حنين ياسين - الخليج أونلاين-
لم يشكل إعلان جماعة الحوثي اليمنية، يوم الاثنين 27 من أغسطس 2018، استهداف قواتها الجوية لمطار دبي الدولي، خرقاً كبيراً لسيادة الإمارات وتهديداً مباشراً لأمن منشآتها الحيوية فقط، فتداعيات الحدث الاقتصادية أوسع من ذلك.
مراقبون اقتصاديون يقولون إن الإمارات، وخاصة إمارة دبي، تعاني في السنوات الأخيرة من أزمة كبيرة تتعلق بتراجع الاستثمارات الأجنبية، وانهيار أسعار العقارات، وتراجع حركة السياحة، وهي قطاعات تصنف على أنها دعائم لاقتصاد البلاد.
ويأتي استهداف الحوثيين لمطاري دبي والعاصمة أبوظبي ليفاقم من هذه الأزمات ويقود اقتصاد الإمارات نحو الهاوية، خاصة إذا ما تفاقم التهديد الحوثي في الفترة المقبلة وشنت الجماعة مزيداً من الهجمات.
ورغم نفي الإمارات لأي استهداف لمطاراتها، فإن الإعلان الحوثي وحده يكفي لإثارة قلق ومخاوف رأس المال الأجنبي الذي يوصف بـ"الجبان"، ودفعه نحو الابتعاد عن أي خطر قائم أو محتمل، كما يقول المراقبون.
وقالت الجماعة، عبر قناة "المسيرة" التابعة لها، إن سلاح الجو المسير لقواتها "نفذ هجوماً جوياً نوعياً على مطار دبي الدولي بطائرة مسيرة من طراز صماد 3"، وأشارت إلى أن الهجوم على مطار دبي الدولي، العاصمة الاقتصادية للإمارات، نفذ بعد رصد ومعلومات استخباراتية دقيقة.
وذكرت الجماعة أن الهجوم يأتي "رداً على مشاركة الإمارات الرئيسة في العدوان على اليمن، وارتكاب مئات الجرائم بحق المدنيين منذ ما يقرب من أربعة أعوام".
وفي يوليو الماضي، كانت الجماعة اليمنية قد أعلنت استهداف مطار العاصمة الإماراتية أبوظبي بطائرة مسيرة من طراز "صماد 3"، وقالت حينها إن الغارة أدت إلى "توقف حركة الملاحة في المطار".
- هروب الاستثمار الأجنبي
وحول تداعيات هذه الاستهدافات، يشير المحلل الاقتصادي عبد الرحمن العساف إلى أن "التهديدات الحوثية المتواصلة للإمارات، ومحاولاتها لاستهداف مطارات دبي وأبوظبي، يخلق حالة قلق لدى المستثمرين الأجانب".
وأضاف العساف لـ"الخليج أونلاين": "إن استهداف مطاري دبي وأبوظبي حتى لو نفت السلطات الإماراتية ذلك، سيكون له تداعيات اقتصادية خطيرة على الاقتصاد الإماراتي، خاصة قطاع الاستثمارات الأجنبية الذي سيتراجع بشكل كبير".
ويعتبر أن مشاركة الإمارات في حرب اليمن إلى جانب السعودية، يخلق أزمة كبيرة لها، ويؤثر بشكل مباشر على مستقبل الاستثمار المحلي والأجنبي فيها.
وأشار إلى أن الاستثمارات الأجنبية في الإمارات والسعودية على حد سواء تراجعت في السنوات الأخيرة بشكل لافت، إضافة إلى انخفاض درجة الثقة بالاقتصاد الإماراتي.
ورأى العساف أنه في حال تواصلت الحرب في اليمن، واستمرت التهديدات الحوثية للإمارات، سواء بشكل إعلامي أو تم تنفيذها على الأرض، فإن ذلك يعني استمرار استنزاف الاقتصاد الإماراتي وزيادة الركود الذي يضرب مفاصله.
