سياسة وأمن » حوادث

"مفاوضات الدم".. هل وقعت السعودية صفقة لطي قضية خاشقجي؟

في 2018/10/16

الخليج اونلاين-

بعد أن صعّد العالم، لا سيما الولايات المتحدة، في وجه السلطات السعودية، عقب الأنباء التي تحدثت عن دور على أعلى المستويات في اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، بدأت اللهجة تهدأ بشكل ملحوظ، خاصة مع إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أنه ربما يكون "قتلة مارقون" خلف مقتل الرجل.

ترامب قال إنه استنتج ذلك خلال حديثه مع الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الاثنين 15 أكتوبر 2018، وأضاف في حديث له بالبيت الأبيض، أنه "بدا الأمر لي وكأن قتلة محتالين ربما كانوا خلف العملية، من يدري؟ سنحاول الوصول إلى الحقيقة قريباً جداً".

ولفت إلى أن "الملك سلمان نفى بشدة معرفته بما جرى لخاشقجي"، وأنه "بدا لي خلال الاتصال أن الملك وولي عهده لا علم لهما بما حدث"، نافياً وجود صفقة أخرى مع تركيا تتعلق أيضاً بإطلاق القس الأمريكي.

من جهتها، أكدت شبكة "CNN" الأمريكية، الاثنين، أن السعودية تعد تقريراً تقر فيه بأن خاشقجي "قتل بخطأ ما وقع خلال التحقيق معه"، وهو ما لا ينفي جميع التقارير التي أكدت تورط المملكة في قتله، ويشير بوضوح إلى نية الرياض الاعتراف بالجريمة والفرار من أي عقوبة متوقعة عبر اختيار "كبش فداء" يتحمل مسؤولية الحادثة.

وفي الأسبوع الأول من القضية التي تعد التسريبات الصحفية من مصادر بالشرطة التركية مفتاح فهمها الوحيد، اتسم مواقف الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، بالحدة والقوة، مع مطالبات صريحة بمعاقبة السعودية.

وتوعد ترامب، في مقابلة مع قناة "سي.بي.إس" الإخبارية يوم 13 أكتوبر 2018، أنه "سيكون هناك عقاب شديد للسعودية إذا كان خاشقجي قُتل في قنصليَّتها بتركيا"، ووصف القتل المحتمل لخاشقجي بأنه "مروع ومثير للاشمئزاز، وقد تكون له تبعات شديدة، خصوصاً أنه صحفي".

كما فعّل أعضاء في الكونغرس قانون "ماغنيتسكي"، الذي يعطي رئيس الولايات المتحدة صلاحية فرض عقوبات على المسؤولين الحكوميين، ورفض تأشيرات دخول، وتجميد أموال أي مسؤول أجنبي متورط في انتهاكات حقوق الإنسان، وطالب 22 مشرعاً بمعاقبة ولي العهد محمد بن سلمان.

وشدد بيان مشترك لكل من وزراء خارجية بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، على أن قضية اختفاء "خاشقجي" تأتي من مبدأ "الدفاع عن حرية التعبير والصحافة الحرة، وضمان حماية الصحفيين، باعتبار كل ذلك أولويات رئيسية".

- نظرة متشائمة

ورغم تباين مواقف إدارة ترامب، يشير موقع "ستراتفور" في تقرير مطول حول مستقبل العلاقات مع السعودية بعد قضية خاشقجي، إلى انقسام الموقف الأمريكي إلى موقفين اثنين.

الأول- وفق التقرير- من طرف الكونغرس الذي ينتقد أعضاؤه سياسة الرياض الداخلية والخارجية، والثاني من البيت الأبيض المؤيد لسياسة المملكة، ويميل إلى عدم مواجهة سياسة ولي العهد مع اقتراب الانتخابات النصفية الأمريكية، فضلاً عن تعاون الرياض مع واشنطن لضبط أسعار النفط.

وسبق أن صرح ترامب أن اغتيال السلطات السعودية لخاشقجي لا يعني أنه يجب التخلي عن 110 مليارات دولار، قيمة صفقات أبرمت مع الرياض، محذراً من تأثير ذلك على السوق الأمريكية، وذلك قبل تصريحاته الأخيرة التي توقع فيها أن "قتلة مارقين" هم من قتلوا خاشقجي، بالتزامن مع إرسال وزير خارجيته، مايك بومبيو، للسعودية فيما يبدو أنه تجري "مفاوضات على دم الرجل"، كما أسماها البعض.

كما كرر ترامب خمس مرات حديثه على أن بلاده تحمي المملكة، وأنه بغياب الحماية الأمريكية سيزول حكم الرياض خلال أسبوعين، حسب قوله.

وأضاف في إحدى المناسبات: "السعودية ثرية جداً، وما كان لها أن تكون موجودة لولا حماية الولايات المتحدة لها"، وهذا التصريح سبقه طلب أمريكي للسعودية بــ"الدفع مقابل الحماية"، وهو ما اعتبره محللون "ابتزازاً" علنياً، فضلت الرياض عدم التعليق عليه.

وفي هذا السياق يرى الأكاديمي السعودي وأستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة، سعيد الغامدي، أن "الغرب تحكمه البراغماتية المصلحية لا مجرد القيم والقوانين الحقوقية".

وأضاف: "يغلب على الظن أن من أخفى خاشقجي مقتنع بهذا الأمر وسائر فيه، ومعتمد على قدرته على إسكات الأصوات بالرِّشا والصفقات".

