عماد حسن- DW- عربية-
تطورات متسارعة في المشهد اليمني بدأت بمحاولة حوثية إغراق سفن قالوا إنها بوارج عسكرية سعودية. الرياض نفت بشدة قائلة إنها ناقلات نفط ضخمة، وذهبت لأبعد من ذلك، إلى اتخاذ قرار مثير بوقف صادرات النفط عبر مضيق باب المندب.
تطور نوعي في أحداث الحرب باليمن. تقول جماعة أنصار الله الحوثية إنها استهدفت سفناً حربية سعودية قرب مضيق باب المندب، لكن السعودية نفت بشدة وقالت إن السفينتين هما ناقلتا بترول كانتا تحملان كميات هائلة من النفط وأن إحداهما أصيبت بأضرار طفيفة وأن إغراقهما كان سيتسبب في كارثة بيئية هائلة. الحوثيون قالوا إنهم استهدفوا مطار أبوظبي بطائرة مسيرة، لكن مسؤولا إماراتيا نفى ذلك أيضا.
الرياض وفي رد فعل سريع، وبناء على اجتماع لولي العهد الأمير محمد بن سلمان جرى فجراً مع عدد من قيادات الدولة، قررت وقف مرور شحنات النفط السعودية عبر مضيق باب المندب إلى حين تأمين الممر الملاحي من الصواريخ الحوثية.
توضيح بخصوص الهجوم على ناقلتين تابعتين لشركة (البحري) في البحر الأحمر، كانتا تحملان شحنات من النفط الخام العائد لـ #أرامكو_السعوديةhttps://t.co/3n13X4kocN
— aramco | أرامكو (@Saudi_Aramco) July 25, 2018
وعلى الفور أدانت مصر والبحرين والإمارات والكويت التصعيد الحوثي الأخير، فيما ارتفعت أسعار النفط عالمياً بعد ساعات من قرار السعودية تعليق شحن النفط عبر باب المندب
شبح إيراني في خلفية المشهد
وفي مقابلة لــ DW عربية مع الدكتور عامر السبايلة، الكاتب الأردني والخبير الاستراتيجي، قال إن الرابط المنطقي الوحيد لهذا التصعيد الأخير هو أنه جاء نتيجة الضغوط المستمرة من جانب الولايات المتحدة على إيران والتلويح بمنع تصدير النفط الإيراني لترد طهران بأنها إن لم تصدر النفط فلن يصدره غيرها في الخليج وبالتالي هذا التصعيد هو ترجمة للتهديد الإيراني.
بيد أن السبايلة يرى "أن الإيرانيين أخطأوا في مثل هذا التوجه لأنه في النهاية حتى وإن قالوا إنهم لم يكونوا خلف ما حدث في مضيق باب المندب فلا يمكن ألا أن نربط منطقيا تسلسل الأحداث ببعضها لتعود إيران مرة أخرى في خلفية المشهد".
إيران .. حبل الخناق يضيق
وتعاني إيران من أزمات اقتصادية كبيرة، فالعملة تنهار والتهديد بمنعها من تصدير النفط أصبح حديثاً أمريكياً شبه يومي. كما أن شهر العسل مع الحليف الروسي بدأ يتحول إلى خريف. ويبدو النظام الإيراني منشغلاً بالحرب على أكثر من صعيد أخطرها الصعيد الداخلي.
ويقول السبايلة إن مساحة المناورة لدى الإيرانيين تضيق يوماً بعد يوم وبوتيرة سريعة، خاصة مع إلغاء الاتفاق النووي واقتناعهم بعدم جدوى الشق الأوروبي في هذه المعادلة. وهو ما جعلهم يشعرون بأنهم مستهدفون بشكل مباشر كما أنهم يعلمون الآن أن الأزمة تتجه إلى الداخل الإيراني.
"فالهروب من الاستحقاق القادم سواء كانت طبيعته اقتصادية أو مواجهات مسلحة على الحدود ذات طابع اثني، وما يحدث لهم اليوم من تجريدهم من جنوب العراق وخسارتهم للجنوب السوري، كل هذه الأمور لا شك أدت لأن يستشعر الإيرانيون أن اللحظة القادمة هي لحظة التفجير في الداخل الإيراني"، يقول السبايلة. إذن فلابد لهم من التصعيد لتجنب الوصول إلى هذه النقطة.
