كرستين كنيب- DW- عربية-
بذلت الحكومة الألمانية في الشهور الأخيرة جهودا لتحسين العلاقة مع العربية السعودية، وآخرها الموافقة على صادرات أسلحة سخية. إلا أن هذه السياسة تجد نفسها الآن على المحك بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
وزير الخارجية الألماني أطلق السبت عبر قناة التلفزة الألمانية الأولى تصريحات حازمة عندما قال:" لن أشارك حاليا بكل تأكيد في أي فعالية في الرياض". وأضاف هايكو ماس بأنه ما دامت التحقيقات جارية بشأن قضية جمال خاشقجي، فإنه لا يوجد أساس لاتخاذ قرارات إيجابية لصادرات أسلحة إلى العربية السعودية. وبهذا يكون الوزير قد عارض النهج الذي مضت فيه مؤخرا الحكومة الألمانية التي وافقت في أيلول/سبتمبر من هذا العام على تصدير أنظمة تحديد مواقع الأسلحة الثقيلة إلى العربية السعودية. كما أنها بذلت جهودا لتحسين العلاقة مع الرياض التي شهدت فتورا عقب اتهام وزير الخارجية الألماني السابق زيغمار غابرييل بسبب اعتقال رئيس الوزراء اللبناني في الرياض رفيق الحريري العربية السعودية بالدخول في "مغامرات سياسية". وعلى إثر ذلك لجأت العربية السعودية إلى سحب سفيرها من ألمانيا. وفي بداية أكتوبر فقط، أسبوعا بعد اختفاء خاشقجي عاد السفير السعودي إلى برلين.
تصحيح ما تم تصحيحه؟
والآن جاء دور تصحيح ما تم تصحيحه؟ فهل ستبتعد الحكومة الألمانية مجددا عن العربية السعودية؟ على الأقل هناك "تفكير جدي" فيما إذا كان ولي العهد محمد بن سلمان الذي يحكم المملكة هو في الحقيقة الإصلاحي. ويبدو أن الأمر يتعلق بحاكم لا يتردد في استخدام القمع، كما يقول توماس ريشتر الخبير في شؤون دول الخليج في معهد الدراسات السياسية والاقتصادية العالمية في هامبورغ. ويتابع الخبير حديثه مع DW قائلا: "يبدو أن الحاكم لا يتردد في استخدام العنف. "ولهذا أمل أن يتم النظر إلى السعودية بشكل أكثر واقعية خصوصا فيما يخص التطورات اللاحقة. وأقصد بأكثر واقعية أنه هناك ملكية استبدادية تحكم بعدد قليل من الأشخاص".
وكانت الحكومة الألمانية قد تعرفت قبل ثلاث سنوات على هذا النهج السعودي عندما حذر جهاز المخابرات الألماني من الرجل القوي الجديد في العربية السعودية. "الموقف الدبلوماسي الحذر المعهود لأعضاء القيادة في العائلة الحاكمة يتم تعويضه بسياسة تدخل انفعالية"، كما ورد في التحليل.
تحذير جهاز المخابرات الألمانية
وكان جهاز المخابرات الألمانية قد حذر بوجه خاص من مخاطر السياسة الخارجية التي ترافق تعيين ولي العهد الجديد. فالملك سلمان وابنه محمد أرادا الظهور "كقادة في العالم العربي"، وحاولا توسيع الأجندة السياسية للعربية السعودية بمقومات عسكرية قوية وتحالفات إقليمية جديدة. وجاء في التحليل أن العربية السعودية تفقد الثقة في القوة التي تحميها، الولايات المتحدة الأمريكية. ولذلك تتطلع المملكة إلى لعب دور جديد كقوة إقليمية في منافسة مفتوحة مع عدوتها اللدود إيران. وهذه التطلعات الجديدة تؤكدها العربية السعودية أيضا بشن حرب في اليمن. فالحكام في الرياض لم يترددوا في تحمل "مخاطر عسكرية ومالية وسياسية، لتفادي التهميش في المنطقة".
صادرات الأسلحة: "آلة طباعة أوراق نقدية"
ورغم هذا التحذير وافقت الحكومة الألمانية الحالية والسابقة على صادرات أسلحة إلى العربية السعودية. فمنذ مارس فقط من هذا العام وافقت على صادرات بقيمة 254 مليون يورو.
والصحفي ماركوس بيكل، رئيس تحرير صحيفة منظمة العفو الدولية سبق وأن انتقد بشدة صادرات الأسلحة إلى العربية السعودية في 2017 في كتابه "المستفيدون من الإرهاب". وأكد أن المملكة متورطة في كثير من الأزمات والنزاعات في شبه الجزيرة العربية. وهذه النزاعات تشكل بالنسبة إلى صناعة الأسلحة "آلة طباعة أوراق نقدية حقيقية" بدون رد الاعتبار للتكاليف التي تتسبب فيها هذه الحروب من الناحية الاجتماعية:" فائض الميزانية المحقق في سنوات أسعار النفط العالية تتم خسارته في مجالات اجتماعية أخرى، لاسيما الصحة والتعليم".
وفي مقابلة مع دويتشه فيله انتقد الصحفي بيكل أن تجتهد شركات ألمانية من أجل مشاريع مدنية وعسكرية. وحتى سيباستيان سونس، خبير العربية السعودية لدى الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية يشير إلى التناقضات في السياسة الألمانية تجاه العربية السعودية. "من جهة لا يذخر السياسيون في ألمانيا وبلدان أخرى الجهد لتأكيد الدور التخريبي للعربية السعودية في نزاعات الشرق الأوسط. ومن جهة أخرى يتحولون إلى اليد الطولى للاستراتيجية السعودية عندما يوافقون أو يسمحون بصادرات الأسلحة إلى المملكة".
أولريش ليشته:" يجب علينا أن نتحرك بسرعة"
لكن هذه السياسة قد تتغير الآن. "نريد أن تستدعي جميع بلدان مجموعة السبع السفراء السعوديين، والأفضل جميع بلدان مجموعة العشرين"، كما قال أولريش ليشته من الحزب الليبرالي الديمقراطي، عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني. "لا يمكن لنا بالطبع في منطقة تبحث عن استقرارها الدخول في أية خصومة. لكن العربية السعودية تجاوزت كل الحدود. يجب علينا التحرك بسرعة".
وأوضح سياسيون ألمان آخرون أن الحكومة الألمانية ستكون الآن مجبرة على الأقل على مراجعة سياستها، وذلك بفضل العلاقات الاقتصادية الوثيقة مع العربية السعودية.
القيادة السعودية أمام تشنيع عالمي
ومقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي يُراد منه بوجه خاص توجيه رسالة سياسية داخلية إلى منتقدي العائلة الملكية، إذ أن الهدف هو ترهيبهم بهذه الطريقة. إلا أن أصحاب هذا التفكير كانوا مخطئين: والخبر انتشر والقيادة السعودية تقف الآن في قفص الاتهام ـ ليس فقط في ألمانيا.