حسن ع. حسين- DW- عربية-
أربع سفن تجارية مختلفة المنشأ، اثنتان منها سعودية، تعرضت لهجوم بمياه الخليج أمام إمارة الفجيرة الإماراتية، الحادث غامض بشكله وطريقة تنفيذه ونتائجه، لكنه يحمل بين طياته رسائل خطيرة. هل يترقب الخليج حربا رابعة؟
حرب الخليج الأولى كانت بين العراق وإيران (1980-1988) والثانية جاءت لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991، والثالثة جرت لإسقاط نظام صدام حسين في العراق عام 2003، والرابعة؟ ربما على الأبواب؟ فبعد حاث الاعتداء على سفن تجارية مختلفة المنشأ، منها اثنتان سعودية الجنسية في مياه الفجيرة وتصاعد التوتر مؤخرا في الخليج حبس كثيرون أنفاسهم خشية وقوع حرب رابعة في الخليج.
الواقعة الخطيرة أعلنت عنها الإمارات العربية المتحدة أمس الأحد وأشارت إلى أنّ أربع سفن شحن تجارية من عدة جنسيات تعرّضت لـ"عمليات تخريبية" في مياهها قبالة إيران، في شرق إمارة الفجيرة بدون تحديد المنفذين واصفة الحادث بانه "خطير" وبأن تحقيقا يجري في الواقعة. وأعاد وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات أنور قرقاش الاثنين التأكيد على إجراء التحقيق. وكتب في تغريدة على تويتر "التحقيق يتم بحرفية وستتضح الحقائق ولنا قراءاتنا واستنتاجاتنا".
"أبعاد الحادث الخطيرة"
لنحاول أولا قراءة حادث غامض بخلفيات غير معروفة وقع في منطقة أقل ما يقال عنها إنها برميل بارود تحاول أطرف عديدة إشعال النار فيه وذلك نظرا للتوتر القائم أساسا بين دول خليجية مثل السعودية والإمارات من جهة وإيران من جهة أخرى، وبين الأخيرة وبين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وخارجها. فالمنطقة تعيش توترا سياسيا وعسكريا ينذر بنشوب مواجهة عسكرية حتى بدون حادث من هذا النوع، حسب رأي الخبير العسكري والاستراتيجي اللبناني شارل أبي نادر.
ويضيف الخبير العسكري أنه لا شك أن الغموض الذي يكتنف هذا الحادث يستطيع أن يدفعنا لنضعه في عدة احتمالات واحتمالات متضاربة. ويتابع أبي نادر "ولكن طبيعة المنطقة أو طبيعة الميدان الذي حصل فيه الحادث والتوقيت في ظل اشتباك سياسي دولي إيراني ـ أمريكي أو إيراني ـ إقليمي ـ خليجي، وتخطي الاشتباك هذا حدود أن يكون صراعا على العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران وبدأ يقترب من الموضوع العسكري، بعد أن لمسنا بعض التلميحات الإيرانية والأمريكية بخصوص تصعيد عسكري أو التهديد به".
وهو ما أسفر عن دفع الولايات المتحدة بقدرات عسكرية ضخمة إلى المنطقة، فيما قابلت ذلك تهديدات الحرس الثوري الإيراني. هذا الجو المتشنج عسكريا ودبلوماسيا دفع بهذا الحادث أن يحمل عدة أبعاد خطيرة وحساسة
أصابع الاتهام الخليجية تتجه نحو إيران
يعتقد الخبير اللبناني أبي نادر أن أغلب الخليجيين يوجهون أصابع الاتهام إلى إيران، حتى دون أن يعلنوا عن ذلك صراحة، أي أن يكون الحادث بفعل ودفع إيراني. ولتبرير ذلك يسوق البعض، كما يقول الخبير، بعض المؤشرات التي تكون ذات صلة بالموضوع الخلافي في المنطقة، حيث تبعث إيران بهذا الحادث برسالة قوية تقول فيها، حسب رأي شارل أبي نادر، إن أمن الخليج كله معرض للخطر إذا تعرض أمن تصدير النفط الإيراني للتصفير الذي تسعى إليه واشنطن وبدعم خليجي عربي.
غير أن إيران ألمحت مرات متكررة أنها لن لترضخ لسياسة تصفير صادرات نفطها مقابل زيادة دول خليجية لطاقتها الإنتاجية، كي لا يؤثر ذلك على التوازن في الإنتاج العالمي للطاقة، حسب تحليل الخبير اللبناني. كما أن إيران أشارت إلى أن أمنها الاقتصادي قد يتعرض للخطر إذا ما زادت دول خليجية من إنتاجها على حسابها معتبرة ذلك اعتداء عليها.
أطراف أخرى قد تكون لها مصلحة أيضا
لكن إيران ليست الطرف الوحيد الذي له أهداف وراء الحادث، فهناك أطراف أخرى يمكن وضعها في خانة المعنيين بالأمر، لأنه لها مصلحة في أن تكون إيران متورطة في هذا الموضوع، فإلى جانب دول خليجية مثل السعودية والإمارات، لا يجوز أن ننكر دور إسرائيل، حسب رأي الخبير شارل أبي نادر.
