قينان الغامدي- الوطن السعودية-
"ليبرالي!" هذه تهمة كبرى -بل جريمة- ستظل تلاحق من يُتهم بها، أو يعترف بها حتى بعد مماته –بعد عمر طويل– وقد فكرت في وسيلة للتخلص من هذا "التفكير الحر" الذي أعترف به وهو صلب الليبرالية، وجوهر الإسلام قبلها وبعدها، لكني لم أجد، وبعد طول تأمل وجدت ضالتي، وصحت كما صاح إرشميدس "مبتكر قانون الطفو": وجدتها، وجدتها! بل إنها في متناول يدي منذ زمن بعيد لا يقل عن سنتين وبضعة أشهر، فهناك كاتب ساخر –يطربني– يومياً طيلة هذه الفترة وحتى اليوم، يسمى "عبدالله مزهر" ويكتب في "صحيفة مكة" وله زاوية أسماها "سنابل موقوتة"، ولاحظوا "موقوتة" لتعرفوا أنه مريض بالدعشنة منذ صغره، وإلاّ فأين العقل من هذا الوصف للسنابل، فهو ليتستر، لم يقل "متفجرات أو قنابل" وإنما اختار "السنابل" ليقول إنه "وربعه" سيفجرونها حتى وهي "مصدر عيشنا ودقيقنا بدون سمن"، وبعد التقصي قيل لي إنه –أيضاً– ليبرالي! فقلت –بحكم معرفتي-: مستحيل، كيف ليبرالي و"موقوتة"! هذا لا يمكن، فقررت –متوكلاً على الله– أن "أفضحه"، وبعد ما تقرؤون "فضائحه" التي سأورد بعضها، احكموا أنتم، فإن قلتم إنه "ليبرالي"، فسأتوب وأتخلص من "الليبرالية"، وإن قلتم "داعشي مستتر موقوت!" بقيت على "ليبراليتي" والأمر لله.
إنه –أستغفر الله– كتب مقالاً يستنكر فيه ويشجب مصطلح "القردنة" التي وردت على لسان أحد كبار شيوخ ما سمي الصحوة، وتجاهل إضافة الشيخ الفاضل "آخذ الشفة" أليس هذا تستراً من "مزهر" على فكره المنغلق.
ومرة قال في مقال سابق: "إنه لولا انتهاء الورق أمام من وضع شروط الانتخابات البلدية، لكتب يمنع انتخاب من يرشح نفسه، ويمنع الناخبون من الانتخابات" وهذا المقال بالذات ضحكت منه حتى استلقيت على قفاي! لكن مع استمتاعي وجدت أنه تجاهل أهم شرط ورد قبل انتهاء الورق وهو: منع الاختلاط، وأن تقوم كل من ترشح نفسها بتوكيل رجل يشرح للناخبين برنامجها الانتخابي، ولا أتذكر هل قال الشرط بأن يكون محرماً لها، أو تحدثه بالهاتف فقط، لكن "مزهر" أيضاً تجاهل هذا الشرط، أليس متستراً؟
وخذوا مثلاً آخر، فقد كتب مرة: "أمين جدة قال: إن غرق بعض الأنفاق سببه غياب شبكة تصريف المياه. والحقيقة أنني وقفت إجلالاً وإكباراً، وصفقت له حتى تعبت يداي، فلم يكن تصريحاً بقدر ما كان فتحاً عظيماً، واكتشافاً عبقرياً!"، لكن "مزهر" تجاهل تصريح الأمانة عن إحصائها لعدد المستنقعات التي كان عددها أكثر من ألف، وأنها تركت مهمة تجفيفها للشمس، أليس هذا تستراً؟!
ومرة قال: "مع الإيمان بأن الداعشي منتج رديء الصنع، وأنه بضاعة مؤذية، إلاّ أن الحل ليس في التخلص منه فقط، يبدو الحل الأكثر منطقية هو إغلاق المصنع، وهذا المصنع ليس سوى الظلم والفقر والطغيان والبطش والنفاق وتعدد المكاييل لدى حكومات هذا الكوكب الطاعن في السن!"، لكن "مزهر" كعادته في التستر، لم يشر إلى "الفكر" الذي بنى المصنع أصلاً، فماذا أقول غير "متستر"!
أمّا الأشنع من كل ما تقدم فإنه كتب قديماً مقالاً عنوانه "حماة الفضيلة"، فمن هم حين يقرأ أي أحد هذا العنوان؟! إنهم "هيئة الأمر بالمعروف" أليس كذلك؟! بلى. لكن أخانا "مزهر" انتقل من خانة "التستر" إلى "التزوير"، نعم، التزوير، فمقاله كله عن "رجال إدارة مكافحة المخدرات، ورجال الجمارك" الذين، ما فتئت وزارة الداخلية تعلن بين الحين والآخر عن إنجازاتهم الكبرى في القبض على "كميات مهولة" من المخدرات والمسكرات في منافذ الدخول وفي داخل الوطن، وهذا صحيح، لكن "مزهر" صرف المصطلح بل وزوّره عن أصله المعروف المتداول، فماذا أسمي هذا؟! هل يكفي هذا؟! إن لم يكن كافياً فاقرؤوا إذن، يقول "مزهر" في مقال نشره يوم الثلاثاء الماضي: "إن السعوديين من أكثر شعوب العالم متابعة واهتماماً بالسينما، وسكان المنطقة الشرقية –على سبيل المثال– لم يصبحوا منحرفين ويسيرون عراة في الشوارع لأنهم يتابعون السينما منذ عقود، سواء التي كانت عن طريق أرامكو، أو تلك التي يشاهدونها في البحرين" وهذا صحيح، لكن "مزهر" أخفى أن دور السينما كانت قبل عقود مفتوحة يومياً في جدة، والطائف والرياض وغيرها، في الأندية الرياضية أو في أماكن أخرى، وكان الناس يشاهدونها، ولم يحدث أي خدش لعقيدتهم، ولا عقولهم، وأن التلفزيون فيه قنوات خاصة تعرض يومياً عشرات الأفلام التي يستطيع أن يشاهدها كل من يريد، أليس إخفاء هذه المعلومات تستراً واضحاً منه؟! ولماذا نفى العري والفساد الأخلاقي عن أهل الشرقية وتجاهل الباقين؟!
إنني لو استعرضت كل "طوام" هذا الكاتب الساخر، لجعلتكم تتفقون معي تماماً في أنه ليس "ليبرالياً"، بل داعشي التفكير فعلاً، ولكنه ذكي جداً في تستره، بل أذكى من كل "الوعاظ الحركيين وتابعيهم من الدراويش" الذين يستنكرون جرائم "داعش" وينكرونها في كل يوم، لكنهم يستدركون ويقولون: "ضالون، إخواننا بغوا علينا!"، فهل تكفي علامتا تعجب من هذا القول الغبي المستغبي منهم؟! أم سيكمل "مزهر" ما يحتاجه من تعجبات وتسترات، وذكاءات، واستغفالات علنيات! يمارسها غيره، أمّا هو فحاشاه، فهو –في نظري– من أفضل الكتّاب الساخرين، إن لم يكن أفضلهم مع جاره –في صحيفة مكة– "المسولف العام" المسّمى جوازاً محمد السحيمي!