الخليج الجديد-
منذ اللحظات الأولى للإعلان عن هجوم الأحواز الذي استهدف عرضا عسكريا للحرس الثوري الإيراني بمنطقة بندر عباس بالإقليم الواقع جنوب غربي إيران، تعقدت الخيوط سريعا، وبدا أن الأمور أكبر كثيرا من حجمها المتصور.
هجوم مسلح على تجمع عسكري تبنته مجموعة مناوئة للحكومة، تحدث هذه الصيغة عدة مرات في عدد من دول العالم التي تشهد توترات لأسباب إثنية أو جيوسياسية أو حتى اقتصادية، لكن في حالة الأحواز بدا الأمر مختلفا ومتسارعا نحو تصعيد يتجاوز الحدود الإيرانية، وربما قد يؤثر في منطقة الشرق الأوسط، التي تهتز حاليا فعليا فوق مرجل في مرحلة الغليان.
حدث هذا في عدة ساعات، من بداية الهجوم، الحرس الثوري يتهم بشكل مقتضب دولتين خليجيتين (لم يسمهما في البداية) بالمسؤولية عن الهجوم.
بيان من الحرس الثوري الإيراني يتهم المنظمة الإسلامية الأحوازية بتنفيذ الهجوم، ويؤكد أنها ممولة من السعودية.
الرئيس الإيراني ووزير خارجيته يتوعدان بالرد على "رعاة الإرهاب الإقليميين وأسيادهم الأمريكيين".
مستشار سابق لولي عهد أبوظبي يكتب تغريدة مذهلة في لغتها الشامتة بالهجوم، بل واعتباره غير إرهابي مع زج لولي العهد السعودي في الأمر عبر استحضار كلمة سابقة له عن نقل المعركة إلى الداخل الإيراني.
تفاعل إيراني مع تلك التغريدة على مستويات عليا واستدعاء للقائم بالأعمال الإماراتي.
كل هذه التطورات المتلاحقة تقود إلى سؤال محدد: هل كان هجوم الأحواز تنفيذا فعليا لتهديد سعودي سابق بنقل المعركة إلى داخل إيران، كشفت عنه تغريدة المسؤول الإماراتي السابق أم أن الأمر لا يعد كونه تصريحات طائشة؟
3 ملاحظات
في مجال الإجابة على هذا السؤال، يجدر تسجيل عدة ملاحظات حول الهجوم..
أولا: الهجوم كان جريئا وتظهر به رغبة في إظهار قوة واضحة، قياسا بهجمات المنظمات المناوئة لإيران في الأحواز، فاستهداف عرض عسكري بهذه الجرأة يعد سابقة، وهو أمر محرج للكبرياء العسكري الإيراني، وهذا الأسلوب يتناغم أكثر مع فرضية وجود طرف خارجي يريد إرسال رسالته بوضوح.
وكما قالت صحيفة "وول ستريت جورنال": "طالما وقعت مناوشات بين الانفصاليين والحكومة في الإقليم، لكن وقوع مثل هذا الهجوم المنسق أمر نادر".
ثانيا: سرعة رد فعل الحرس الثوري في اتهام دولتين خليجيتين، ثم الحديث عن السعودية بشكل صريح، بعد ساعات قليلة من الهجوم تشي بأكثر من مجرد رغبة في التصعيد وإيجاد طرف خارجي للمواجهة من أجل التنفيس المحلي، نتحدث هنا عن وجود معلومات استخباراتية محتملة، ورغم هذا لا يجب استبعاد فرضية التنفيس المحلي، قياسا إلى أسلوب القادة الإيرانيين في رغبتهم بخلق أعداء خارجيين باستمرار، لضمان توحد الجبهة الداخلية خلفهم.
ثالثا: تمكن المهاجمين من اختراق التشديدات الأمنية والوصول إلى منصة العرض تشي بأنهم مدربون جيدا ولديهم وسائل متطورة للاختراق، وربما أموال لشراء الذمم، وهو ما يقود إلى احتمالية وجود ثغرة أمنية خطيرة داخل الحرس الثوري نفسه استغلتها أطراف أخرى.
