الرياض السعودية-
عرف عن الجار أنه يشارك في الأفراح والأتراح، يواسي ويعزِي في المصائب والأحزان، ومن سعادة المرء أن يعيش مع جيران أفاضل، وفي وقتنا الحالي تباعد الجيران فأصبحت تمر الشهور بل السنوات ولا يعرف الواحد منهم جاره ولا يعرف أحواله، ولقلة تفقد بعضهم بعضاً يتفاجأ الغالبية بسماع أخبار محزنة عن أحدهم وقد مضى زمن على ذلك الخبر، أو قد تكون مفرحة وقد يصعق جميعهم حين اكتشافهم بأن أحد أفراد الجيران مطلوب أمنياً.
جار مطلوب امنياً
وهنا يقول محمد الزنيدي - أخصائي اجتماعي: عندما نتحدث عن المطلوبين أمنياً فنحن نتحدث عن جرائم العنف والفساد والإرهاب، وخصوصا مع انتشارها المخطط والمقنن خلال العقود الأخيرة من القرن الحالي، مشيراً إلى أنه رغم أن التاريخ البشري لم يكن خاليا من جرائم العنف إلا أن تفشيه وانتشاره أصبح أكثر وضوحاً حالياً، مبيناً أن ما يجعل الأمر أكثر سوءًا في عصرنا الحديث هو تغلغل هؤلاء المطلوبين داخل مجتمعاتنا (من دون أن يلاحظ من قبل الآخرين)، فأصبح الإرهاب في وقتنا الحاضر لا يرتبط بمنطقة أو بثقافة أو مجتمع أو حتى دين، وأصبح المطلوب أمنياً بقضايا الإرهاب مثله كالزئبق يتوغل داخل مجتمعاتنا من دون أن نشعر به حتى تحين لحظة الصفر التي يرافقها التعجب والمفاجأة، كأن تكتشف أسرة أن أحد أفراد المنزل المجاور لهم ومن دون أن يشعروا بشيء مريب بأنهم من المطلوبين أمنياً.
موضحاً أنه يجب أن نعي واجبنا كمواطنين كيفية التعامل مع هؤلاء، وكيف يمكن اكتشافهم والإبلاغ عنهم قبل وقوع المشكلة أو الجريمة، خصوصا وأنهم الآن يلجؤون إلى العيش في الأماكن السكنية الهادئة، منوهاً أنه يجب على سكان تلك المناطق توخي الحذر كما أن معرفة الجار تقع على عاتقهم وذلك كي لا يقع المحظور، ومؤكداً أنه يجب على سكان تلك المناطق على المستوى الشخصي أن يتحلوا بالفطنة والنباهة لكل ما يدور حولهم، خصوصا للمنازل المحيطة بهم، أو من خلال التواصل وقراءة الأفكار، ومن خلال الحوارات واكتشاف أن هناك انحرافا فكريا متطرفا يدعو إلى العنف، وهذا على المستوى الشخصي.
ويرى أن تفعيل مراكز الأحياء يقع على كاهل المستوى الجمعي لسكان تلك المناطق، فهي بجانب ايجابياتها المجتمعية من حيث الترابط والتواصل، معنية كذلك في الجانب الأمني، وذلك من خلال احتكاكها بالآخرين خصوصا مع أصحاب الفكر الديني والثقافي المعتدل، بحيث ان وجد أشخاص لديهم فكر متطرف يدعو إلى العنف يمكن من خلال احتكاكهم بالآخرين تعديل ذلك السلوك، وتوجيههم التوجيه الصحيح.
