كامل جميل - الخليج أونلاين-
الضربة الموجعة التي وجهتها مليشيا الحوثي اليمنية إلى الإمارات باستهداف منشآتها الاقتصادية في العمق الإماراتي تنذر بتصعيد أكبر، فالضربة جاءت بعد أسبوعين من اختطاف الحوثيين سفينة إماراتية ما زالوا يحتجزونها.
الضربة أيضاً كان سبقها تهديد حوثي صريح إذا استمرت أبوظبي في "التصعيد"، وذلك بعد إحراز التحالف العربي في اليمن الذي تقوده السعودية وتشارك فيه الإمارات بقوة تقدماً ميدانياً في محافظتي البيضاء وشبوة على حساب الحوثيين.
تفاصيل الهجوم
صباح الاثنين 17 يناير 2022، شهد استهداف العاصمة الإماراتية أبوظبي بطائرات مسيّرة، حيث أفادت شرطة أبوظبي الشرطة بوفاة 3 أشخاص وإصابة 6 آخرين بانفجار 3 صهاريج بمنطقة "المصفح" الصناعية، وحريق بمنطقة إنشاءات في مطار أبوظبي الدولي.
وبحسب بيان لشرطة أبوظبي، فقد تمت السيطرة على الحريق الذي اندلع في منطقة "مصفح آيكاد 3" بالقرب من خزانات "أدنوك"، ما أدى إلى انفجار 3 صهاريج نقل محروقات بترولية.
الحادث أسفر عن وفاة شخص من الجنسية الباكستانية وشخصين من الجنسية الهندية، وإصابة 6 آخرين إصاباتهم بين البسيطة والمتوسطة.
ووفقاً لشرطة أبوظبي فإن "التحقيقات الأولية تشير إلى رصد أجسام طائرة صغيرة يحتمل أن تكون لطائرات بدون طيار وقعتا بالمنطقتين، قد تكون السبب في الحريقين"، مؤكدة أن الحريقين لم يسفرا عن وقوع أي أضرار.
تضييق على الحوثي
الهجوم هو الاستهداف الثاني من نوعه الذي تتعرض له الإمارات خلال أيام من قبل الحوثيين بعد مصادرتهم سفينة "روابي" الإماراتية، مطلع يناير الجاري.
ورفضت مليشيا الحوثي دعوة مجلس الأمن الدولي إلى الإفراج عن السفينة الإماراتية، مؤكدين أنها كانت "محملة بالأسلحة".
ويرى مراقبون أن استهداف الإمارات له علاقة بالصراع في اليمن، وهو ما يؤكده كذلك الخبير العسكري حاتم الفلاحي، الذي تحدث لـ"الخليج أونلاين"، مشيراً إلى أن الوضع في اليمن يدخل "مرحلة حاسمة"؛ بتقدم قوات التحالف العربي والقوات اليمنية التي تتبع للشرعية في مناطق عديدة تكبد فيها كثيراً من الخسائر.
يقول الفلاحي إنه خلال الفترة الأخيرة كانت هناك ضربات موجعة وجهها طيران التحالف لمخازن الأسلحة والصواريخ والطيرات المسيرة الحوثية؛ لذلك تراجع عدد استخدام هذه الطائرات والصواريخ لضرب أهداف في السعودية.
يضاف إلى ذلك وجود تشديد كبير جداً من قبل واشنطن والمجتمع الدولي على تهريب الأسلحة من إيران للحوثيين، واحتجز عدد من الزوارق مؤخراً، والتي تحمل أسلحة ومعدات للحوثي، بحسب الفلاحي، مبيناً أن كل ذلك سبب تضييقاً على مليشيا الحوثي.
تهديدات عديدة أطلقها الحوثيون منذ سنوات باستهداف الإمارات، من بين أبرزها التهديد الذي أعقب استهداف شركة "أرامكو" في سبتمبر 2019، إذ قال المتحدث باسم الحوثي يحيى سريع إن لديهم "عشرات الأهداف" في الإمارات.
آخر التهديدات الحوثية للإمارات كان عبر رسم كاريكاتوري في صحيفة تابعة للحوثيين، نشر في 16 يناير الجاري، أظهر تهديداً بهجوم قريب يستهدف برج خليفة.
