الخليج أونلاين-
تضيق كثيراً دوائر المسؤولية عن إخفاء وقتل الإعلامي السعودي المعروف، جمال خاشقجي، على صنّاع القرار في المملكة العربية السعودية؛ ولا سيما أن الإعلام الغربي يتحدّث بشكل مباشر وواضح عن أوامر مباشرة من ولي العهد، محمد بن سلمان، استناداً إلى مصادر في المخابرات الأمريكية، وكما يبدو دون علم والده، الملك سلمان، أو موافقته.
- خاشقجي.. أزمة سعودية
كرة الثلج المختلطة بلغة الاتّهام والتشكيك بدأت تتدحرج بسرعة في الساعات الأخيرة باتجاه القيادة السعودية، بعد أن خرجت من مسار الأزمة الثنائية بين أنقرة والرياض، وأصبحت في القضية المتفاعلة بقوة في وسائل الإعلام العالمية طور التدويل السياسي.
فقد تلقّى محمد بن سلمان وكبار مسؤوليه سيلاً من الاتصالات المحمّلة بكثير من القلق والتشاؤم لمصير خاشقجي، لا سيما من الولايات المتحدة الأمريكية وعدة دول أوروبية، للكشف عن حقيقة ما حصل معه، والتأكّد مما قامت به الرياض من إجراءات تتعلّق بإخفاء خاشقجي.
المواقف الغربية بدأت تتحرّك بقوة، بعد أن التزمت الصمت بداية لعدم وجود معلومات أو دلائل على ما حصل لجمال، لكن يبدو أن ما كشفته صحف أمريكية من أن أنقرة أطلعت واشنطن وعدداً من العواصم الأوروبية على أدلّة خطيرة بشأن هذه القضية أصاب هذه الدول بصدمة وذهول، وجعلها تتحرّك على عجل وتُجري اتصالات رفيعة المستوى مع الرياض لمعرفة حقيقة ما وصل إليهم من معطيات وأدلّة.
- في الزاوية
ورغم انتهاج أنقرة سياسة التسريب على نار هادئة في قضية خاشقجي، علّها تصل إلى حلٍّ دبلوماسي مع الرياض بشأن هذه القضية من خلال الكشف عن حقيقة ما حصل وتسليم مرتكبي الجريمة؛ فإنّ أصابع الاتهام ما زالت تتجه إلى ولي العهد السعودي نفسه وحاشيته.
الاهتمام العالمي بالقضيّة أصاب صنّاع القرار في السعودية بصداع مزمن أفقدها توازنها؛ إلى درجة أنها وصلت إلى تيه في السياسة الإعلامية السعودية في معالجة هذه القضية. فمن يتابع الإعلام السعودي يقرأ سريعاً الأزمة وخطورتها وعجز المنظومة الإعلامية على مجاراتها في أجوبة سعودية رسمية غير مقنعة للعالم قبل إعلامهم المحلي.
يؤكّد متابعون ومحلّلون لقضية خاشقجي وحيثيّاتها أنه سيكون لها ما بعدها، خاصة إن واصلت الرياض الصمت ولم تقدّم إجابات واقعية على الاستجواب الدولي المتعاظم الذي تنفتح مآلاته على احتمالات شتّى.
ومن بين الاحتمالات المذكورة؛ أن يكون هناك تحرّك دولي ضد الرياض قد يتمثّل في شكل عقوبات أو تحويل القضيّة إلى المحكمة الجنائية الدولية، كما حصل في قضيّة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، وهو الأمر الذي قد يشكّل نهاية سياسية لولي العهد؛ لكونه سيوصم طوال فترة المحاكمة بـ"المتّهم" حتى تثبت براءته أو براءة دولته.
حرب "إنقاذ" مفتعلة!
قد تبدو سيناريوهات الرياض للخروج من أزمة خاشقجي محدودة وغير عقلانية؛ خصوصاً مع تصاعد حدّة المواقف الدبلوماسية الدولية، والدعوات الصادرة من أعضاء كونغرس أمريكيين أو برلمانيين أوروبيين بإجراءات صارمة ضد الرياض إن ثبت ضلوعها في إخفاء خاشقجي أو قتله.
لعل أحد السيناريوهات "المجنونة" التي قد تتّخذها الرياض هي افتعال شيء "يُلهي العالم" عن قضيّة خاشقجي، ولا يستبعد محلّلون، طبقاً لقراءة السياسات التي انتهجها محمد بن سلمان داخلياً وخارجياً، أن يلجأ إلى شنّ حرب خاطفة.
وعلى الرغم من صعوبة هذا السيناريو فإنّه في حال فقدت الرياض توازنها وشعرت أنها وُضعت في زاوية حرجة وأصبح ولي عهدها في موضع "اتهام"، وتصعّد الأمر وتم جرّه لمساءلة في محاكمة دولية جنائية، فمن المحتمل أن يشير مستشاروه إلى ضرورة القيام بتحرّك كبير يجعل قضية خاشقجي تصغر أمامه.