وكشف تقرير للإذاعة الرسمية الألمانية "دويتشه فيله"، الأحد الماضي، أن نموذج دبي للنجاح الاقتصادي يمر بأزمة صعبة، وسط تراجع أسعار العقارات بنسب تراوحت بين 5 و10%.
وتوقّع التقرير، مستنداً إلى رواية محللين وخبراء اقتصاديين، أن يستمر تراجع أسعار العقارات بإمارة دبي خلال العام القادم (2019)، فضلاً عن تسجيل ركود في حركة السفر، وتراجع البورصة بنسبة نحو 13%.
وشهد سوق العقارات المباعة في دبي- وهو أحد أعمدة اقتصاد الإمارة- تراجعاً بنسبة 46% في الربع الأول من 2018، بينما تراجع سوق العقارات الجاهزة بنسبة 24%.
ولفت التقرير الألماني إلى أن هناك ركوداً في حركة السفر إلى دبي التي باتت تعاني من حركة هجرة متزايدة للكفاءات الأجنبية العاملة فيها لأسباب من أبرزها تراجع فرص العمل والدخل، وارتفاع تكاليف المعيشة.
ورأى أن مساعي دبي للخروج من أزمتها تصطدم بتوجه الاستثمارات العالمية إلى أسواق بديلة، واستمرار تدني أسعار النفط، وتراجع مستوى الدخل، والتوترات الجيوسياسية الحادة في منطقة الشرق الأوسط.
- السياحة.. الأكثر تضرراً
من ناحية أخرى، ذكر المختص في الشأن الاقتصادي، وليد سيف، أن "القطاع السياحي سيكون من أشد القطاعات الاقتصادية المتضررة في الإمارات من جراء الاستهدافات الحوثية للبلاد، فالسائح يبحث عادة عن مناطق خالية من أي نزاعات أو مخاطر ليستمتع بوقته".
وأضاف سيف لـ"الخليج أونلاين": "مصر كانت من أكثر الدول جذباً للسياحة، ولكن بسبب الهجمات الإرهابية المتكررة التي ضربتها في السنوات الأخيرة، تراجعت معدلات السياحة بنسبة وصلت إلى 80%، وتلقت خسائر تقترب من 90 مليار دولار".
وتابع: "أتوقع أن يكون مصير الإمارات، وخاصة عاصمتها الاقتصادية دبي، شبيهاً بما حدث مع حليفتها المقربة مصر، إذا استمرت التهديدات الحوثية"، موضحاً أن "السياح الأجانب لن يأتوا إلى بلاد مهددة مطاراتها بالاستهداف في أي وقت".
ورأى سيف أن الحوثيين لن يختاروا هدفهم بشكل عشوائي، مبيناً أن "ضربهم لمطار دبي، وقبله أبوظبي، هدفه خلق أزمة اقتصادية في الإمارات، والتأثير على تدفق الاستثمارات الأجنبية وحركة السياحة والاقتصاد بشكل عام".
جدير بالذكر أن عدد السياح الأجانب الذين زاروا دبي تراجع بنسبة 0.5%، في النصف الأول من العام الحالي، وهي وتيرة نمو أبطأ بكثير من تلك المسجلة عام 2017 والتي بلغت 10.6%.
وبحسب بيانات رسمية صادرة عن دائرة السياحة في دبي، مطلع الشهر الجاري، فإن الإمارة "استضافت 8.1 ملايين سائح أجنبي قضوا ليلة واحدة فقط في الشهور الستة المنتهية يوم 30 يونيو الماضي"، وكانت دبي استقبلت 8.06 ملايين سائح في النصف الأول من عام 2017، ما يمثل حينها زيادةً نسبتها 10.6 في المئة على أساس سنوي.
وانخفضت وتيرة نمو حركة المسافرين عبر مطار دبي الدولي إلى ما يقارب الصفر في العام الحالي؛ بعد زيادات قوية على مدى 15 عاماً، رغم أن الإمارات خففت قواعد منح تأشيرات السفر للصينيين والروس، في الأعوام القليلة الماضية، بهدف دعم السياحة.