محمد أبو رزق - الخليج أونلاين-
لم تنجح الجهود السعودية الأمريكية في إلزام طرفي الصراع في السودان بالالتزام ببنود الهدنة التي أعلنت أكثر من مرة خلال المفاوضات التي جرت بين وفدي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في جدة.
وينذر استمرار القتال في السودان وعدم الالتزام بالهدنة التي ترعاها السعودية وأمريكا، وتجاهل النداءات التي تدعو إلى وقف إطلاق النار، بمزيد من تدهور الأوضاع الإنسانية بين المدنيين في المدن السودانية، وتدمير أسرع للبلاد.
وأكدت نقابة أطباء السودان أن استمرار الاشتباكات في جميع ولايات السودان أدت إلى ارتفاع عدد القتلى المدنيين إلى 865 حالة وإصابة 3634.
وعلى الصعيد الطبي بينت النقابة في تصريح لها، الخميس 1 يونيو الجاري، أن 66% من المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباكات متوقفة عن الخدمة، من أصل 89 مستشفى أساسي في العاصمة والولايات، إضافة إلى توقف 59 مستشفى عن الخدمة، و30 أخرى تعمل بشكل كامل أو جزئي.
وبينت أن قوات "الدعم السريع" اعتدت، يوم الـ17 من مايو الماضي، على ثلاث سيارات إسعاف، واعتقلت طبيباً وسائقي الإسعاف واقتادتهم إلى جهة غير معلومة، وذلك أثناء قيادتهم لسيارة إسعاف تحمل أسطوانات أوكسجين للمرضى والمصابين في مستشفى بشائر التعليمي والمستشفى التركي في الخرطوم.
كما أعلنت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة، في مايو الماضي، تعرض 5 نساء للاغتصاب في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع.
وأوضحت أنه تم اغتصاب فتاتين في مدينة بحري شمال الخرطوم، و3 أخريات في منطقة الديم وسط الخرطوم..
تسلسل فشل المفاوضات
كانت الهدنة الأولى بين طرفي النزاع في السودان بعد يوم واحد من اندلاع القتال، في 16 أبريل، حيث وافق الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" على مقترح للأمم المتحدة؛ لفتح مسارات إنسانية آمنة ولمدة ثلاث ساعات، ولكن لم يتم الالتزام بتلك الهدنة القصيرة.
ويوم 17 أبريل، أعلنت هدنة أخرى لمدة ثلاث ساعات، ولكن تم اختراقها، ويوم 19 أبريل اتفق الطرفان على هدنة لمدة 42 ساعة، ولكنها أيضاً خرقت بعد ساعة واحدة من سريانها.
ومع حلول يوم الجمعة 21 أبريل، أعلنت قوات "الدعم السريع" والجيش السوداني موافقتهما على هدنة إنسانية بوساطة سعودية وأمريكية لمدة 72 ساعة، بمناسبة عيد الفطر، ويوم 24 أبريل، أعلنت الولايات المتحدة وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام.
في 2 مايو، تمت الموافقة على تجديد الهدنة، كما دخلت الهدنة السابعة في الخامس من مايو، والثامنة يوم 12، والمتمثلة في "إعلان جدة".
وجاءت الهدنة التاسعة يوم 23 من مايو الماضي، حيث أعلنت السعودية والولايات المتحدة هدنة جديدة، كما وقع الطرفان، يوم 29 مايو، على اتفاق لتجديد الهدنة.
تعليق المباحثات
بعد أيام قليلة من إعلان هدنة جديدة في السودان، ذهب الجيش السوداني الذي يقوده الفريق أول عبد الفتاح البرهان (الثلاثاء 30 مايو الماضي)، إلى إعلان تعليق مباحثات جدة؛ بسبب "عدم التزام قوات الدعم السريع بتنفيذ بنود الاتفاق واستمرار الخروقات".
وأكد مصدر عسكري سوداني لوكالة الأنباء الفرنسية "فرانس برس" أن قرار الجيش السوداني جاء "بسبب عدم تنفيذ المتمردين البند الخاص بانسحابهم من المستشفيات ومنازل المواطنين، وخرقهم المستمر للهدنة".
