كامل جميل - الخليج أونلاين-
تهديد صريح لمشروع نقل الغاز العراقي المستخرج من إقليم كردستان إلى أوروبا عبر تركيا، بعد استهداف مباشر لواحد من أهم حقول الغاز في العراق تستثمره شركات غاز إماراتية بصواريخ تشير توقعات المراقبين إلى أن مصدرها إيران.
هجومان استهدفا، خلال أقل من 48 ساعة، حقل "كورمور" الغازي في قضاء جمجمال التابع لمحافظة السليمانية التابعة لإقليم كردستان شمالي العراق، والحقل تستثمره شركتان إماراتيتان تختصان بالطاقة هما "دانة غاز" و"شركة الهلال".
الهجوم الأخير وقع الجمعة (24 يونيو 2022) دون أن يسفر عن أضرار، باستثناء حرائق بسيطة، وفق ما أفاد مسؤولون بالمحافظة.
وقبل ذلك بيومين أعلن جهاز مكافحة الإرهاب بمحافظة السليمانية، في بيان، أن صاروخ كاتيوشا استهدف الحقل ذاته من دون أن يتسبب بوقوع أضرار مادية أو إصابات.
وفي مطلع الشهر الماضي، استهدف هجوم صاروخي مماثل مصفاة كار بمدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، مما أسفر عن اندلاع حريق بأحد خزانته وتمت السيطرة عليه.
وأعلنت سلطات مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان أن ستة صواريخ سقطت قرب المصفاة، مضيفة أنها أطلقت من محافظة نينوى (شمالي العراق تتبع حكومة المركز في بغداد).
وقالت قوات الأمن إنها عثرت على منصة إطلاق معبأة بأربعة صواريخ في سهل نينوى عقب الهجوم، وإنها تمكنت من إبطال مفعولها.
وكانت ثلاثة صواريخ قد سقطت قرب نفس المصفاة، في السادس من أبريل، دون أن تتسبب في سقوط ضحايا أو أضرار.
وفي 13 مارس الماضي، تعرضت فيلا في مدينة أربيل تعود لرجل أعمال كردي يعمل في مجال الطاقة لقصف تبناه الحرس الثوري الإيراني.
وأكد الحرس الثوري، في بيان، أنه استهدف "المركز الاستراتيجي للمؤامرة والشر للصهاينة بصواريخ قوية ودقيقة"، معتبراً أن القصف جاء رداً على "الجرائم الأخيرة للكيان الصهيوني".
رسائل للشركات الإماراتية
وعلى الرغم من عدم وجود جهات تتبنى تلك الهجمات كلها فإن مصدراً أمنياً عراقياً رفيعاً قال لـ"الخليج أونلاين" إن جميع هذه الاعتداءات مصدرها مليشيات عراقية موالية لإيران تنتشر مقراتها في مدن مجاورة لإقليم كردستان، خاصة الموصل وكركوك وصلاح الدين.
المصدر الأمني الذي طلب عدم التصريح عن هويته أكد أن "صعوبة بالغة في تأمين بعض المشاريع التي تعتقد إيران أنها تضر بمصالحها، خاصة مشاريع الطاقة، والأمر بحاجة إلى اتفاق سياسي وتفاهم مع الجانب الإيراني"، لافتاً إلى أن "هناك توقعات بمزيد من الهجمات في حال لم تحصل إيران على تطمينات بعدم تعرض مصالحها في العراق لتهديد".
وأكد أن "الهجمات التي تعرض لها حقل كورمور ليس المقصود منها إلحاق أضرار بقدر ما هي رسائل تحذيرية ليس فقط إلى حكومة كردستان لمنعها من إتمام العمل بمشروعها لتصدير الغاز، بل أيضاً هي رسالة واضحة للشركات الإماراتية التي بالتأكيد لن تخاطر بالمضي قدماً بالمشروع حتى تحصل على تطمينات بعدم وجود تهديد من أي جهة كانت".
المصالح الإيرانية
المحلل السياسي شاهو القره داغي يرى أنه من خلال النظر إلى سياق الاستهدافات الأخيرة، سواء عن طريق استهداف منزل رجل الأعمال الكردي في أربيل، أو الاستهدافات الأخيرة في السليمانية، من الواضح أنها تستهدف البنية التحتية للطاقة في إقليم كردستان العراق دون التفريق بين السليمانية وأربيل.
