الرياض السعودية-
كشف الناطق الإعلامي بشرطة منطقة الرياض العقيد فواز بن جميل الميمان أن الحملات المشتركة التي تقودها شرطة المنطقة ممثلة بإدارة الضبط الإداري تمكنت خلال العام المنصرم من ضبط ما يزيد على 24945 مخالفاً لنظام الإقامة (نساء ورجال) إضافة لمخالفي نظام العمل البالغ عددهم 279 مخالفاً، ومخالفي أنظمة البلدية من الباعة المتجولين وغيرهم، إذ تم ضبط 3184 مخالفاً وإحالتهم إلى الجهات ذات الاختصاص.
وأشار الميمان في حديث خاص ل "الرياض" إلى أن ذلك يأتي في إطار الجهود الرامية لمكافحة الجريمة في الأحياء ذات التخطيط العشوائي، مبيناً أن غالبية المقبوض عليهم من أحياء وسط الرياض ممثلة في أحياء السبالة والمرسلات والعود ومنفوحة، مشيداً بالجهود التي تبذلها جميع مؤسسات الدولة الرسمية التي تعمل في هذا الاتجاه، مؤكداً أنها جميعها تعمل في بوتقة واحد ولهدف واحد وهو الحفاظ على الأمن والاستقرار للمواطن والمقيم.
نشأة الإحياء المفرخة للجريمة
من جانبه، أشار أستاذ علم الاجتماع المشارك بجامعة الإمام د. إبراهيم بن محمد الزبن إلى أنه نتيجة للنمو الحضري في المدن تنشأ ظاهرة الأحياء التي ترتفع معدلات الجريمة بها، أو أنها توصم بأنها مناطق جذب للمجرمين الذين يجدون فيها ملاذا آمنا لممارسة الجريمة ومكانا ملائم لارتكاب جرائمهم، أو أنها توصم بأنها مناطق مفرخة للجريمة، وهذه الأحياء تنشأ أما نتيجة لهجرة سكانها الأصليين منها وحلول جماعات سكانية أخرى بدلاً منهم، أم نتيجة للتمدد الجغرافي للمدن، حيث نظهر أحياء هامشية في أطراف هذه المدن.
وأضاف د. الزبن أن السلوك الإجرامي باعتباره ظاهرة ناشئة عن التغير الاجتماعي، يحدث خلال مراحل التغير الاجتماعي نتيجة للانفصال في طريقة الحياة المادية والاجتماعية، وبصورة غير متساوية تبعاً لعوامل متعددة ومنها المكان الذي قد يكون بيئة محتضنة أو محفزة للسلوك الانحرافي والإجرامي، ومن المتفق عليه في بعض الدراسات العلمية أن هذه الأحياء لا تعلم الجريمة لسكانها، ولكن نظراً لطبيعتها الاجتماعية والفيزيقية تصبح مناطق جذب للمجرمين الذين يرغبون السكن بها، لما توفره لهم من فرص الاختباء والتخطيط والتنفيذ لجرائمهم المختلفة.
مكان مناسب للمجرمين والمنحرفين
ويذكر أستاذ علم الاجتماع أنه من الناحية الفيزيقية والطبيعة لهذه الأحياء، نجد أنها تتسم بالخدمات السيئة وضيق الشوارع ورداءة المباني شبه المتهدمة، ومن الناحية الاجتماعية نجد أن خصائص السكان الذين يقيمون بها أنهم يتسمون بالعزلة والاغتراب والعزوبية والهامشية والتباين الثقافي واللاتجانس والحراك الجغرافي المستمر، وقد لوحظ أن سكان هذه المناطق يعانون مستوى معيشيا منخفضا وسريع التغير، ما يوقعهم في مجموعة من الصراعات النفسية والثقافية، إلى درجة عدم التزام والامتثال للمعايير الثقافية المقبولة داخل المجتمع، ما يؤكد الحالة الاجتماعية لهؤلاء السكان، حيث تظهر مؤشرات التفكك الاجتماعي وضعف الروابط الاجتماعية، وبالتالي يصبح المجتمع غير قادر على السيطرة على سكان هذه الأحياء، ما يضعف أساليب الضبط الاجتماعي الرسمي وغير الرسمي.
ويتابع: نجد أن تأثير وسائل الضبط الرسمي في هذه الأحياء أقل من غيرها، حيث يلاحظ الصعوبات التي تواجهها الأجهزة الأمنية أثناء عملياتها داخل هذه الأحياء، لطبيعتها الفيزيقية التي لا تتيح للأجهزة الأمنية سرعة الحركة والانتشار والمراقبة، وسرعة المباغتة والملاحقة للمجرمين، ومن ثم عدم القدرة على القبض عليهم، وهذه العوامل وغيرها تسهل للمجرمين الهروب عند حدوث مداهمات من الأجهزة الأمنية، لسهولة التنقل والاختباء والخروج السريع منها، ولذا فإن احتمالية انخراط الأفراد في فعل إجرامي تحدث بسبب ضعف تأثير الضبط الرسمي، مع توافر سمات الضبط الذاتي المنخفض، فيصبحون مهيئين لاقتناص أي فرص إجرامية، كالسرقة والاعتداء على الممتلكات، وتصنيع المواد الممنوعة كالخمور والمخدرات، والبرامج المنسوخة والمقلدة والمواد المغشوشة، وجرائم تزوير الوثائق وتزييف العملة، إضافة إلى الجرائم الأخلاقية وتوفير أماكن لاختباء المخالفين لنظام الإقامة في المملكة.