ويعلل الخبير رأيه بالقول "إسرائيل كانت دائما ضد السياسات الأمريكية في السابق التي حاولت إيجاد تسوية للملف الإيراني وكانت دائما متشددة في اتجاه المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، ورأينا ذلك جليا عندما كانت إسرائيل رأس حربة في خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الغربي مع إيران. طبعا إسرائيل لها مصلحة أن يكون هناك أكثر من توتر، بل أن يكون هناك صدام عسكري مع طهران، حسب الخبير اللبناني.
"وهناك أيضا دول خليجية لها مصلحة بأن تكون إيران متهمة أو متورطة في الحادث، وعلى رأسها طبعا الإمارات والسعودية، وهذا كان دوما هدفا سعوديا، على الأقل إذا لم تكن هناك مواجهة عسكرية مع إيران وتدميرها عسكريا، فيمكن تلقينها درسا على يد الأمريكيين"، حسب رأي الخبير اللبناني.
لكن الخبير العسكري أبي نادر يستبعد كليا عملا إرهابيا وراءه وذلك، حسب رأيه، بسبب أن الجهد لتنفيذ اعتداء مثل الذي حصل، يتجاوز حدود إمكانيات التنظيمات الإرهابية المعروفة على الساحة، كداعش أو القاعدة. كما أن الخبير اللبناني يضيف قائلا "إن الحادث لم يسفر عن ضحايا بشرية، وهذا يخالف منطق الإرهابيين الذين يحاولون قتل أكبر عدد ممكن من الناس في اعتداءاتهم".
عمل مخابراتي؟
ولكن هل يمكن استبعاد فرضية أن يكون العمل مخابراتيا من جهات أمريكية، أو أي جهة أخرى، مثل الموساد الإسرائيلي، كما يذهب إلى ذلك بعض الخبراء مبررين ذلك بالقول إن وجود رئيس أمريكي في حالة حرب يمكنه من الفوز في الانتخابات، وفي هذه الحالة يكون الرئيس ترامب في وضع مماثل؟
لكن الخبير العسكري يستبعد هذا الاحتمال معللا موقفه بأن الأمريكيين ليسوا بحاجة إلى ذلك، لأن حرب أمريكية لا تحدث انطلاقا من عملية تخريبية على بواخر دولية خارج المياه الإقليمية وفي مياه دولية في وقت تعلن الولايات المتحدة عن مسؤوليتها عن حماية الملاحة الدولية في البحار والمحيطات.
ويبقى للحادث أهمية استثنائية حتى دون تصعيد عسكري أو مواجهة عسكرية مفتوحة، فأقل اشتباك أو أقل احتكاك عسكري أو أي توتر أمني دون أن يكون قريبا من عمليات عسكرية سوف يضع ملف الاستقرار النفطي في خطر في العالم. وهذه قضية ستؤثر على الاقتصاد العالمي بشكل عام لذلك تعتبر هذه القضية حساسة للغاية الآن، حسب رأي الخبير شارل أبي نادر
لماذا الفجيرة؟
موقع الهجوم يثير أكثر من تساءل، فالحادث وقع في ميناء الفجيرة وفي مياهها الإقليمية، وفق المعلومات الإماراتية. والفجيرة تقع خارج مضيق هرمز فهل لذلك خاصة؟ أو هل هناك رسالة خاصة بهذا المعنى؟
يقول الخبير أبي نادر عن ذلك "أن هناك رسالة مهمة بخصوص اختيار مرفأ الفجيرة وهو خارج مضيف هرمز، مكانا للتفجيرات وكأن الذين أرادوا إرسال هذه الرسالة يريدون أن يقولوا: مضيف هرمز أصبح خارج الاستهداف، وهناك نقاط أخرى ذات أهمية أكبر أصبحت تحت الاستهداف، وبمعنى أن الرسالة تقول بأن حتى لو تم حماية مضيق هرمز أو تم منعنا من دخول مضيق هرمز، فهناك نقاط أخرى يعول عليها الإماراتيون والخليجيون كثيرا خارج المضيق، ويمكننا أن نستهدفها.
وأخيرا يتساءل البعض عن طبيعة المواجهة العسكرية المقبلة بين أطراف الصراع في الخليج وحلفاءها، بمعنى هل ستكون المواجهة العسكرية المقبلة بحرية بحتة؟ عن ذلك يقول الخبير العسكري أبي نادر: "لا اعتقد أن المواجهة المقبلة ستكون بحرية بحتة ولن تكون على الأرض، المواجهة ستكون صاروخية وجوية. ربما سيكون هناك استهداف لقواعد برية أمريكية على الأرض، وطبعا سيكون استهداف لأهداف برية داخل إيران، ولكن إذا حدث ذلك، فإن الداخل الإسرائيلي سوف لن يكون بعيدا عن هذه المواجهات، لأنها ستكون هي نقطة الضعف الأكثر إمكانية لأن يتم التأثير عليها من قبل الإيرانيين أو من قبل الأحزاب القريبة من التوجه الإيراني. نتكلم عن حماس في غزة، أو نتكلم عن حزب الله اللبناني. لذا يمكن أن نقول أن إسرائيل ستكون الهدف الأكثر تعرضا للإيذاء في المحور الأمريكي"