هاني الفردان- الوسط البحرينية-
تنص المادة الرابعة من الدستور البحريني باب اﻟﻤﻘﻮﻣﺎت اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ على أن «(...) الحرية واﻟﻤﺴﺎواة واﻷﻣﻦ واﻟﻄﻤﺄﻧﻴﻨﺔ واﻟﻌﻠﻢ واﻟﺘﻀﺎﻣﻦ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ وﺗﻜﺎﻓﺆ اﻟﻔﺮص ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻮاﻃﻨﻴﻦ دﻋﺎﻣﺎت ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺗﻜﻔﻠﻬﺎ اﻟﺪوﻟﺔ».
تكلمنا كثيراً في مسألة نشر صور المتهمين، ورغم قناعتنا التامة، بأن نشر صور المتهمين قبل إدانتهم في المحكمة يعد «مخالفة» صريحة لنص دستوري، وهو ما تؤكّده أيضاً المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وهي مؤسسة رسمية معينة.
أهم خبر نشر يوم الأربعاء (23 ديسمبر/ كانون الأول 2015) كان متعلقاً بما كشفت عنه أوراق قضية 24 متهماً بالانضمام إلى تنظيم «داعش» الإرهابي أو ما عرف بـ «فرع داعش البحرين»، وهو أن «المتهمين خططوا للقيام بعملية إرهابية (انتحارية) في مسجد عالي الكبير لقتل أكبر عدد من الأشخاص من الطائفة الشيعية تنفيذاً لأهداف الجماعة الإرهابية بالبحرين».
المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، أكّدت في تقرير سابق لها أن «الحق في التمتع بضمانات المحاكمة العادلة مازال عرضة للانتهاك» في البحرين، وذلك من خلال نشر صور المتهمين قبل إدانتهم.
نيابة الجرائم الإرهابية أعلنت الأربعاء (21 أكتوبر/ تشرين الأول 2015) على لسان رئيسها المحامي العام أحمد الحمادي عن انتهاء التحقيق في واقعة تشكيل فرع لجماعة إرهابية على خلاف أحكام القانون (ما يسمى بـ «تنظيم داعش»)، وإحالة أربعة وعشرين متهماً إلى المحكمة المختصة منهم ثمانية متهمين محبوسين وستة عشر هارباً، واتهامهم بإنشاء فرع لجماعة إرهابية على خلاف أحكام القانون، وتولي قيادة بها والانضمام إليها وحيازة الأسلحة والتدريب على استعمال الأسلحة والمفرقعات تنفيذاً لأغراض إرهابية وكذا الترويج لقلب وتغيير النظام السياسي للدولة بالقوة والتهديد.
كما أعلنت نيابة الجرائم الإرهابية عن «أن ثمانية من المتهمين خططوا للإعداد لعمليات انتحارية داخل دور العبادة في البحرين»، وهي مسألة خطيرة جداً تتطلب أيضاً «إحاطة المجتمع بالإجراءات الأمنية لطمأنته والتهدئة من روعه» في ظل تزايد أعمال التفجيرات التي تطال دور العبادة في الشقيقة المملكة العربية السعودية ووصولها دولة الكويت أيضاً.
عندما كانت تنشر صور واعترافات جماعات من المواطنين وجهت لهم تهم مختلفة منها «الإرهابية»، كانت المبررات من وراء نشر صور المتهمين من قبل الجهات الرسمية تتم وفقاً لنصٍ قانوني (المادة 246 المعدلة بقانون العقوبات) التي تجيز للنيابة العامة نشر صور وأسماء المتهمين بحسب ما يتوافق والصالح العام، حتى وإن لم يصدر حكم نهائي؛ وذلك لإحاطة المجتمع بالإجراءات الأمنية لصد الأعمال التخريبية، ولطمأنة المجتمع وتهدئة روع المواطنين والمقيمين، ومراعاة للمصلحة العامة.
قضية بحجم الإعداد والتخطيط للقيام بعملية إرهابية (انتحارية) في مسجد عالي الكبير لقتل أكبر عدد من الأشخاص من الطائفة الشيعية تنفيذاً لأهداف الجماعة الإرهابية بالبحرين، لم تستدعِ نشر صور واعترافات المتهمين الـ 24، ولكن قضية نشر تغريدات يمكن أن تعد مسألةً خطيرةً تُنشر بسببها صور وأسماء متهمين.
ففي يوم الثلثاء (27 يناير/ كانون الثاني 2015) نشرت صور وأسماء تسعة متهمين اتهموا بـ «إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي»، فهل ذلك النشر كان لـ «طمأنة المجتمع وتهدئة روع المواطنين والمقيمين»، فيما الإعلان عن «خلية إرهابية داعشية» وإعدادها لعمليات انتحارية داخل دور العبادة في البحرين وحيازة الأسلحة والتدريب على استعمال الأسلحة والمفرقعات تنفيذاً لأغراض إرهابية وكذا الترويج لقلب وتغيير النظام السياسي للدولة بالقوة والتهديد، لا يستحق نشر صور واعترافات المتهمين؟!
مبدأ «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، موجود في كل قوانين العالم. وحق الإنسان المتهم الذي كفلته مادة دستورية لا يشوبها غبار، ولا يمكن الجدال فيها أو تأويلها، فقد نصت الفقرة (ج) في المادة (20) من الدستور على أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمّن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقاً للقانون»، وكذلك الفقرة (د) من المادة نفسها، على أنه «يحظر إيذاء المتهم جسمانياً أو معنوياً»، بعد البحث عن مخارج قانونية لضرب هذا المبدأ بحجة «إحاطة المجتمع بالإجراءات الأمنية لصد الأعمال التخريبية»، فإن الأعمال الإرهابية أخطر أيضاً ويجب إحاطة المجتمع بها من باب المساواة على أقل تقدير وعدم التمييز بين فئات المجتمع حتى في نشر صور المتهمين و«الإرهابيين».
موقفنا واضح، فنحن ضد نشر أسماء وصور المتهمين أينما كانوا ومن أي طرف، ولكن يبقى السؤال: لماذا نشر أسماء وصور المتهمين، لا يطبّق على الجميع رغم نشر صورٍ لمتهمين في قضايا تعبير عن رأي وتغريدات، فيما يتم التستر وعدم نشر صور خلية «إرهابية داعشية» تخطط للقيام بعملية انتحارية تستهدف دور عبادة وقتل المصلين.
لا نعلم إن كان سيخرج لنا أحد ويبرر لنا أسباب عدم نشر صور متهمي «الخلية الداعشية» واعترافاتها أسوة بباقي القضايا المتعلقة بـ «الإرهاب»؟ أم أن نص المادة (246) المعدلة من قانون العقوبات لا تسري على الجميع، وأنها فصلت على مقاسات البعض فقط؟