المدينة السعودية-
رغم أن السيول الأخيرة التي شهدتها العديد من مدن ومحافظات المملكة كانت متوقعة مسبقا، وهو ما أوحى للمواطنين أن الاستعدادات لها على أكمل وجه، إلا أن الواقع الذي صدم الجميع، أن شيئا من تلك الاستعدادات لم يتحقق، وكأن تلك السيول أتت مباغتة، لتسقط أمام ساعتي مطر البنية التحتية، والطرق، والمشروعات المليارية التي أنفقت تحت عنوان درء السيول، والتي لم تدرأ منها شيئا، بل كشفت المستور، وغمرت الأنفاق، وقطعت الطرق، وأضرت المنازل والمركبات، وعطلت العمل والدراسة، وكبدت الدولة خسائر فادحة، وكأن تلك الظاهرة الطبيعية مستجدة على مدن ومناطق المملكة، وكأنها لم تكبد الدولة مئات الأرواح، ومليارات الريالات، عبر السنين القليلة الماضية فقط.
خمسة أعوام مضت منذ سيول جدة 1431هـ وحتى الآن، تحولت فيها تلك الأزمة إلى كرة من اللهب تتقاذفها العديد من الجهات، ولا تقوى إحداها على الامساك بها، فبعد كوارث السيول المذكورة، أتت التبريرات والتصريحات الرنانة والوعود القاطعة لتمتص غضب مواطني جدة الذين أغرقتهم الامطار، بعد أن انداحت المياه في كل اتجاه، فلم تجد فتحات صرفًا تتلقفها، ولا مجارى سيول تسير بها، فأغرقت كل ما تواجهه من مركبات ومنازل وقبل ذلك طرق وانفاق.
«المدينة» تتبعت «كرة اللهب»، ورصدت بدقة كل تصريحات المسؤولين المتضاربة، والمتوافقة في الهرب من تحمل المسؤولية.
أمانة جدة: لسنا وحدنا المسؤولين
في عام 2014م تبرأت أمانة جدة من مسؤولية تنفيذ مشروعات السيول والأمطار، وأشارت إلى أن الموضوع يقع ضمن اختصاص أرامكو بموجب الأمر الملكي، جاء ذلك الموقف عقب ظهور مقطع تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، يؤكد خلاله الدكتور هاني أبو راس أمين جدة أن المشروعات تم توقيع عقودها وستنفذ خلال فترة قريبة.
وقالت الأمانة في بيان صحافي: إن هذا التصريح صدر أثناء مقابلة مع أمين محافظة جدة، د.هاني بن محمد أبوراس، عند افتتاح مشروع تقاطع الأمير ماجد مع شارع الروضة بجدة بتاريخ 9 /2 /1432هـ؛ أي منذ أربع سنوات تقريبًا؛ حيث كان يجيب عن العديد من الأسئلة؛ ومنها السؤال المتعلق بخطة عمل الأمانة لدَرْء مخاطر الأمطار والسيول عن المحافظة».
وأضافت الأمانة: «أبو راس أوضح في ذلك الوقت أن الأمانة قد انتهت من إعداد كراسة شروط ومواصفات لإعداد مخطط عام للأمطار والسيول؛ تمهيدًا لطرحها، وبعد ذلك بثمانية أسابيع صدر الأمر السامي الكريم رقم 2212/م ب بتاريخ 11 /4 /1432هـ، القاضي بتشكيل لجنة وزارية للإشراف على مشروعات مياه الأمطار والسيول على كامل نطاق محافظة جدة؛ حيث أسندت المهام التنفيذية والفنية لشركة أرامكو السعودية».
وأردف البيان: إنه بناءً على ذلك قامت الأمانة بإحالة كراسة الشروط والمواصفات المذكورة إلى مشروع مياه الأمطار وتصريف السيول بمحافظة جدة «أرامكو»، إضافة إلى كافة الدراسات الأخرى التي أجرتها الأمانة، كما أحيلت المخصصات المالية المرصودة لمشروعات الأمطار ودرء أخطار السيول بميزانية الأمانة لصالح مشروع مياه الأمطار وتصريف السيول بمحافظة جدة «أرامكو»؛ لينطلق العمل في هذه المشروعات بحكم الاختصاص إنفاذًا للأمر السامي الكريم».