ألية معالجة مشكلات هذه الإحياء
وحول آلية معالجة مشكلات هذه الإحياء، يشير د. إبراهيم الزبن في حديثه ل "الرياض" إلى أن معالجة مشكلات هذه الأحياء تتطلب تضافر الجهود من خلال عدد من الجهات فلا ينبغي التركيز فقط في الجهود الأمنية للأجهزة الرسمية، فنحن بحاجه إلى برامج وقائية وعلاجية يشترك بها كثير من الجهات في المجتمع، فمن الناحية الوقائية لا بد من العمل على إعادة تهيئة هذه الأحياء من النواحي العمرانية والخدمية وتوفير المتطلبات الأساسية للسكان، كما لا بد من وجود برامج تثقيفية وتوعوية لسكان هذه الأحياء تشمل جوانب السلوك والصحة العامة والدمج الاجتماعي، والحد من عوامل التهميش وتكون الجيوب الثقافية المنعزلة التي تساعد على توفير بيئة حاضنة لهؤلاء الأشخاص الذين يجدون في مثل هذه البيئات الجغرافية المنعزلة فرصا لارتكاب الجريمة.
ويضيف: كما لا بد من وجود برامج اجتماعية للربط بين السكان ومساعدتهم على ممارسة أنشطة اجتماعية تطوعية وترفيهية تسهم في تعارف سكان الحي ونشوء العلاقات الايجابية بينهم، ما ينعكس على تحجيم الفرص أمام المجرمين الذين يبحثون عن أماكن للاختباء للتخطيط والتنفيذ لجرائمهم.
كما لابد من وجود برامج علاجية تتمثل بجهود المؤسسات التي توفر وسائل الضبط الرسمي الذي تقوم به الأجهزة الأمنية والضبطية التي تحتاجها هذه الأحياء، كتكثيف الرقابة الأمنية واستخدام أساليب نوعية تساعد رجال الأمن على التحرك بسهولة للقيام بدورهم في ضبط الآمن وتتبع المجرمين وتفتيش آماكن إقامتهم ومنعهم من استغلالها في عمليات إجرامية، إضافة إلى ضبط المخالفين لنظام الإقامة في المملكة ومنعهم من اللجوء لهذه الأحياء للاختباء والهروب من الأجهزة الأمنية.
وحول قضية معالجة مشكلة الأحياء العشوائية بالعاصمة الرياض، تدرس وزارتا الإسكان والشؤون البلدية إزالة هذه الإحياء بالعاصمة الرياض وإعادة تطويرها، وتسليمها لوزارة الإسكان للاستفادة منها في تنفيذ مشروعاتها، حيث حددت وزارة الشؤون البلدية والقروية بعض تلك الإحياء العشوائية التي تجب إزالتها في العاصمة الرياض، وتسليمها لوزارة الإسكان لإعادة تطويرها وتنفيذ مشروعاتها الإسكانية، ومن أبرز تلك الأحياء العشوائية الواقعة في العاصمة الرياض أحياء السبالة، والمرسلات، والعود، ومنفوحة، بعد أن ثبت أن تلك الأحياء تشكل خطراً أمنياً، إضافة إلى أنها تشهد إهمالاً بعد أن كانت من أكثر الأحياء تميزاً على صعيد اكتمال الخدمات والتنظيم من بين بقية أحياء العاصمة، ويجب إعادة تطويرها.
ومن المتوقع أن تبدأ لجان متخصصة من وزاتي الشؤون البلدية والقروية والإسكان، لدراسة إمكانية إزالة الأحياء العشوائية والمباني المتهالكة والطينية في العاصمة الرياض، وإيجاد الحلول المناسبة لمواجهة التحديات التي تواجه تطوير الأحياء العشوائية، والتي من أهمها نزع الملكيات، وهدم المباني السابقة، إضافة إلى حاجة إقناع السكان بالهدف من تطوير المنطقة العشوائية، وعمل دراسات تتواكب مع التطلعات المستقبلية للعاصمة.
في السياق ذاته، تشير دراسة للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض صدرت مؤخراً، إلى أن العاصمة الرياض تعد أقل المناطق العشوائية في البلاد العربية من مساحة الأراضي العمرانية، وتوصلت الدراسة إلى أن ظاهرة المناطق العشوائية في الرياض ضئيلة جداً، حيث تصل نسبة هذه المناطق إلى أقل من 1% من مساحة المدينة العمرانية، وذلك بفضل تشدد الجهات الحكومية في العاصمة فيما يتعلق بإجراءات المراقبة، بهدف إيقاف نمو المناطق العشوائية القائمة أو نشوء مواقع جديدة، وتشكيل فرق دائمة من أمانة منطقة الرياض وشرطة المنطقة ودعم تجهيزها بالمتطلبات اللازمة للقيام ودعم تجهيزها بالمتطلبات اللازمة للقيام بمهامها.