الخليج أونلاين-
الموت في شوارع السعودية مؤجَّل إلى حين، ذلك ما تؤكده إحصائيات رسمية تتعلق بحوادث المرور في شوارع المملكة، التي تعتبر من أكثر البلدان في العالم من حيث حوادث المرور، والأولى بين دول العشرين في هذه الحوادث.
ليس المواطنون في السعودية وحدهم مَن يشكون من مشاكل الطرق التي تتسبب في حوادث مميتة، فزوار هذه البلاد التي يؤمُّها ملايين البشر من جنسيات مختلفة لأداء مناسك الحج والعمرة سنوياً، يتذمرون أيضاً من طرقها.
وأخبار حوادث الطرق التي تودي بحياة معتمرين أو حجيج، تنتشر باستمرار في وسائل الإعلام المحلية بالمملكة، في وقت تعلن المملكة إنجاز مشاريع عملاقة توفر الراحة لزوار البلاد القاصدين أداء مناسك الحج والعمرة، لا سيما في مجال الطرق.
الأولى عربياً وبين دول العشرين
في تقريرها الأخير الذي صدر في أبريل الماضي، عن حالة السلامة على الطرق لعام 2018، صنفت منظمة الصحة العالمية، السعودية، الأولى عربياً من حيث معدل عدد قتلى حوادث المرور بالنسبة إلى عدد السكان.
وذكر التقرير أن عدد قتلى حوادث المرور في السعودية عام 2018 بلغ 9031 شخصاً، بمعدل 28.8 شخصاً لكل 100 ألف من سكان المملكة.
وبمعدل الوفيات هذا، حلت السعودية أيضاً بالمرتبة الأولى بين دول مجموعة العشرين (G20) في معدل قتلى حوادث المرور.
تقرير منظمة الصحة العالمية اعتمد إحصائيات لـ175 دولة؛ استناداً إلى استبانة وقواعد بيانات وطنية؛ بهدف تحفيز إجراءاتٍ تُحسن السلامة على الطرق، من خلال تحديد الفجوات والفرص الرئيسة، وتوليد مزيد من العمل السياسي.
مليون وفاة في 45 سنة
تشير منظمة الصحة العالمية، في تقرير لها صدر عام 2015، إلى أن حوادث الطرق في السعودية تسببت في وفاة أكثر من مليون شخص، أو ما يعادل 4% من سكانها منذ عام 1970، أي خلال 45 عاماً.
ونظراً إلى كثرة الحوادث المرورية، تسلط وسائل الإعلام السعودية باستمرار، الضوء على هذه المشكلة التي تستعرضها باستفاضة في تقارير وأخبار ومقالات مختلفة.
من بين ما كُتب في هذا الشأن مقال للكاتب سالم بن أحمد سحاب، نُشر في وقت سابق، على صفحات جريدة "المدينة" المحلية، حمل عنوان "حوادث المرور: ما أطول الليل البهيم!".
العنوان يشير بوضوح إلى أن حوادث المرور باتت مشكلة تؤرق السعوديين، وأن لا إجراءات حكومية مناسبة تحدُّ من خطورتها.
الكاتب السعودي ذكر في مقاله ما جاء في إحصائية لدراسة سابقة، قال فيها إن عدد الوفيات سنوياً بلغ 7 آلاف حالة وفاة، في حين بلغ عدد الإصابات 38 ألف حالة.
وأضاف أن منظمة الصحة العالمية تفيد بأن الحوادث المرورية في المملكة أكبر سبب للوفاة بين البالغين الذكور، الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و36 عاماً.
وتابع: "لذا تَعتبر منظمة الصحة العالمية طرق المملكة من الأشد خطورة، على مستوى العالم، وبسببها يموت 29 شخصاً من كل 100 ألف مستخدم لها في 2007، في حين كان العدد 19 من كل 100 ألف في 2002. وفي المتوسط، يُتوفى شخص واحد ويُصاب 4 أشخاصٍ كل ساعة على طرق المملكة، بسبب حوادث الطرق.
واستطرد "سحاب" قائلاً: "أما الخسائر الاقتصادية في بلادنا (أضرار مادية وإصابات بشرية)، فتزيد على 13 مليار دولار سنوياً؛ حسبما ذكرت الدكتورة نجاح القرعاوي، عميدة عمادة خدمة المجتمع والتنمية المستدامة في جامعة الدمام".