وفي عام 2015م أكد الدكتور هاني أبوراس أمين محافظة جدة اكتمال جميع الاستعدادات لموسم الامطار للعام 1436/1437هـ، حيث تم اعتماد اعادة تشكيل لجنة الامطار والسيول وتوفير الدعم اللازم لنجاح خطة الامطار والسيول، فيما قال المهندس أحمد محنبي وكيل الامين للخدمات ورئيس لجنة الأمطار والسيول ان سرعة تصريف ورفع الامطار المتوقع تجمعها في التقاطعات والشوارع الرئيسة والداخلية بشكل عام والمناطق التي لم تخدم بشبكة تصريف مياه الامطار بشكل خاص، ستتم من خلال استخدام شبكة تصريف الامطار والسيول والتوصيلات او بواسطة الناقلات فور توقف هطول الامطار في مدة لا تتجاوز ست ساعات لرفع المياه من التقاطعات المحاور الرئيسة وجعلها سالكة لحركة السير، و24 ساعة لرفع المياه من الشوارع الرئيسية 48 ساعة لرفع المياه من الشوارع الداخلية.
مجلس الشوري للجهات الحكومية: ضعوا خططكم لتفادي السيول مستقبلا
في 2009/12/16م أعلن مجلس الشوري أن لجنة المياه والمرافق والخدمات العامة بمجلس الشورى تدرس المقترحات المقدمة من أعضاء المجلس حول كارثة السيول التي داهمت محافظة جدة، بداية من شهر ذي الحجة من العام 2009م، وتقديم تقرير شامل لمعالي رئيس المجلس الشيخ الدكتور عبدالله آل الشيخ عن هذه الفاجعة ووسائل العلاج المقترحة وكيفية تفادي ذلك مستقبلا تمهيدا لرفعه باسم المجلس لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- وفقًا لصلاحيات المجلس ونظامه.
وكشف رئيس لجنة المياه والمرافق والخدمات العامة المهندس محمد القويحص أن المجلس كلف اللجنة بدراسة المقترحات التي تقدم بها أعضاء المجلس، مشيرًا إلى أن اللجنة تعكف حاليًا على دراسة تلك المقترحات المقدمة سواء التي طرحت خلال الجلسة، أو من خلال ما وصل إلى اللجنة من مقترحات مكتوبة. وأشار إلى أن تعاطي اللجنة مع كارثة السيول سيحظى بأولوية أعمالها خلال الفترة المقبلة، حيث سيخضع لمنهجية عمل المجلس حسب نظامه وقواعد العمل فيه.
وأكد مجلس الشوري دعمه لأعمال لجنة التحقيق التي أمر بتشكيلها خادم الحرمين الشريفين ووضعه جميع إمكاناته وخبرات أعضاء المجلس في خدمة اللجنة وأهدافها، كما أنه سيعمل من جانبه على متابعة تداعيات سيول جدة عبر ما يكفله له نظامه وصلاحياته الرقابية في هذا الشأن، مطالبًا في الوقت نفسه جميع الأجهزة الحكومية المعنية بوضع الخطط اللازمة لمواجهة السيول والكوارث وباتخاذ كل ما من شأنه ضمان حماية المدن والمحافظات والقرى وساكنيها من المواطنين والمقيمين والعمل على وضع إجراءات احترازية تمنع تكرار مثل هذه الفاجعة.
تغير في الخطاب الإعلامي
وبعد ذلك بعام، وتحديدًا في عام 2010م وصف عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالرحمن الهيجان ما ينشر في وسائل الإعلام حول كارثة السيول في محافظة جدة بأنه «مبالغ فيه»، لا سيما وأن خادم الحرمين الشريفين شكل لجنة للتحقيق فيما جرى وتحديد المسؤولية، وقال في جلسة عقدها مجلس الشورى، أن ما حدث في محافظة جدة يحدث في كل دول العالم، حتى لو لم تصل نتائجها إلى ما وصلت إليه في جدة.
«الشؤون البلدية» تطالب بالاستعداد وفق الواقع
في 2015-11-14 أي قبيل الأمطار الأخيرة بأيام قليلة وجه المهندس عبداللطيف بن عبدالملك آل الشيخ وزير الشؤون البلدية والقروية أمناء المناطق والمحافظات ورؤساء البلديات بتسخير جميع الإمكانات الآلية والبشرية لدى الأمانات والبلديات في جميع مناطق المملكة، ووضعها في حال استعداد وتأهب للتعامل مع مخاطر الأمطار والسيول، التي تشهدها البلاد، وما ينتج عنها من تجمعات مائية في المناطق المنخفضة والطرق.