وأضاف القره داغي لـ"الخليج أونلاين" أن طريقة الاستهداف يمكن الاستدلال من خلالها بأن المنفّذ هي "المليشيات والفصائل المسلحة الموالية لإيران".
يعتقد القره داغي أن تلك المليشيات "من الصعب أن تعمل على استهداف قطاعات مهمة كالطاقة دون تعليمات مباشرة أو غير مباشرة من قبل إيران".
وعن سبب الاستهداف يشير المحلل السياسي المتخصص بالشأن الكردي إلى أنه يصب في عرقلة تطوير قطاع الطاقة بإقليم كردستان.
ووفق اعتقاده فإن تطوير الطاقة في الإقليم الكردي سينعكس إيجاباً على بقية مدن العراق، ويمدها بالطاقة من الغاز وإنتاج الكهرباء، ما يعني الاستغناء عن الغاز والطاقة الكهربائية الموردة من إيران للعراق.
علاوة على هذا فإن ذلك التطوير يسير نحو جعل إقليم كردستان مصدراً للغاز نحو أوروبا، مضيفاً: "من الطبيعي أن حدوث هذه السيناريوهات سيؤثر على الجانب الإيراني، وهي تريد قطع الطريق أمام هذه السيناريوهات التي تنعكس سلباً على الاقتصاد الإيراني في حال نجاحها مستقبلاً".
بديل روسيا
رئيس وزراء إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني يروج إمكانية تصدير الغاز من الإقليم، معتقداً بوجود إمكانية ليكون بديلاً عن الغاز الروسي، وهو ما دعا للاستعانة بالإمارات التي تملك إمكانية كبيرة في مجال إنتاج الغاز.
بارزاني قال خلال مشاركته في مؤتمر للصناعة عُقد في دبي، في مارس الماضي: "أنا واثق من أن كردستان ستصبح قريباً مصدراً مهماً للطاقة لتلبية الطلب العالمي المتزايد".
وأضاف: "سنصبح مصدراً صافياً للغاز لبقية العراق وتركيا وأوروبا في المستقبل القريب"، مؤكداً: "نحن في كردستان لدينا القدرة الآن على تعويض بعض النقص في النفط في أوروبا"، حسبما نقلت وكالة "رويترز".
ويمتلك كونسورتيوم بيرل، المملوك بنسبة الأغلبية لكل من دانة غاز المدرجة في أبوظبي، وشركة نفط الهلال التابعة لها، الحق في استغلال الحقلين. ويخطط الكونسورتيوم لزيادة الإنتاج إلى أكثر من الضعفين إلى نحو مليار قدم مكعبة يومياً في السنوات القليلة المقبلة، وهو ما يكفي لتغطية الاحتياجات المحلية.
ومع وجود احتياطيات مؤكدة تقدر بنحو 15 تريليون قدم مكعبة، يمكن أن يرتفع الإنتاج إلى 1.5 مليار قدم مكعبة يومياً، مما يترك كمية كبيرة متاحة للتصدير.
وفي العام الماضي، وقعت حكومة لإقليم كردستان عقداً مع شركة الطاقة المحلية كار غروب لمد خط أنابيب للغاز من الحقول إلى عاصمة الإقليم أربيل ومدينة دهوك في الشمال، قرب الحدود التركية.
وبمجرد وصول خط الأنابيب إلى دهوك، يمكن بسهولة تمديده لبضعة كيلومترات أخرى ليصل إلى تركيا، مما يمهد الطريق لتصدير الغاز إلى أوروبا.
ويعتبر إقليم كردستان بيئة جيدة مقارنة بباقي مناطق العراق من ناحية جذب الاستثمارات الخارجية، خاصة الاستثمارات الإماراتية، بحكم توفر الأمن والاستقرار، بحسب شاهو القره داغي.
وأوضح أن "هذه الهجمات تهدف إلى تعكير أجواء الأمن والاستقرار، وإعطاء انطباع سيئ عن الوضع الأمني، ودفع هذه الشركات للانسحاب من الإقليم أو توقيف نشاطاتها، واستمرار هذه الهجمات من المؤكد أنه قد يدفع بعض الشركات للتوقف عن العمل في حال لم تعالج هذه المشاكل الأمنية مستقبلاً".