د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج- الوطن العمانية-
لا ينبغي أن يفهم من تساؤل العنوان أننا نتحدث عن مستقبل الأعاصير في بلادنا بعد إعصار شابالا ، وإن كانت هذه مسألة مطروحة منذ عام 2007، ولماذا هذا العام ؟ ففيه، كان هناك استشراف عماني نافذ بالأعاصير، إذ كان يرى أنها ستكون سنوية ومتكررة ولسنوات عديدة ، لذلك فقد تم إنشاء وزارة خاصة ومتخصصة بالبيئة والأنواء المناخية، هي وزارة البيئة والشئون المناخية، وفعلا فقد تفجرت الأعاصير،، جونو وفيت .. ومرورا بمنخفضات وعواصف، وأخير شابالا أنموذجا ،، من هنا، فإنه ورغم أن التساؤل ماذا بعد شابالا من اعاصير يكتسب مشروعية طرحه من منظور التحسب والتحوط .. لكننا نطرحه من منظور ما احدثه شابالا من حالات قلق ورعب اجتماعية بعد تحذيرات من كوارث طبيعية كتداعيات محتملة بعد أن تحول الاعصار الى الدرجة الرابعة.
ولنا مع فئات الاعاصير تجربة حديثة وقديمة مخيفة جدا، اعادت للأذهان كل المخاوف بعد تصنيف إعصار شابالا الدرجة الرابعة، وفتحت على كل الاحتمالات الممكنة وغير الممكنة، فجونو وفيت في بلادنا، وإعصار كاترينا في الولايات المتحدة الاميركية، لا تزال تداعياتها المادية والبشرية عالقة في الذاكرة، وفي تاريخنا القديم سيظهر اعصار الحيمر مأساة تروي عبر الاجيال، فهل سيدخل شابالا في تاريخية هذه الاعاصير؟.. حدية هذا التساؤل تتصاعد مع كل الانذارات والبيانات التي كانت تصدر داخليا وخارجيا من احتمال حدوث فيضانات جارفة بسبب الامطار الغزيرة ومن ارتفاع في الامواج الى سبعة أقدام ومن سرعة رياح تبلغ (170كلم) في الساعة، أنه مشهد نفسي مرعب، فكيف لا يكون كذلك مع إجماع التوقعات باحتمالية سقوط أمطار تتجاوز (300ملم) على تضاريس محافظة مثل ظفار، القاطن اغلب سكانها في سهل أمامه بحر قد أصبح مصدر الاعاصير ومن خلفه الجبال، ويقبع فوق رأس ساكنيها سدود بعضها للحماية والاخرى للتغذية كسد صحلنوت، أنه رعب نفسي، لكنه لم يهز عزيمة الاهالي وعلى رأسهم الشباب الذين ضربوا اروع البطولات وأنبل التضحيات متضامنين معهم أخوة لهم من كل ابناء الولايات في هبة وتعبئة وطنية تعمق بنيان التلاحم والتماسك الوطني، وتضرب نوادر الوفاء المتبادل الذي يسطره العمانيون في كل الانواء المختلفة ،، المناخية والسياسية والاقتصادية ،، فشهدنا الفرق التطوعية وحملات الانقاذ والاغاثة تهب على محافظتي ظفار والوسطى من عدد من ولايات السلطنة، كما شهدنا تشكيل لجان فرق تطوعية شبابية في كل منطقة داخل كل ولاية من ولايات ظفار العشر لمساعدة السكان القاطنين فيها من مواطنين ووافدين على السواء خاصة الذين تقع منازلهم بالقرب من الشريط الساحلي وكذلك أصحاب المباني المتهالكة، وقد تفاعل معهم ملاك العقارات والأثرياء مقدمين المسكن والماء والغذاء بالمجان لكل محتاج ـ سرا وعلانية ـ والسر أعظم مما يعلن، فما أروعه من تضامن وتعاضد بين ابناء مجتمعنا العماني، وما أحوجنا اليه في كل اوقاتنا الزمنية الطارئة منها والاعتيادية رغم أن كل الظرفيات الزمنية قد اصبحت تحمل الصفة الاستثنائية التي تحتم مثل ذلك التضامن والتعاضد الاجتماعي على الدوام، والازمة النفطية وتداعياتها الاجتماعية نموذجا، من هنا، نرى ضرورة أن نستثمر هذه الخيرية الاجتماعية الغالبة والتي لا تظهر الا وقت الشدائد