التواصل والتعارف
وأشار الزنيدي إلى أهمية التواصل مع جميع أفراد الحي والتعارف فيما بينهم، خصوصا من هم حديثو الانتقال لتلك المنطقة، وبذلك يصبح لمراكز الأحياء دور فعال في مكافحة الجريمة، مؤكداً الاستفادة من تجارب الغرب في هذا الشأن وذلك في ظل الثورة الإلكترونية وتكنولوجيا المعلومات في عصرنا الحاضر، مستشهداً على ذلك بأستراليا حيث اوضح أنه في كل منطقة سكنية لديهم شبكة اجتماعية تم إنشاؤها من قبل سكان الحي، يتم التواصل من خلالها فيما بينهم، مشيراً إلى أنه يمكن لمجتمعنا تطبيق ذلك من خلال أحيائنا السكنية، بحيث يكون هناك أشخاص معينون يديرون تلك الشبكات الاجتماعية، ويتم من خلالها ربط الأفراد فيما بينهم، بحيث يضع كل شخص معلوماته التي يرغب بها للآخرين، خاصة للسكان المنتقلين حديثاً للحي ما يسهل عملية التعريف بهم للآخرين، عن طريق الموقع الإلكتروني الخاص بالحي، مشيراً إلى أن هذه الشبكة المعلوماتية يجب أن تكون لها آلية واضحة لسكان الحي، يمكن إنشائها وإدارتها بالشكل الصحيح والمناسب للجميع، مؤكداً أن تلك الشبكة المعلوماتية والإلكترونية من شأنها الحد من تمكن المطلوبين من التوغل في مثل تلك الأحياء بكل سهولة.
المجتمعات المحلية
وأوضح د. أحمد بن محمد آل خيرة - عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد بأبها - أن من قواعد الدين التي دلت عليها الأدلة، وجوب ائتلاف أهل الإسلام، والنهي عن تفرقهم وتحزبهم، والسعي إلى تحقيق هذا الأصل، والعمل على تيسير السبل الموصلة إليه ما أمكن، ففي الشريعة الإسلامية توخت ذلك في كثير من مضامينها وتشريعاتها، مشيراً إلى أن سنة النبي المصطفى عليه السلام زاخرة بتلك التوجيهات الكريمة، ليتحقق الأمن والأمان للمجتمع، وحذر من الخروج بالآراء الشاذة والأفكار المنحرفة، مؤكداً دور المدرسة في تفعيل التواصل فيما بينها وبين الأسر في الحي من خلال التعرف إلى طبيعة مجتمع الحي ومعرفة خصائص كل عائلة، إضافة إلى التعرف إلى الخصائص الثقافية للمجتمعات المحلية، من خلال عقد الندوات واللقاءات لأولياء الأمور، مشيراً إلى أهمية المسجد فهو من أهم المؤسسات الاجتماعية التي تؤدي دوراً في تنشئة الفرد تنشئة سوية، بحسبانه مؤسسة دينية تربوية تعمل على تعليم أولياء الأمور أمور دينهم ودنياهم، وتوجيه أبنائهم توجيهاً روحياً وأخلاقياً واجتماعياً، وبين أن دور المسجد في الماضي خير دليل على ذلك فهو تعلم وغرس المبادئ ومعالجة السلوك المنحرف، مؤكدا أن دور المسجد يجب ألا يقتصر على العبادة وتأدية الشعائر فقط، بل يجب أن يكون منبراً للتوجيه والإرشاد، والدعوة إلى ترجمة التعاليم السماوية إلى سلوك تطبيقي.
دور العمدة
وذكرت العنود السلمان - أخصائية اجتماعية - أن من ضمن الأمور التي تعيد تواصل الجيران كما كان عليه في الماضي، هو إرساء قواعد التكافل الاجتماعي داخل الحي بكل صوره الممكنة، مؤكدة أهمية عمدة الحي الذي غاب صيته في وقتنا الحالي، مبينة أنه الشخص الذي توكل إليه مهام متعددة وشاملة تخص أفراد الحي، وهو العين الساهرة لهم والشخص المعترف والموثوق به لدى الجهات الأمنية بصورة خاصة.
وأوضحت أن العمدة تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة تجاه أهل الحي سواء في مراقبة المشبوهين في الحي والتبليغ عنهم والمدمنين ومروجي المخدرات، إلى جانب مسؤولياته الأخرى التي نأمل من المسؤولين عدم تجاهلها ومساعدته في تحقيقها وتهيئة الفرص، وأوضحت أنه في وقتنا الحالي الذي اتسعت فيه المدن وزاد عدد السكان في كل حي، وجب دعم العمدة بكل الوسائل التي تعينه في اداء مهامه، كحصر سكان الحي على سبيل المثال، ومساعدة الجهات المختصة له في معالجة أي مشكلة قبل استفحالها، ليمارس الدور المنوط به على أكمل وجه وفي المقابل مع وجود المراقبة، حتى لا يتقاعس العمدة ويتهاون في القيام بواجباته، منوهة أنه يجب أن يخدم العمدة الكترونياً ليسهل التواصل معه.