الإمارات وإيران
إذا ما كانت إيران هي الفاعل فالأنظار تذهب إلى تطورات كبيرة شهدتها العلاقات الإماراتية الإيرانية، خاصة خلال نهاية العام الماضي، لا سيما سياسياً واقتصادياً.
في ديسمبر الماضي، التقى مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد آل نهيان، بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ونظيره علي شمخاني، في طهران. وذكرت الرئاسة الإيرانية في بيان أن رئيسي رحّب "بتحسين العلاقات مع الإمارات"، بما في ذلك النواحي الاقتصادية.
وفي الشهر نفسه زار علي باقري كاني، نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية وكبير المفاوضين في محادثات فيينا، الإمارات حيث التقى بأنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، ووزير الدولة خليفة شاهين المرر، وقال كاني: "اتفقنا حول فتح صفحة جديدة في العلاقات الإيرانية الإماراتية".
في هذا الخصوص يقول حاتم الفلاحي إن الإمارات معنية بالتصعيد لكونها تشارك بالتحالف، ولديها دور مؤثر وكبير جداً بما يجري في اليمن، عاداً الضربات التي تلقتها أبوظبي "تضغط على الإدارة الإماراتية على الأقل لتخفيف الضغط أو الانسحاب من التحالف، أو لغرض تقديم تنازلات فيما يخص الملف السياسي اليمني".
ولأن الحوثيين يمرون الآن بأسوأ مراحلهم -يقول الفلاحي- لذلك هم بحاجة إلى عون إيراني.
ويعتبر الفلاحي الاستهداف الذي جرى للإمارات كان "لغاية اقتصادية وليست عسكرية، ومن ثم فهو يخفف من الضغط على الحوثي في الداخل اليمني؛ وبذلك هم يحاولون نقل الصراع من الداخل إلى بلدان أخرى مثل الإمارات".
وعليه يرى الفلاحي أن "هذا العمل لا يرتبط بالعلاقات الإيرانية الإماراتية بقدر ما يرتبط بالدعم الإيراني للحوثي. وأنا أقول إن إيران هي من تقف وراء تنفيذ هذه الضربات في الإمارات".
تداعيات الهجوم
تعرف الإمارات بأنها دولة تعتمد بشكل كبير في عوائدها المالية على التجارة والاستثمار الأجنبي والسياحة، إضافة إلى كونها بلداً نفطياً، لكنها مع ذلك بلداً صغير المساحة قليل النفوس، ويعتبر الأمان المستمر سر نجاح هذا البلد في التطور الاقتصادي الذي يعيشه.
وعليه يقول الخبير العسكري لـ"الخليج أونلاين": إن "الإمارات لا تتحمل مثل هذه الضربات التي وجهت لأهداف اقتصادية وليست عسكرية"؛ في حال جرى استهدافها مراراً.
يعتقد الفلاحي أن الطائرات المسيرة أصبحت مشكلة كبيرة تعاني منها الدول الكبرى؛ مثل أمريكا، التي ضربت سفارتها في بغداد مؤخراً، وضربت قاعدة الأسد في غربي العراق أيضاً التي تتبع لواشنطن.
وأضاف: "وعليه أعتقد أن الإمارات لا تتحمل مثل هذه الخسائر الاقتصادية في المرحلة المقبلة، خاصة إن كانت هذه الضربات موجعة وفي مفاصل حيوية من الاقتصاد الإماراتي".
لكن الإمارات تملك أسلحة متطورة وحديثة، فكيف لا يمكنها صد مثل هذه الهجمات؟ هذا سؤال من الطبيعي أنه يدور في الأذهان، والجواب الذي يعرضه الفلاحي هو أن "الأسلحة الموجودة الآن بما فيها من تطور تكنولوجي وإمكانيات عسكرية وجوية ومنظومات دفاع جوي لا تستطيع مواجهة تهديد الطيران المسير".
ويؤكد أن الضربات "رسالة واضحة إلى الإمارات بأننا نستطيع أن نضرب أهدافاً كبيرة جداً، وعلى الإمارات تقديم تنازلات أو التخفيف على الأقل بما يجري في الداخل اليمني".