ويعد إعلان الجيش السودان تعليق مباحثات جدة انتكاسة جديدة للجهود السعودية الأمريكية، وهو ما دفع السعودية والولايات المتحدة الأمريكية إلى الإسراع لدعوة طرفَي النزاع في السودان إلى استئناف محادثاتهما في جدة التي جرى تعليقها.
وأكدت الرياض وواشنطن في بيان مشترك نشرته الخارجية السعودية (الأحد 4 يونيو الجاري)، أنهما حريصتان على استمرار المحادثات مع وفدي التفاوض السوداني.
وشدد البيان على أن "الميسّرين (الرياض وواشنطن) على استعداد لاستئناف المحادثات الرسمية، ويذكران الطرفين بأنه يجب عليهما تنفيذ التزاماتهما بموجب إعلان جدة (11 مايو) للالتزام بحماية المدنيين في السودان".
في المقابل أكدت قوات "الدعم السريع"، على لسان المستشار السياسي لها يوسف عزت، أنها تبحث وقفاً دائماً لإطلاق النار.
وبين عزت، في تصريح لقناة "العربية"، في نهاية مايو، أن الأيام المقبلة ستشهد مباحثات لتلافي أسباب فشل الهدن السابقة، وللوصول إلى وقف دائم للنار.
مباحثات دبلوماسية
أمام فشل استمرار الهدنة في السودان، أجرى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان اتصالاً مع البرهان، وقائد قوات "الدعم السريع"، محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وخلال الاتصال الذي جرى (الثلاثاء 6 يونيو الجاري) أكد البرهان الثقة في "منبر جدة" بما يقود لسلام مستدام.
كما أكد "حميدتي" دعم قواته لمنبر جدة، والتزامه الكامل بإعلان حماية المدنيين، ومواصلة العمل على تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، لتخفيف المعاناة عن كاهل الشعب السوداني.
وبعد ساعات، أكدت مصادر مطلعة عودة المحادثات غير المباشرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع برعاية السعودية والولايات المتحدة، مبينة أن "كل وفد انخرط في اجتماعات منفصلة مع مسهلي عملية الحوار".
ونقلت قناتا "العربية "و"الحدث" السعوديتان، الثلاثاء (7 يونيو)، عن مصادر لم تسمهما، تأكيدها أن أجندة المحادثات تتركز على الترتيبات الإنسانية ووقف إطلاق النار.
استثمار للهدنة
الإعلامي والمحلل السياس السوداني د. أمير سيد خليفة، أرجع عدم نجاح جهود الهدنة في السودان إلى محاولة استثمار "الدعم السريع" تلك الهدنة لإعادة تنظيم خطوطه، وتمديد قواته المترامية في العاصمة بالعتاد والمواد البترولية والسلاح.
وقال خليفة في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "أمام تلك المحاولات للدعم السريع، لم يقف الجيش السوداني موقف المتفرج، ووجد نفسه مجبراً لتنفيذ ضربات جوية نوعية ودقيقة تحد من تحركات المليشيا المتمردة".
وأوضح خليفة أن استمرار حدوث خروقات بالهدنة وعدم الالتزام بها سيتسبب في عدم استمرار المفاوضات في جدة.
واستبعد خليفة فرض عقوبات على الجيش السوداني من قبل الولايات المتحدة بسبب استمرار القتال، وذلك حفاظاً على أرواح المواطنين؛ "لأن الجميع يعرف مدى صلة الدعم السريع بقوات "فاغنر" الروسية، والتي مدت بالكثير من التقنيات الحربية، ووفرت لها تدريبات قتالية خاصة بحرب المدن"، في إشارة إلى احتمالية هزيمة الجيش الرسمي في حال معاقبته.
وحول الأوضاع الميدانية، توقع الإعلامي والمحلل السياس السوداني أن تنتهي الاشتباكات في وقت وجيز؛ "لأن هناك فروقات شاسعة بين الجيش والدعم السريع، من حيث الخبرات التراكمية، والخطط التكتيكية".