تصريحات مهمة
في التاسع من مايو/أيار 2017، طالب رئيس "اللجنة التنفيذية لإعادة شرعية دولة الأحواز العربية"، الدكتور "عارف الكعبي"، دول الخليج بدعم حركته لمواجهة إيران من الداخل، لأن الإيرانيين لا يفهمون إلا لغة القوة، كاشفا أنهم تقدموا بهذا الطلب رسميا إلى مجلس التعاون الخليجي، في 2016، دون أن يتحدث عن الرد الخليجي على ذلك الطلب.
تضريحات "الكعبي" لموقع "إرم نيوز" الإماراتي – آنذاك – كانت تفاعلا مع تصريح للأمير "محمد بن سلمان"، حينما كان لا يزال وليا لولي العهد السعودي، نقله التليفزيون السعودي الرسمي، قال فيه إن السعودية لن تنتظر حتى تصبح المعركة مع إيران على أرضها، بل إنها ستعمل على نقل المعركة إلى إيران.
"الكعبي" أكد أنهم نقلوا إلى مجلس التعاون الخليجي أن الحل لمواجهة التدخل الإيراني بدول الخليج بشكل خاص، هو نقل المعركة إلى داخل الأحواز العربية، مشيرا إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" تشاطرهم هذا التوجه.
وتحدث المسؤول الأحوازي المناوئ لإيران عن تفاصيل عن تواجد الجيش الإيراني والحرس الثوري في الإقليم، وسبل مواجهته وتحييده، في حالة اندلاع معركة في الأحواز.
وبعد هجوم الأحواز بساعات، كان المتحدث باسم "حركة النضال العربي لتحرير الأحواز"، "يعقوب التستري" يتحدث إلى تليفزيون إيران الدولي، ومقره في لندن، وهو منفذ إعلامي يموله مستثمرون سعوديون، بحسب "وول ستريت جورنال".
ومع ربط تلك الخيوط بالتغريدة المثيرة للمستشار السابق لولي عهد أبوظبي، "عبدالخالق عبدالله"، والتي قال فيها إن الهجوم ليس إرهابيا، واستحضر مقولة "بن سلمان" عن نقل الحرب إلى الداخل الإيراني، تتأرجح التحليلات بين وجود مسؤولية حقيقية للسعودية والإمارات وراء الهجوم، وبين أن الأمر لا يعد كونه مجرد تصريحات طائشة، لكن في الحالة الثانية ستستدعي الحالة ردا إماراتيا يتبرأ بوضوح مما قاله "عبدالخالق عبدالله".
لكن هذا لم يحدث حتى الآن، بل على العكس، خرج وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية "أنور قرقاش" ليبدي استغرابه من التصعيد الإيراني بسبب تغريدة مواطنه المسؤول السابق، واتهم طهران بالتحريض على بلاده.
مراقبون لا يستبعدون هنا صحة فرضية وجود محاولة إماراتية لتوريط السعودية في الأمر، بغض النظر عن حقيقة ما حدث، فاستدعاء تصريح "بن سلمان" في تغريدة المسؤول الإماراتي السابق، لا ينبغي – برأيهم – أن ينظر إليه ببراءة، قياسا إلى مؤشرات تتحدث عن صراع إماراتي سعودي تدور تفاصيله في الخفاء على زعامة الإقليم والتقرب من الإدارة الأمريكية.
على أية حال، تبدو كل سيناريوهات الأيام المقبلة قاتمة، في ضوء الغضب الإيراني الكبير من الحادث بتفاصيله، وفي ضوء رد الفعل الخليجي الذي غرق في حالة اللامسؤولية، عدا الكويت التي سارعت إلى إدانة الهجوم عبر كل مستوياتها، ومع مراعاة أن لعبة الميليشيات والعصابات تجيدها إيران ببراعة، فإن ما يمكن توقعه لن يكون جيدا أبدا.