عبدالله الأيوبي- أخبار الخليج البحرينية-
ما انفك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يواصل ممارسة هواية الابتزاز الاستفزازي تجاه أصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، تارة بصيغة وعيد وتهديد وتارة أخرى بصيغة المعايرة والمنة، مكررا ما سبق أن أطلقه خلال حملته الانتخابية بأن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تطلب من هؤلاء دفع مستحقات الحماية والدعم التي تقدمها الولايات المتحدة لهم. هذه الممارسة وهذا السلوك، من حيث العرف الدبلوماسي والسياسي غريب من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكن أن تكون مثل هذه اللغة محل تداول وتخاطب بين الأصدقاء والحلفاء، فهناك خطاب ولغة يمكن أن يستخدمها الحلفاء والأصدقاء علنا فيما بينهم من دون أن تسبب أي إحراجات لأي من هؤلاء، وهناك لغة وخطاب خاص بالغرف المغلقة التي تجمع هؤلاء في مناسبات مختلفة ولأهداف متنوعة.
يريد الرئيس الأمريكي من وراء ترديد مثل هذا الخطاب، بمناسبة ومن غير مناسبة، أن يقول لهؤلاء الحلفاء والأصدقاء وأن يوهم الجمهور العادي، أن ما تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية من مختلف أوجه الدعم لهؤلاء، إنما تفعل ذلك من باب «حرصها» على أمن ومصالح وسلامة الحلفاء والأصدقاء فقط، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما، صحيح أن الدعم الأمريكي ملموس ويسهم من دون أدنى شك في حفظ أمن ومصالح الحلفاء والأصدقاء، لكن هذا الأمن وهذه المصالح ليست هي السبب الرئيسي ولا الدافع وراء هذا «الدعم» الأمريكي، وإنما الهدف الأول والأخير بالدرجة الأولى أيضا هو حماية المصالح الوطنية الأمريكية والحفاظ عليها، سواء تلك الموجودة في دول الحلفاء والأصدقاء أو في مناطق أخرى من العالم.
الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها القوة الإمبريالية الأولى في العالم، وهي بالمناسبة القوة العظمى الوحيدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، فهذه القوة، لها مصالح متشعبة ومتفرقة في جميع أنحاء العالم تقريبا، وهي من أجل ان تحافظ على هذه المصالح وتوسعها أيضا، لا بد لها أن تنسج شبكة من علاقات التحالف والصداقة مع الدول التي تلتقي معها سياسيا وأمنيا وغير ذلك من التقاطعات، هذا من جانب ومن الجانب الآخر، فإن حماية المصالح الواسعة للإمبريالية الأمريكية تتطلب خطوط دفاع قائمة على أرض الواقع، وهو ما تمثله القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في مختلف قارات العالم، وخاصة أوروبا وآسيا.
ثم إن «الدعم» و«المساندة» أو ما يسميها الرئيس الأمريكي ترامب «الحماية» التي توفرها الولايات المتحدة لحلفائها وأصدقائها، ليست عملا خيريا مجانيا أو من أجل سواد عيون هؤلاء، وإنما هو عمل مدفوع الأجر، ماديا وسياسيا، سواء على شكل صفقات الأسلحة الضخمة التي تدر مليارات الدولارات على الخزينة الأمريكية وتسهم في إنعاش شركات تصنيع الأسلحة الأمريكية وتوفير المزيد من فرص التوظيف في سوق العمل بالولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب ما تحظى به الولايات المتحدة من الدعم السياسي الكبير من قبل حلفائها وأصدقائها في مواجهة القوى العالمية أو الإقليمية التي تقارع السياسة الأمريكية أو تحمل سياستها تهديدا للمصالح الاستراتيجية الأمريكية.
في السياسة لا يوجد دعم، عسكريا كان أم سياسيا، من دون مقابل، والولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال عندما قادت العمل العسكري الدولي إلى تحرير دولة الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991، وشكلت مساهمتها في هذه العملية العمود الفقري للقوات التي شاركت في حرب تحرير الكويت، لم تقدم على هذا العمل العسكري الكبير، المكلف بشريا وماديا، من أجل سواد عيون الأشقاء الكويتيين، أو حضا منها على رؤية دولة الكويت الشقيقة بلدا متحررا من نير الاحتلال العراقي، فالنصيب الأكبر من كعكة تحرير الكويت ذهب إلى الشركات الأمريكية، ولم يذهب إلى شركات حلفائها وأصدقائها.
الشيء نفسه نجده ينطبق على غزوها للعراق الشقيق عام 2003، وإطاحتها بحكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فهي فعلت ذلك وضحت بأرواح المئات من جنودها وصرفت مليارات الدولارات وقامت بإنجاز عملية الغزو، ليس من أجل «تخليص» الشعب العراقي من نظام حزب البعث العربي الاشتراكي، ولا من أجل إقامة نظام يجلب العدالة الاجتماعية والديمقراطية ويحفظ حقوق الإنسان بما يخدم مصالح الشعب العراقي، وإنما فعلت كل ذلك من أجل تأمين مصالحها وتوسعاتها بالدرجة الأولى، حيث وسعت أمريكا، بعد غزو العراق، من رقعة مصالحها في المنطقة.
الرئيس الأمريكي بخطاباته الاستفزازية التي يوجهها إلى حلفائه في مختلف دول العالم، لا يعدو أن يكون أحد أساليب الابتزاز، وهو أسلوب في اعتقادي لا يليق بقوة عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، التي بمقدورها تأمين مصالحها والحفاظ على تحالفاتها وصداقاتها، مع حلفائها وأصدقائها من دون الحاجة إلى استخدام مثل هذه الخطابات واللغة غير الدبلوماسية، وخاصة ان المسؤولين الأمريكان يعرفون جيدا أن العلاقات بين الدول تقوم على تبادل المصالح، بغض النظر عن درجة وحجم الاستفادة المتبادلة فيما بينهم، وأن لغة الابتزاز والاستفزاز لا تخدم الحفاظ على مصالح جميع الأطراف.
لا أحد ينكر على الولايات المتحدة الأمريكية، كما هو الحال أيضا بالنسبة الى جميع دول العالم، حقها في الدفاع عن مصالحها والحفاظ عليها، لكن ذلك لا يجب أن يكون على حساب مصالح الآخرين، فالاحترام المتبادل لا تحكمه قوة أطرافه، العسكرية منها أو الاقتصادية، وإنما يحكمه الإيمان الصادق بوجود مصالح مشتركة بين الحلفاء والأصدقاء، والعلاقة بين هؤلاء لا تسيرها مبادئ العمل الخيري.