وتضمنت توجيهات الوزارة لأمناء المناطق والمحافظات ورؤساء البلديات، ضرورة تفقد سلامة شبكات تصريف السيول والأنفاق والعبارات والجسور داخل المدن وخارجها في جميع المدن والمحافظات، وإزالة أية عوائق قد تؤثر في فعاليتها، ودعم جهود جميع الجهات والأجهزة الحكومية في التعامل مع الأمطار.
وشدد الوزير على أهمية متابعة إدارة الكوارث والأزمات بالوزارة لجميع المستجدات والمتغيرات، والتواصل الدائم على مدار الساعة مع جميع الجهات ذات العلاقة بما في ذلك الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، والدفاع المدني، لنشر الفرق والوحدات الميدانية المجهزة بالمعدات والآليات في المواقع الأكثر عرضة لمخاطر الأمطار والسيول.
.. وتتحدث عن إستراتيجية وطنية في 30 عامًا
وقالت وزارة الشؤون البلدية والقروية: إنه تمت الموافقة على اعتماد مبلغ 20.7 مليار ريال، تكاليف المرحلة العاجلة من الاستراتيجية الوطنية لتصريف مياه الامطار والسيول لمدن وقرى المملكة (1431هـ ـ 1436هـ)، وتم إدراجها ضمن خطة التنمية التاسعة.
وأشار إلى أن التكلفة التقديرية لتنفيذ الاستراتيجية بشكل كامل، تبلغ 93.7 مليار ريال، خلال فترة التنفيذ المحددة بـ 30 عامًا مقسمة إلى أربع مراحل.
وأوضح أنه وفقًا لمخرجات الدراسة، والتي صنفت 29 مدينة على درجة عالية من الخطورة، تم مخاطبة وزارة المالية لاعتماد المبالغ اللازمة للمشروعات خلال السنوات المتبقية من المخطط له.
وقالت الوزارة إنه تمت مخاطبة مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، لإعطاء الأولوية في الدراسات الجاري إعدادها عن المناطق المعرّضة لأخطار السيول، مبينةً أنها زودت الأمانات بجميع المصورات والتقارير الخاصة بهذه المخاطر، للاستفادة منها عند إعداد الدراسات الخاصة بمشروعات التصريف.
وأكدت الوزارة أن أبرز التوجهات المستقبلية الوطنية، تعزيز مستوى الحماية من أخطار السيول، وتوسيع رقعة شبكات التصريف، لاسيما في المدن والقرى الأكثر تأثرًا، مشيرةً إلى أنه يجرى حاليًا إعداد دراسة معالجة مشكلات تصريف مياه الأمطار والسيول في المدن، بقيمة بلغت 5.6 مليار ريال.
الرقابة والتحقيق: ملف القضية يسير بمتابعة دقيقة
وفي تصريحات لرئيس هيئة الرقابة والتحقيق الدكتور صالح العلي عن قضية سيول جدة عام 2014م أوضح أن قضية سيول جدة قد صدر توجيه سامٍ صارم بالتحقيق فيها كما هو معروف منذ لحظة وقوعها، واسند للهيئة مهام محددة في هذا الشأن. واضاف: «ملف القضية يسير بمتابعة دقيقة في التحقيق وكثير مما يخص هذه القضية رفع للمحاكم، وأصدرت في بعضها أحكام مبدئية وأخرى نهائية، ولم يتبقَ إلا القليل لم يستكمل وفي طريقه للاستكمال.
ما بين «نزاهة» والرقابة
يدخل ملف الأمطار بأحداثه من حيث المتابعة بين مكافحة الفساد «نزاهة» وهيئة الرقابة والتحقيق، والتي كانت تتبع قضايا الفساد الاداري، وحيث كان هذا الملف يتبع بكامله قضايا الفساد الاداري سابقا، بينما الهيئة المختصة حاليًا هي هيئة «نزاهة» والتي أصبحت هي الجهة المختصة بفساد مشروعات المملكة وفي مقدمتها مشروعات تصريف مياه الأمطار والسيول.
العقوبات.. محاكمات وملفات لم تغلق بعد
علمت «المدينة» أن ملفات محاكمات سيول جدة السابقة لم تغلق بشكل نهائي - رغم مرور أكثر من 6 سنوات - على الكارثة التي حدثت نهاية عام 1430هـ، حيث ما زالت 3 قضايا منظورة بمحكمة الاستئناف الإداري بالإضافة إلى أن ملفات القضايا المتعلقة بالشق الجنائي والتي تمت إحالتها في تلك الفترة للمحكمة الجزائية (الجزئية سابقًا) والبالغ عددها ما يقارب 5 ملفات لا يزال بعضها لم يتم إصدار إحكام قطعية فيها حتى الآن.