العظام في تأسيس مبادرة دائمة في كل محافظة من محافظات البلاد، كإقامة صندوق للتضامن الاجتماعي يساهم فيه اثرياء كل محافظة وكذلك الشركات المحلية والأجنبية، وكذلك من الاهمية بمكان تأهيل فرق التطوع الشبابية لكي يحترفوا التطوع بمهنية عالية وفي كل الازمات، فهما بلغت المقدرات العسكرية والأمنية والحكومية من شأن واحتراف، يظل الرهان دائما في الأزمات على القدرات المجتمعية وعلى التعاون الارادي والطوعي المجتمعي المجتمعي، ففي الازمات ذات الطابع الانساني، تتفجر المشاعر والعواطف وتقود المواطنين الى بذل الجهد منقطع النظير وصرف المال الوفير من أجل الانسان، مثل ما حدث مع شابالا حيث– كما قلنا – تسابق اصحاب العقارات والشقق الفندقية في ايواء كل المحتاجين وتقدم لهم الماوى بكل اصنافه، وهم يعلمون أن اصلاح تداعيات اعصار من الدرجة الرابعة قد يستغرق طويلا …الخ وكل تلك المبادرات تمت في وقت تجمع فيه التحليلات المحلية والاجنبية على دخول الاعصار وتأثيراته المباشرة الاراضي العمانية، كما لن ينسى دعوات الاستضافة التي يقدمها المواطنون في الجبال والصحراء لإخوانهم في المدن في صور معبرة عن التضامن المفتوح .. وهذه رسالة تعكس ماهية المكون الديموغرافي للدولة العمانية، فهو يتميز بارتباطه المتين بالأرض والانسان، ومن أجلهما تستوي عنده الحياة والموت مهما كانت احباطاته وظروف معيشته، مكون لديه القدرة والديناميكية على تناسي اختلافاته وحتى خلافاته مع ذاته ومع سلطاته إذا ما تعرض أي جزء من ترابه أو نطاقه البشري لخطر وجودي، كما أنه مكون جاهزا لتوجيه مشاعره وعواطفه نحو ديمومة جامعة ونافعة للكل ،، أنه مكون يستحق فعلا العيش أفضل مما هو عليه، فكيف ينبغي أن تعكس الحكومة ذلك في برامجها التنموية؟ وأغلبية هذا المكون شباب جبل على الخير وعلى مساعدة المحتاجين من بني وطنه وأمته ومن يشاركه الانسانية داخل ترابه وخارجه، فكيف نصنعهم لكي يكونوا قوة جديدة وقت الأزمات، فقد تشكلت كياناتهم الجماعية، ستظهر عند اللزوم وستختفي على الفور فور الانتهاء من عنصر منشئها، من هنا يحتم على كل محافظة أن تقوم بتأهيل وتجهيز هذه الفرق التطوعية بصورة احترافية لوقت اللزوم .. واي دولة يكون مكونها الديموغرافي مثل المكون العماني، لن تخشى التحديات الخارجية مهما كبرت أو تعاظمت إذا ما عرفت كيف تستوعب وتحتوي مكونها الاجتماعي على الخصوص.
شابالا يكرس في قناعتنا كل تلك النتائج والروى والاستشرافات .. فلا يمكن تجاهلها ابدا، كما لا يمكن تجاهل اعادة النظر في السدود كسد صلحنوت الذي تم اقامته على اساس التغذية، فهل كان لديه القدرة على الحماية ؟ نحن نتحدث هنا عن كميات مياه امطار تعادل مياه أمطار سنة كادت ان تسقط على محافظتي ظفار والوسطى؟ وهل مجرى الاودية والسيول سوف تستوعب هذه المياه ؟ سد صلحنوت كان يشكل احدى صور الرعب الاجتماعي لأنه يقبع فوق الآلاف من المنشات السكنية والحكومية .. فهل سيعاد النظر في السدود في ضوء تجربة شابالا وبقية التجارب الاخرى؟ ندعو الى القيام بذلك فورا، فبحر العرب قد أصبح يهدد بلادنا بأعاصيره المتتابعة والمتتالية أكثر من اية تهديدات أخرى، وهل سيبادر مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار الى جمع الفرق التطوعية الشبابية وتأهليها ومن ثم دمجها ضمن منظومة الطوارئ؟