حلفاء السعودية.. هل حان وقت التحرك فعلياً؟
ولا شك في أن خطوة السعودية تهدد إمدادات النفط العالمي وهي خطوة يتوقع أن تحذو حذوها دول خليجية أخرى لا يبتعد قرارها السياسي عن القرار السعودي. ويرى السبايلة أن الخطوة السعودية توحي لدول المنطقة بأن الأزمة استفحلت وأنها أصبحت جد خطيرة وخرجت عن السيطرة.
وربما تكون السعودية قد تعمدت اتخاذ هذه الخطوة لدفع دول إقليمية ودولية للتدخل معها بشكل مباشر في أزمة اليمن وهي التي فشلت خلال الفترة السابقة في جر أقدامها لهذه المعركة.
ويضيف قائلاً: "معطيات الأمور في اليمن باتت شبه محسومة فآخر معارك الحديدة هي من ذلك النوع الذي يطول أمره ويزيد تأثيره وألمه لأنها معارك غير تقليدية ما بين فخاخ وشراك خداعية وعبوات ناسفة وعمليات قنص لجنود، فهي في النهاية عمليات صغيرة لكنها مؤذية بالفعل وترفع من حجم الخسائر".
وبالتالي فالتحرك السعودي الحالي هو تحرك ضاغط على كل العالم فعليا وعندما تتحرك دول الخليج وتوقف صادرات نفطها عبر باب المندب سيصبح التأثير عالمياً. وإذا كانت القضية لها عدة سنوات محصورة في مربع صغير، وهو مربع اليمن، فاليوم لم يعد ممكناً أن يكون الأمر مرتبطاً باليمن فقط. فستكون لخطوة السعودية تداعيات على الاقتصاد العالمي فعليا وهذا ما سيدفع الجميع للتحرك بسرعة.
إيران.. وضغوط الحلفاء
وبفرض الجزم بأن لدى إيران أياد خفية في التصعيد الحوثي الأخير فكيف أمكن أن تتخذ إيران قراراً بهذا الشكل وهي لا تتوقع ألا يغضب حلفاؤها أو أن يتخلوا عنها؟ يقول السبايلة إن التلويح بإغلاق مضيق هرمز أثار ضيق الحليف الصيني بالفعل، فلا أحد يمكنه أن يتحمل إغلاق المضايق ولا إيقاف حركة التجارة العالمية والتأثير على صادرات وواردات النفط فالأمر تحول الآن إلى مشكلة كبيرة ذات طابع دولي.
ويضيف الخبير الأردني قائلاً: من الواضح أن إيران تضع نفسها في موقف لا يستطيع حتى حلفاؤها أن يحتملوه أو أن يقفوا إلى جانبها. ففي النهاية هناك استحقاقات دولية وإيران اليوم تضع نفسها في خانة الخارج عن القانون الدولي وهذا أمر خطير للغاية وهذا ما كانت تسعى إليه الولايات المتحدة منذ مدة فعليا. وهي بذلك - الولايات المتحدة - تقول للأوروبيين في النهاية أنتم أردتم أن تحافظوا على اتفاق ينتهي اليوم إلى وجود عامل قرصنة وبلطجة في المنطقة وهذا سيؤثر على العالم .. هذا سيجعل الأوروبيين من أكثر المتضررين لاحقا سواء سياسياً أو اقتصاديا.
سيناريوهات متوقعة
وعن توقعاته لما قد تسفر عنه الأيام المقبلة يقول السبايلة لــ DW عربية "إن كل هذه الأحداث تشير إلى أننا ذاهبون إلى مشهد تتحول فيه إيران إلى عبء على العالم وليس فقط على حلفائها، وهو سيناريو نسير فيه منذ مدة. فالإيرانيون اليوم أمام استحقاق يعلمون تماماً أنه في غير استطاعتهم تجنبه وبالتالي هم يلقون بآخر أوراقهم.
لكن من الواضح فعلياً أن الولايات المتحدة تسير بخطة ممنهجة وبخطى ثابتة، فالضغط الاقتصادي واضح وفكرة احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة واضحة أيضا، وكذلك فكرة تحويل إيران إلى عدو للمجتمع الدولي. هذا كله يظهر بجلاء وتتضح معالمه بصورة يومية لذلك "أرى أننا سنشهد تصعيداً إقليمياً في الفترة المقبلة".