هي ليستْ جريمة، هي فاجعة بكل المقاييس، تلك التي ضربتْ أرقى وأرق العواطف البشرية، ومزّقتْ بسواطير الدنس العقلي جسد الأمومة والأبوة والأخوة بعد أن تجرّدتْ من كل القيم الإنسانية، وباسم مَن؟، باسم الدين للأسف، وبسبيل البحث عن الجنة في الطريق المؤدي مباشرة إلى جهنم.
فاجعة دواعش الحمراء ليست حادثة فقدان صواب، ولا هي جريمة مخدرات اخترقتْ جدار القيم على حين غفلة، ولا هي حماقة أو طيش ثأر بائت، لذلك، ولأنها انفجرت في كنف الأسرة وفي صميم بنائها، وعلى ذراع حنان الأم، وفي ظلال رأفة الأب وتعرّق جبينه، فإنها بالتالي ليست مصاب عائلة، وإن تكوّم حرّ الوجع كله فوق دماغها، وإنما هي مصاب بلد بأكمله، وبمختلف شرائحه ومكوناته التي اهتزت لهول الفاجعة وبكتْ، والتفتتْ تنظر بريبة إلى أبنائها، لكن.. إذا كانت هذه الواقعة قد أدمتْ قلوبنا معا، فإن ما يجب أن يوجعنا أكثر هو بعض ردود الفعل على مواقع التواصل، خاصة تلك التي أرادتْ أن تقلل من هول الحدث، بتصنيفه كأي جريمة تقليدية يمكن أن تحدث في أي مكان في العالم، وهذا ما يجب أن نتنبه إليه، فهو تبرير مبطن لدوافع هذه الجريمة المنكرة، فقد ذهب البعض لاستحضار حادثة أم أمريكية تقتل طفلتيها، والتعليق بسخرية على هذه الحادثة بمطالبة الرئيس الأمريكي بتغيير المناهج، أو تلك الآراء التي أحالت الأسباب بصفاقة إلى مسؤولية الأسرة عمّا حدث، وصولا إلى القول بأن الفارق الكبير في السن بين الأبوين من جهة والأبناء من جهة أخرى أدّى إلى شيء من الخلل التربوي، وعشرات التخريجات التي تريد أن تُعلق مسؤولية هذه الفاجعة على أي مشجب وكفى، المهم ألا يتحدث أحد عن التشدد والغلو والتطرف تلك التي عبّأتْ سواعد فلذات الأكباد حقدا ليمزقوا لحم الأمومة والأبوة بدم بارد، وإن كان ولابد فليكن الحديث عن داعش وانتهى الأمر، وهذا التسطيح، والخوف من مناقشة الخطاب الديني هو ما يجرنا إلى مقابلة هذا الفكر الأسود في مثل هذه المنعطفات المظلمة، وهو ما يجعلنا أقلّ من أن نستطيع مواجهة استفحال خطره الداهم في قادم الأيام.
نعم داعش على الخط، وهي عدو معلن لا يُخفي عداوته لنا، وربما هنالك الكثير من أدوات التسلل التي تمكن هذا التنظيم عبرها من اختراق نسيجنا الاجتماعي، وضرب أغلى عتادنا باستهداف شبابنا، لكن أيضا يلزم أن نعترف بأن هنالك حاضنة بشكل أو بآخر لهذا الفكر القاتل، هذه الحاضنة قد لا تتبنى نفس المنهج القائم على تحريف «الأقربون أولى بالموت» عوضا عن المعروف، ولكنها تأبى أن يُنسب أي عمل قذر إلى الفكر ذاته، بدعوى أنه تشويه للدين، في حين أن السكوت عن هذا الأمر هو ما يشوه الدين الذي يبقى أسمى وأنقى من كل هذه الارتكابات التي تحدث باسمه، لأن تشخيص العلة هو نصف الطريق باتجاه علاجها.
أخيرا.. عندي سؤال لا يزال يبتلّ في حلقي: هل يستحق هذا الفكر الحاقد الذي تخطى كل البشاعات المقيتة سماحة وموضوعية المناصحة؟ مجرد سؤال؟.
فهد السلمان- اليوم السعودية-