وتساءل في حديثه مع "الخليج أونلاين" قائلاً: "ماذا يهم الساسة الغربيين في اختفاء جمال؟ أليسوا هم بأنفسهم الذين قتلوا الآلاف من الأبرياء باسم مكافحة الإرهاب؟ أليسوا هم من ثبت عروش الظلم والبغي والفساد والاستبداد والتخلف وانتهاك حقوق الإنسان؟"، مضيفاً أنه "لذلك كلٌّ يتاجر بهذه القضية للحصول على حصة أكبر من الكعكة المطروحة الآن على مائدة الساسة الذين يهمهم الاقتصاد أكثر من الإنسان".

واستطرد الغامدي بحديثه قائلاً: "نعم قد تكون هذه نظرة متشائمة، ولكن تجارب سابقة تؤكد هذا المنحى، وتصريحات ترامب حول صفقات الأسلحة والنفط تؤكد أنهم في هذا المسار"، مشيراً إلى أن "القذافي وبشار وصدام وعبد الناصر وبن علي فعلوا الأفاعيل، وبقي كل منهم في منصبه بحماية غربية، فلما انتهت صلاحيتهم تركوهم لمصيرهم".

ومؤخراً أكدت مصادر غربية لـ"الخليج أونلاين"، وجود محادثات على أعلى مستوى بين القيادتين السعودية والإماراتية ومسؤولين من دول غربية، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية؛ لثنيهم عن اتهام بن سلمان بإعطاء أوامر إخفاء خاشقجي، وقتله بطريقة وحشيّة داخل القنصلية.

وتشدّد المصادر، التي طلبت عدم كشف هويتها، على أن الجانبين، السعودي والإماراتي، اتفقا على "تقديم أكباش فداء"، من المرجح أن يكون على رأسهم المستشار بالديوان الملكي سعود القحطاني، واتهامهم بالإشراف على هذه العمليّة دون علم القيادة السعودية.

- حرص ومصلحة

أما تركيا التي اختفى خاشقجي على أراضيها فكانت مصادرها الأمنية هي الطريق الوحيد لمعرفة ما حل بخاشقجي، وسط تحفظات رسمية عن أي تصريح يحمل نبرة اتهام للرياض.

وكانت وسائل إعلام تركية مستندة إلى مصادر أمنية تحدّثت عن وصول 15 شخصاً إلى إسطنبول، صباح يوم الحادثة، وقالت إنهم سعوديون ويُعتقد بالاشتباه في أنهم قاموا بقتل خاشقجي، الأمر الذي أشعل التكهنات عن أزمة كبيرة تلوح في الأفق بين البلدين.

لكن اتصالاً جرى بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، يوم 14 أكتوبر الجاري، عكس ما يبدو أن القضية في طريقها للاحتواء، خاصة أن الملك سلمان أكد لأردوغان "حرص المملكة على علاقاتها بشقيقتها تركيا، بقدر حرص جمهورية تركيا الشقيقة على ذلك، وأنه لن ينال أحد من صلابة هذه العلاقة" وفق البيان الرسمي.

وبالتزامن مع ذلك سمحت السعودية، بعد أن تلكأت طيلة الأيام الماضية، لفريق مشترك تركي - سعودي بالدخول وتفتيش القنصلية.

كما أكد الرئيس الأمريكي، مساء الاثنين، مجدداً أنه لم يبرم اتفاقاً مع تركيا لرفع العقوبات الأمريكية مقابل الإفراج عن القس الأمريكي أندرو برانسون الذي كان محتجزاً هناك، والذي عاد للولايات المتحدة في مطلع الأسبوع، بعد أن سحب شهود أتراك شهاداتهم في المحكمة.

وفي هذا السياق، لم يخف الأكاديمي السعودي سعيد الغامدي خشيته من أن تكون تركيا واحدة من هذه الدول التي تبحث عن مصلحة مؤقتة من قضية اغتيال خاشقجي.

وأوضح قائلاً: "ما أخشاه أن تكون تركيا تسير في هذا المسار وتنتظر مقابلاً اقتصادياً أو سياسياً ثمناً لما يدعونه من تسجيلات لم تظهر، رغم صدور بيان الخارجية السعودية الذي يتضمن فحواه اتهام أنقرة أو طرف ثالث تواطأ معها". لكنه استدرك: "أرجو أن تكون وجهة نظري هذه خاطئة وأن تأخذ العدالة مجراها الشامل".

وسبق أن قالت مصادر صحفية تركية، إن المخابرات التركية تمتلك تسجيلاً يثبت كيف تم تعذيب خاشقجي وقتله داخل القنصلية، الأمر الذي جعل كثيرين يتساءلون لماذا لا يتم الإفراج عن هذا التسجيل الذي أكدت المخابرات الأمريكية والرئيس ترامب يوم 13 أكتوبر وجوده.

وقبل قضية خاشقجي كانت العلاقات بين تركيا والسعودية تمر بفتور كبير، كما وصف ولي العهد السعودي في أبريل الماضي أنقرة بأنها "ضلع من مثلث الشر" في الشرق الأوسط، في حين حافظت تركيا على اعتدال خطابها تجاه المملكة، بل حاولت طرق باب ودها بتأكيد الرئيس التركي نفسه في أكثر من مناسبة أنها "قائدة العالم الإسلامي".

وحتى إن ثبت تورط الرياض في قتل خاشقجي على الأراضي التركية، فإن المتخصص في الشأن التركي سعيد الحاج توقع في مقال نشره موقع قناة الجزيرة الإخبارية، أن لا تصل الأمور إلى حد القطيعة بين البلدين؛ "لحرص تركيا على العلاقات مع السعودية، خصوصاً في ظل الأزمة المالية الحالية من جهة؛ ولتقديمها الحادثة باعتبارها أزمة دولية لا توتراً ثنائياً مباشراً بينها وبين الرياض من جهة أخرى".