وأكدت مصادر «المدينة» أن من بين المتورطين الذين تم الحكم عليهم بعقوبات السجن والغرامة قياديين من بعض الدوائر الخدمية وأكاديميين ومهندسين ورجال أعمال ووافدين على خلفية إدانتهم في قضايا تنوعت ما بين الرشوة والتزوير واستغلال النفوذ الوظيفي والافتئات والتفريط في المال العام والاختلاس والاشتغال بمهن حرة وقبول الرجاء والوساطة والتي باشرت التحقيق فيها هيئة الرقابة والتحقيق، بناءً على الأمر الملكي بشأن فاجعة سيول جدة والذي نص بالفقرة الأولى إحالة الأوراق بعد استكمال إجراءاتها إلى هيئة الرقابة والتحقيق وإلى هيئة التحقيق والادعاء العام وكل فيما يخصه، تمهيدًا لإحالتها إلى المحكمة المختصة. فيما باشرت هيئة التحقيق والادعاء قضايا التسبب في إزهاق الأرواح وتلف المملتكات إضافة إلى جرائم غسيل الأموال والتي تمت إحالتها فيما بعد إلى المحكمة الجزئية في تلك الفترة.
قضايا ينظرها «المظالم»
وكان ديوان المظالم قد استقبل خلال الفترة الماضية بالتزامن مع انتهاء تحقيقات السيول وحتى تاريخ 2 صفر 32 قضية بها 131 متهمًا، وتم إصدار 12 قرارًا بإعادة القضية إلى جهة التحقيق لاستكمالها وعدد 5 قرارات بضم ملف قضية إلى قضية أخرى، فيما تم إصدار 39 حكمًا تضمن إدانة 45 شخصًا ممن تم محاكمتهم، حيث وصل إجمالي عقوبة السجن لهم 118 سنة وستة أشهر، بالإضافة إلى تغريمهم بمبلغ 14 مليون و170 ألف ريال، فيما شهدت المحاكمات عدم إدانة في 39 حكمًا لـ78 شخصًا من المدعى عليهم، وحكما واحدا بانقضاء الدعوى الجزائية، وحكما واحدا بعدم جواز نظر الدعوى، وحكمين بعدم سماع الدعوى، حيث وصلت الأحكام التي تم تأييدها من إجمالي تلك القضايا 19 حكمًا، بالإضافة إلى حكم واحد أصبح أيضا مؤيدًا ونهائيًا نتيجة لفوات موعد الطعن فيه، وأشارت المصادر نفسها إلى وجود 3 قضايا تحت نظر محكمة الاستئناف الإداري.
الأرصاد: دورنا فقط هو التنبيه عن الأمطار والسيول وكمياتها المتوقعة
قال المتحدث باسم الأرصاد وحماية البيئة حسين القحطاني: إن الارصاد تقوم بالتنبيه بكمية الامطار الواردة المتوقعة وتمرير المعلومات للجهات ذات الاختصاص للظواهر الجوية التي سوف تؤثر على المملكة، كما تقوم بالتنبيه إذا كانت هذه الامطار ينتج منها سيول لا سمح الله في الاودية، أما دور الارصاد ميدانيا فهنالك جهات مختصة تتعامل مع الحالة الميدانية فيما يتعلق بمتابعتها بالميدان، فالارصاد وحماية البيئة لها علاقة بالتبليغ فقط عن حالات خاصة الكوارث وتركز على البيئة وقضاياها، والمتابعة الميدانية تكون فقط لقضايا التلوث البيئي.
الدفاع المدني: نتعامل مع الكارثة ولا علاقة لنا بالمشروعات
ومن جانبه قال المتحدث باسم مديرية الدفاع المدني بمنطقة مكة المكرمة العقيد سعيد سرحان: إن الدفاع المدني يتعامل مع الكارثة وليس له علاقة بمشروعات تصريف الأمطار والسيول، وإن وجدت منطقة تشكل خطورة فهو يرفع تقريرا للجهات المعنية بأمانة جدة، ولكن لا يعطي الدفاع المدني أي اقترحات أو حلول لمشروعات السيول وتصريف الأمطار.