين الماضي والتراث الأصيل العربي الخليجي وما يتعلق به من عادات وتقاليد ونمط حياة.
كذلك من المشكلات المؤرقة، تأتي مشكلة عزوف الشباب عن الزواج، وهي ظاهرة تخالف عادات هذا المجتمع الذي كانت تنتشر فيه ظاهرة الزواج المبكر للذكور والإناث. إذ وفقًا للتقارير المتخصصة، فإنّ التكاليف المرتفعة للزواج والمتطلبات العديدة لأهل الزوجة في شروط للزواج من ابنتهم يدفع الشبان إلى العزوف عن الزواج. في الإحصائيات، في المملكة العربية السعودية، ووفقًا لإحصائية رسمية صدرت 4 في العام 2022، هناك 66.2٪ من الشباب السعودي لم يتزوجوا قط، فيما بلغت نسبة المتزوجين 32.4٪، والشبان والشابات الذين لم يسبق لهم الزواج، وفقًا للإحصائية، هم من الفئة العمرية 15- 34 سنة.
كما تقول دراسة تحليلية لظاهرة عزوف الشباب الخليجي، عمومًا، عن الزواج، إن هناك أسبابًا عديدة، ومنها: غلاء المهور، ارتفاع تكاليف حفلات العرس، أزمة السكن، الرغبة في تحقيق الطموحات، تنامي الأنانية، فضلًا عن وسائل التواصل الاجتماعي.
في دولة الإمارات العربية المتحدة؛ أكدت وزارة تنمية المجتمع وجود ظاهرة في البلد تتعلق بتأخر سن الزواج، مؤكدة وجود عدة أسباب رئيسة؛ أبرزها: التكاليف الباهظة، إضافة إلى امتناع الشباب عن الزواج، وعدم رغبتهم بالارتباط أو رغبتهم في الحرية وعدم التزامهم بالمسؤولية. ووفقًا لما ذكرته صحيفة "البيان" المحلية، يقول القاضي خالد الحوسني رئيس محكمة الأحوال الشخصية، في دبي، إن نسب الخصوبة قلت خلال السنوات الأخيرة مقابل ارتفاع سن الزواج.
أما في قطر، يبدي القطريون انزعاجًا من ظاهرة الإسراف في حفلات الزواج التي تجبر العريس على إنفاق أموال طائلة لإقامة موائد وحفلات ضخمة، ويعتقدون أن هذا أبرز أسباب العزوف عن الزواج. وفي تقرير لصحيفة "الراية" المحلية، أعرب عدد من المواطنين عن استيائهم من انتشار ظاهرة الإسراف في حفلات الزواج، مؤكدين أنها تثقل كاهل الشبان بالديون، وتجعلهم يبدأون حياتهم الزوجية بضغوط مادية ونفسية كبيرة.
في سلطنة عمان؛ اقترح العُمانيون تدشين صندوق للزواج ليخفف عن كاهل الشباب المقبلين على الزواج، وعلى الرغم من إعلان إنشاء الصندوق في العام 2011، ثم تحدد مجلس الشورى بعد عامين آليات وشروط هذا الصندوق، لكن وإلى هذا الوقت لم يرَ الصندوق النور. وما يزال الشباب يعلّقون الآمال على إنشاء الصندوق لدعمهم، في ظل تقلبات الأوضاع الاقتصادية وغلاء المعيشة وعادات وتقاليد المجتمع التي تمثل عبئًا إضافيًا ثقيلًا للمقبلين على الزواج؛ ما يؤدي إلى العزوف عنه أو الدخول في ضغوطات نفسية ومادية ترهق كاهلهم.
في البحرين، لا يختلف البحرينيون عن بقية الخليجيين في أسباب العزوف عن الزواج؛ حيث إن المتطلبات المعيشية وتكاليفها الباهظة ومشكلات الحياة الزوجية تدفع إلى ذلك. ووفقًا لتقرير لصحيفة "البلاد" المحلية؛ "المشكلة تتمثل بغياب دور الأسرة في توعية أبنائها بمعنى الزواج، والانسياق وراء ما يبثه الإعلام من مفاهيم مغلوطة عن الأسرة والزواج.
هناك مشكلة أخرى تتعلق ببعد الشباب، وبالأحرى تهميشهم في مجال المشاركة السياسية، ووجود مقاربة في الأنظمة الخليجية بأنّ ضمان دخل جيد لن يتسبّب في مشكلات سياسية.وهي مجازفة تنذر بتداعيات خطيرة؛ لأنها لن تضمن ولاء الشباب للدولة الخليجية، إذ لا يكفي ضمان مداخيل جيدة للمواطنين، وتحقيق إشباعهم المادي، فقد تحدث أزمات او طوارئ تؤثر في توفير هذا الإشباع، ويكون المطلوب من الشباب، ما لم يُشركوا في المسؤولية، أن يتحمّلوا التداعيات والتضحيات، وهو أمر غير مضمون العواقب.
لذلك؛ لا بدّ من أن تُتخذ مبادرات إنشاء مجالس للشباب؛ فيها برامج سياسية ومشاركات حقيقية ودراسات معمقة للأسباب العميقة للأزمات، وتوقع السيناريوهات المستقبلية، وتلافي مخاطرها من الآن، خاصة وأنّ المعارك والحروب القادمة تدار بفلسفات واستراتيجيات مختلفة؛ أغلبها يهدف إلى تفكيك الدول والمجتمعات.