جميل الذيابي- عكاظ السعودية-
كشفت حادثة الطائرة المُسيّرة الترفيهية التي أسقطت في حي الخزامى بالعاصمة الرياض ليلة الأحد الماضي، أن الجهات السعودية المعنية توشك أن تفرغ من صياغة الضوابط والشروط اللازمة للحصول على تراخيص اقتناء وتشغيل مثل هذه الطائرات. وهو تطور غاية في الأهمية؛ إذ إن الطرازات الترفيهية Recreational من هذه الطائرات غير المأهولة أضحت هواية لعدد من الشباب. وبات الحصول عليها من بوابات التجارة الإلكترونية متاحاً، إلى درجة أن بعض منافذ تلك البوابات أضحت تعرض شحنها للمشتري كقطع مفككة، على شحنات عدة، ليقوم المشتري بتجميعها وتشغيلها، لتفادي الإجراءات الجمركية الصارمة بشأن دخول هذه الطائرات.
وهي «هواية» ترافقها محاذير عدة، لا بد من الوقوف عندها. صحيح أن هذه الطائرات التي تدار عن طريق وحدات تحكم عن بعد يمكن أن ترضي شغف هواة الطيران والتحليق الحر؛ غير أن بعضها يُزود بكاميرات عالية الدقة، يمكن استخدامها في التصوير والتجسس، وتصوير المناطق المحظورة أمنياً. كما أنها - كما رأينا من متابعات عدة لهذه الصحيفة - يمكن أن تستخدم لتهريب المخدرات والهواتف النقالة الممنوعة للسجون. وبالإمكان تسليحها لتكون أداة للقتل والتخريب.
ولذلك كله، فإن استخدام هذا النوع من الطائرات التي تحلق بلا طيار لا بد أن تحكمه ضوابط، وشروط واضحة، لئلا تصبح هناك ثغرة تمس الأمن الوطني.
ولا أشك في أن الضوابط المرتقبة ستراعي مصالح قطاعات وجهات مهمة، كالهيئة العامة للطيران المدني التي لن تسمح بتحليق هذه الطائرات في مسارات تهدد سلامة طائرات الركاب. كما أن الجهات المعنية بأمن المجتمع لن تسمح بتحليق هذه الطائرات فوق المناطق المأهولة في المدن والقرى، لضمان عدم انتهاك خصوصيات الأفراد والأسر. لكن الأهم من ذلك كله، من وجهة نظري، أن حادثة حي الخزامى (الرياض)، أكدت ضرورة تعيين متحدث رسمي باسم الدولة (الديوان الملكي)، للتدخل والتعليق السريع بإيضاح كل حادثة عند وقوعها؛ منعاً للبلبلة والـFake News التي ستترتب على الصمت الرسمي حياله. فقد تفرّغ أعداء السعودية تلك الليلة لنسج الأقاويل والأباطيل، وتهويل تأويلاتهم وتخرصاتهم، وسلاحهم الوحيد هو «أكدت مصادري... وذكرت لي مصادر مطلعة... ومصادر مقربة وووإلخ».
وساعدهم على اختلاق تلك المبالغات والأكاذيب سهولة النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي. في حين ظل من يقدرون قيمة المصادر الحقيقية التي تعرف نفسها بصفتها وأسمائها مطمئنين إلى أنه لم يحدث شيء مما ذهب إليه معشر الكذابين والمفبركين و«وكالة يقولون» ما دامت الجهات الرسمية لم تعلق مباشرة عما تحدثوا عنه.
صحيح أن السعودية سبقت دولاً عدة، بإلزام جميع الجهات الحكومية بتعيين متحدث رسمي باسم كل منها، لتوحيد الخطاب الحكومي تسهيلاً على المواطنين والمقيمين والباحثين عن الحقيقة. لكن الأكيد أن الدولة تحتاج أيضاً إلى تعيين متحدث رسمي باسمها يملك القدرة على التعليق السريع لقطع دابر الإشاعات، وسدّ الأبواب بوجه صناع الأخبار الزائفة، البارعين في التلفيق والفبركة. فلولا الصمت غداة حادثة حي الخزامى لما وجدوا هامشاً زمنياً لبث ذلك الكم من البلبلة والتهريج. وقياساً بالمؤسسات السيادية المماثلة، فإن القصر الملكي البريطاني (باكنغهام) لديه متحدث باسم العائلة المالكة البريطانية. وفي الوقت نفسه يوجد متحدث رسمي باسم رئيسة الوزراء تيريزا ماي. كما أن المتحدث باسم البيت الأبيض هو (أو هي) لسان حال الرئيس الأمريكي في مختلف الإدارات المتعاقبة.
ويوجد في البيت الأبيض نفسه متحدث آخر باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي الذي يخضع للرئيس الأمريكي مباشرة. وفي فرنسا هناك متحدث باسم قصر الإليزيه، مقر الرئاسة، مثلما يوجد متحدث باسم الحكومة التي يرأسها رئيس الوزراء الفرنسي. ولذلك أعتقد أن هناك حاجة في ظل المتغيرات والمستجدات السياسية أن يكون هناك متحدث باسم الديوان الملكي ورئاسة مجلس الوزراء السعودي، للرد والتعليق السريع والحاسم على الأحداث والأخبار الزائفة التي تروجها بعض الفضائيات المغرضة، أو من يتخذون من مواقع حسابات التواصل الاجتماعي منصة للانتشار «للتشويش والشوشرة» لأهداف معادية. ولقطع دابر ذلك لا بد من وجود متحدث معني بالرد والتوضيح والتعليق السريع حتى لا تظل «الفبركات» تنتشر لتكتسب ما يشبه المصداقية عند الرعاع.