الموت مؤجل إلى حين
تقرير نشرته صحيفة "عكاظ" المحلية في 20 يناير الجاري، حمل عنوان "مضيق طريق بيشة - الخميس.. الحضور الدائم في سرادق العزاء. هنا الموت مؤجل.. إلى حين!"، يؤكد أن طرق المملكة خطرة للغاية.
في التقرير تساءلت الصحيفة: "كم من دماء سالت على طريق بيشة - خميس مشيط؟ سؤال عاصف يردده من عبَروا طريق الموت -كما يصفونه- وفي مخيلتهم أعزّاء ومعارف وزملاء شهد الطريق رحيلهم المُر على مدى سنوات وسنوات".
وتابعت: "في مراكز صمخ وخيبر الجنوب والجزيرة، يستأثر الموت بعابري طرقه، إذ أصبح جزءاً من الطريق الذي يبلغ طوله نحو 100 كم، وجزءاً من المشهد الحزين؛ إذ لا يمر يوم إلا وسجَّل حادثاً يدفع ثمنه العابرون؛ إما بالموت وإما بالإصابات والعاهات الجسيمة في المسار الواحد الذي لا يتسع لأكثر من سيارتين، فضلاً عن منحنياته ومنحدراته ومنعطفاته الخطيرة".
وتساءلت الصحيفة في التقرير: "إذن ماذا فعلت الجهات المعنية بالطرق إزاء هذا الغول القاتل والغامض لرفع المعاناة عن شركاء الطريق من عابرين وسائقين ومجاورين، أو تصحيح مسار المنعطفات للحد من الحوادث؟".
وتابعت: "برغم اعتماد ازدواجيته على أربع مراحل وتشغيل المرحلة الأولى وجزء من المرحلة الثالثة، فإن المرحلة الثانية والرابعة وجزءاً متبقياً من المرحلة الثالثة ما زال العمل جارياً فيها ببطء غير مبرر، إذ انتهت الفترة الزمنية لتسليم المشروع في مرحلتيه الثانية والثالثة".
الصحيفة استعرضت آراء مواطنين يعانون من هذا الطريق، من بينهم عمر الغمري، الذي قال إن عديداً من السكان يتفادون السير على طريق بيشة؛ خشية تعرُّضهم للحوادث، في حين ينتقد فالح ظافر الشهراني عدم تنفيذ مشروع لازدواجية الطريق، مسترجعاً حادثة تعرَّض لها 10 أشخاص في أحد المنعطفات، وأسفرت عن وفاتهم جميعاً حرقاً.
رعب الحجاج والمعتمرين
في المملكة وقعت حوادث مرورية كثيرة لحجاج ومعتمرين تسببت في مقتلهم، ويعتبر الحادث الذي وقع في أكتوبر الماضي آخر أكثر الحوادث المرورية في السعودية بشاعة.
ففي مساء 16 أكتوبر الماضي، لقي 35 مقيماً مصرعهم، وأصيب 4 آخرون؛ على أثر حادث مروع بين مركبة وحافلة معتمرين على طريق المدينة المنورة - مكة المكرمة.
"احذروا الطرق الخارجية"، تلك العبارة من بين عدة نصائح يوجهها محمد العبيدي -الذي يدير شركة للحج والعمرة في بغداد- للقوافل التي تنطلق من مقر شركته لأداء المناسك في مكة والمدينة المنورة.
العبيدي، بحسب قوله، لديه خبرة طويلة بمدن السعودية؛ نظراً إلى عمله في نقل الحجاج والمعتمرين، مشيراً في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنه يشعر بمسؤولية كبيرة على حياة الوفود التي تسافر عبر شركته لأداء المناسك الدينية.
وقال: "الطرق الخارجية في السعودية خطرة جداً. عدد كبير منها تخلو من شروط سلامة مهمة، ويجب الحذر في القيادة، لذلك أنصح سائقي الشركة بأن يحذروا في أثناء القيادة".
وأضاف: "كذلك أنصح المعتمرين والحجيج بأن يتوخوا الحذر عند تنقُّلهم، خاصة في أثناء الليل. بعضهم يرغبون في التنقل لزيارة مواقع إسلامية، لذلك أنصحهم بأن يعودوا باكرين قبل حلول المساء".