سياسة وأمن » حوادث

حوادث المرور والمسؤولية الأسرية

في 2016/01/11

د. كلثم جبر- اللراية القطرية-

تُشكل حوادث المرور نسبة عالية من أسباب الوفيات، بل إن الإحصائيات المنشورة عالمياً تشير أن عدد الوفيات الناتجة عن حوادث المرور يفوق ضحايا الحروب والكوارث الطبيعية مجتمعة، ورغم جهود التوعية الكبيرة المبذولة للحد من حوادث المرور، فإن الملاحظ ارتفاع أرقام هذه الحوادث المنتهية بالوفيات أو بالعاهات المستديمة أو بالأضرار المادية والمعنوية المترتبة على ذلك، كما يحظى المصابون في هذه الحوادث بأعلى نسبة في إشغال أسرّة المرضى في معظم المستشفيات، لذلك تبذل الدولة جهوداً كبيرة للحد من ضحايا حوادث المرور من المتوفين والمصابين، فالطرق على أعلى المواصفات، ونظام المرور يطبق بمنتهى الحزم والشدة، وإشارات وعلامات المرور في كل مكان، وأجهزة المراقبة منتشرة في الطرق، كما تتوفر في المركبات كل شروط السلامة، ولكن لا يمكن للدولة أن تجعل لكل سائق سيارة رجل مرور لمراقبته.

> فماذا بقي بعد ذلك للحد من حوادث المرور؟ .

بقي عامل أساس لا بد من التركيز عليه تربوياً وتعليمياً وتوعوياً وأخلاقياً، خاصة أن معظم ضحايا حوادث المرور هم من الشباب الذين يمثلون الثروة الحقيقية للوطن، وفقدهم يعني خسارة فادحة ليس لذويهم فقط، بل ولمجتمعهم ووطنهم، هذا العامل الذي لابد من التركيز عليه هو دور الأسرة، ونحن لا نحاسب الأسرة أو نلوم أولياء الأمور الذين فقدوا ابناً أو أخاً أو قريباً بسبب حوادث المرور، بل ندعو لمن فقدوا بالرحمة والغفران ولذويهم بالصبر والسلوان، لكننا فقط نذكر أن بعض الأساليب التربوية في مجتمعنا تحتاج إلى إعادة نظر، وهي أساليب تطغى عليها عاطفة الأمومة أو الأبوة لدرجة تتراجع أمامها كل مظاهر التفكير العقلاني السليم، فالتدليل على سبيل المثال، وعدم رقابة الأبناء، والتساهل معهم في كثير من الأمور، من الأمور التي قد تنحرف بالأولاد - بنين وبنات - عن جادة الصواب، ولا بد أن نعرف أن الحرص عليهم لا يعني عدم الثقة بهم، بل هو بناء لقواعد هذه الثقة في نفوسهم، لأن التساهل يبني اللامبالاة والإهمال إن لم نقل الاستهتار، بينما الحرص يبني التعود على الانضباط كما يعودهم على تحمل المسؤولية في المستقبل، بينما التدليل له عواقبه الوخيمة، فهو يربي الأولاد على عدم الثقة بالنفس، والاعتماد على الغير في حياتهم المستقبلية، وهو أي التدليل لا ينتج في أحسن حالاته سوى طلبة فاشلين، وموظفين اتكاليين، وأفراد غير مسؤولين، وفي أسوأ حالاته قد ينتج المنحرفين الذين تعودوا على الأخذ دون أن يعرفوا العطاء، وتعودوا على سهولة الحصول على كل شيء دون بذل أي جهد، وعدم الدلال لا يعني بالمقابل القسوة في التربية، بل لا بد من التوازن في التربية، باستعمال اللين في وقته والشدة في وقتها، فلا ضرر ولا ضرار.

السرعة الجنونية عامل أساس في حوادث المرور، وهي أي السرعة فعل إرادي، سيتحمل عواقبه كل من يقوم به، بل هي نوع من الانتحار المنهي عنه شرعاً وعرفاً، فلا يجوز التذرع بأي أسباب أخرى، والسرعة الجنونية لا تورث إلا الندم في كل الحالات، وهي منتشرة بين الشباب الذين يحاولون تقليد مشاهداتهم التلفزيونية والسينمائية والألعاب الإلكترونية في الحاسوب وما يسمى بالأجهزة الذكية.

أولادكم أمانة فأحسنوا الحفاظ على هذه الأمانة بالتربية السليمة المتوازنة، البعيدة عن الدلال أو القسوة، والملتزمة بالحرص والتوجيه السليم.