وتطرقت إلى أهمية تعارف سيدات الحي بعضهن على بعض، مشيرة إلى وضع برنامج زيارات ولو بشكل شهري فيما بين الأسر، فتتولى كل أسرة بالتناوب زمام الاجتماع، مع الحرص على التقارب فيما بينهن عن طريق عمل "مجموعة" في برنامج "الواتس آب" مثلاً لسيدات الحي وفيه يتم وضع برنامج محدد للتواصل وتبادل المعلومات وأخبار الأسر، ونصحت بأهمية تفقد من غابت منهن وعمل زيارات لهن وخصوصا عند المرض.
الحوار مع الابناء
وأوضحت أنه مع أن الجار له حق الجيرة التي أوصانا بها نبي الهدى عليه السلام إلا أنه يجب عدم تهاون رب الأسرة في كل ما من شأنه حماية أسرته وحماية وطنه من جار سيئ أو أبناء سيئين ممن يحملون الفكر الضال، إذ نحن بحاجه إلى من يدفع بفكر أبنائنا إلى بر الأمان، ومحاربة ظواهر الفساد والتطرف والعنف والإرهاب إن وجد، حتى لا يهدم الشخص حياته ومجتمعه، وركزت في ضرورة أن يشارك المواطنون رجال الدولة لمواجهة الأخطار أيا كان نوعها رغم الثقة الكبيرة التي يوليها المجتمع لهم.
وشددت على أهمية محاورة الأب لأبنائه وبصورة غير مباشرة عن علاقاتهم مع أبناء الجيران وخصوصا ممن سكنوا حديثاً في الحي، وتوجيه بعض الأسئلة العامة لهم مثل ماذا كانت تدور أحاديثكم اليوم؟ ما رأيك بكذا وكذا؟ معللة ذلك بأن البيت هو نواة المجتمع والمحضن والموجه الأول، وخصوصا الأطفال ومن هم في عمر المراهقة وما أدل على ذلك من صغار السن الذين جندوا للانظمام إلى "داعش".
تبليغ الجهات الأمنية واجب
أوضحت دلال الجابر -مشرفة تربية إسلامية- أن التواصل بين الجيران سبب في إدخال السعادة والطمأنينة فيما بينهم لما يشعر به الجار من راحة البال بجوار جاره، فيشاركه ويشاطره الأفراح والأتراح فهناك قريب نراه في الأسبوع مرة، وآخر نراه في الشهر مرّة وقد نرى جيراننا في كل يوم عشر مرّات، ولكن الكثير من الناس في وقتنا الراهن لا يتفقد الجيران ولا يسأل عن أحوالهم غابوا أم حضروا، وفرطوا في الرابطة العظيمة ولم يرعوها حق رعايتها.
وأشارت إلى من وسائل كسب الجار تحمل أذاه، فالعفو من أرفع الأخلاق وإن أراد أن يأخذ حقه من جاره فيكون بالعدل، ونوهت إلى إحدى الواجبات التي يجب أن يلتزم بها الجيران هي عدم تأجير من لا يرغب أفراد الحي في إسكانه، كحال من يؤجر المنحرفين الذين يخشى منهم إفساد أبناء الحي، وإن حدث ذلك بالفعل من المستأجر، ولاحظ الجار ما يدعوا للشك فالواجب تبليغ الجهات المختصة على ألا يكون التبليغ بدواع كيدية، وأشارت إلى أهمية التأكد من الأدلة والشواهد التي تدين الجار أو المستأجر، عند ذلك يدع الأمور تأخذ المنحى الطبيعي لها، مبينة الهدف من ذلك وهو حفظ النفس وصيانة الأسرة من الأفراد الذين تم التبليغ عنهم وكذلك حماية للعقيدة وللوطن، باعتبار أن مهمة الجميع تنصب في السلام الاجتماعي وحفظ الأمن، وفي المقابل ركزت على عدم الاستعجال في اتهام الجار وعدم الاكتفاء بنظرة خاطفة على تصرفاته أو لمجرد السماع من أشخاص آخرين عن سيرته، فقد تكون سيرة مضى بها الدهر وقضى عليها.