شؤون خليجية-
ما هو الستار الذي تسللت من وراءه القوى الكبرى لإنشاء قواعد عسكرية جديدة في الخليج يعلنها قادة ووزراء دفاع على شاشات التلفاز بلا تردد أو قلق..ثلاثة ذرائع محورية "لدعم استقرار المنطقة" و"لمواجهة خطر داعش" و"التهديدات الإيرانية".
فهل هي قواعد ضرورية لحماية الأمن القومي الخليجي أم احتلال مقنع، وما مستقبل هذه القواعد بعد الانتهاء من الحرب على الإرهاب، وهل توافق الشعوب الخليجية على بنائها واستمرار وجودها والمساسهمة في تمويلها، وكيف يمكن ضمان عدم اختراقها لأمن الخليج، بما تملكه من قوات خاصة ومستشارين عسكريين، تقنيات متطورة للغاية في قلب الدولة، وماذا يضمن عدم استغلالها في أي صراع مستقبلي مع أحد هذه الدول في ظل تضارب المصالح والأجندات، والتواطؤ الغربي المريب لصالح حلف (موسكو طهران) في السر والعلن وفي ظل تحليلات تشير إلى أن داعش وإيران فزاعة وصناعة غربية، فهل بريطانيا وأمريكا ونشاطهم العسكري وتاريخهم يجعلهم محل ثقة خليجية؟
من يرشد أو يدير أجندة هذه القواعد العسكرية، وهل للدولة المضيفة سلطة التحكم في بنك أهدافها بحيث يمنع استهداف المدنيين والبنية التحتية خاصة النفطية في الدول المستهدفة لمحاربة الإرهاب فيها؟
وزير الدفاع البريطاني نبني قواعد جديدة؟
في لقاء إعلامي بقناة الجزيرة ببرنامج "لقاء اليوم" في الأول من إبريل 2016 قال وزير الدفاع البريطاني "مايكل فالون" إنه لا مستقبل لسوريا طالما استمر بشار الأسد في السلطة، مشيرا إلى تركيز بريطانيا على قتال تنظيم الدولة الإسلامية باعتباره الخطر الأكبر، وأن بريطانيا تعمل حاليا على بناء قواعد بحرية وجوية جديدة في الخليج "لدعم استقرار المنطقة".
وقال فالون إن رئيس الوزراء العراقي رفض بشكل واضح وجود قوات بريطانية هناك للمساعدة على قتال تنظيم الدولة، "لكننا نقدم دعما استخباراتيا وضربات جوية وتدريبات".
استقرار الخليج
بشأن الخليج أكد فالون حرص بريطانيا والدول الكبرى على تعزيز علاقاتها مع دول الخليج من أجل توطيد أمن المنطقة، وتطوير حضورها ليكون بشكل دائم، لافتا إلى بناء قواعد بحرية جديدة في الخليج، وزيادة قواتهم هناك، كما أنهم يبحثون بناء قواعد جوية وإجراء تدريبات عسكرية، مؤكدا في الوقت نفسه قدرة دول الخليج على حماية نفسها، وبإمكانها أيضا الاعتماد على مساعدة حليفتها بريطانيا.
وعن الاتفاق النووي مع إيران، أكد فالون أن الاتفاق لا يعني أنهم أصبحوا أقل حذرا تجاه إيران، ومن مصلحة طهران أن تبرهن على أن سياساتها تتحسن وأنها لا تتدخل في شؤون دول المنطقة.
قاعدة بريطانية في البحرين
وضع كل من وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، ونظيره البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة، السبت 31 أكتوبر 2015، حجر الأساس لبناء قاعدة بحرية بريطانية في البحرين، وتعتبر هي الأولى لبريطانيا في منطقة الشرق الأوسط بشكل دائم منذ انسحاب "بريطانيا العظمى" من المنطقة عام 1971، وشارك في مراسم تدشين القاعدة عسكريون من قطاع البحرية البريطانية.
جاء بناء قاعدة "إتش إم إس الجُفير" في ميناء سلمان بهدف دعم انتشار قوات البحرية البريطانية في الخليج، وقال وزير الخارجية البريطاني "فيليب هاموند" إن القاعدة تُظهر التزام بريطانيا تجاه الشرق الأوسط، مضيفاً "وجود البحرية البريطانية في البحرين مضمون في المستقبل، بما يضمن وجود بريطانيا المستمر في منطقة الشرق الأوسط، المنشأة الجديدة ستُمكّن بريطانيا من العمل مع حلفائها لتعزيز "الاستقرار في الخليج" و"ما وراءه".وأشار خلال مشاركته في منتدى حوار المنامة إلى أن "أمن منطقة الخليج العربي من أمن المملكة المتحدة.
أكد فرانك غاردنر محرر "بي بي سي" لشؤون الأمن إن التزام بريطانيا المتزايد تجاه الخليج "من المرجح أن يظل مثيرا للجدل".
كانت قد دفعت البحرين معظم تكاليف إنشاء القاعدة البالغة 23 مليون دولار، فيما يدفع البريطانيون التكاليف الجارية، وكانت بريطانيا والبحرين اتفقتا على إقامة القاعدة في ميناء الملك سلمان في ديسمبر عام 2014، وانسحبت من قواعدها في دول الخليج عام 1971 في إطار خطتها للانسحاب من "شرق السويس"، ولكنها تحتفظ بقاعدتين في جزيرة قبرص على البحر المتوسط، وإلى جانب القاعدة البريطانية الجديدة، توجد أيضاً قاعدة للأسطول الخامس الأميركي في البحرين.
عودة الاحتلال البريطاني للخليج
في إطار تحليل إنشاء القاعدة في البحرين نشر "سبوتنك فرانس" في 9 نوفمبر 2015 تقريرا رصد فيه أنه في ذكرى وعد بلفور، الذي منحت بموجبه بريطانيا حق إقامة وطن لليهود في فلسطين، عادت بريطانيا من جديد لترسيخ تواجدها العسكري في المنطقة العربية عبر وضع حجر الأساس وتدشين قاعدة بحرية بريطانية في البحرين.
توجد حاليا أربع كاسحات ألغام بريطانية متمركزة في قاعدة عسكرية تابعة للاسطول الخامس للبحرية الامريكية في البحرين.
إعادة انتشار غربي وتوزيع أدوار
أعلن وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة أن "تدشين القاعدة العسكرية البريطانية في البحرين ليس موجها ضد أي دولة، ولكنه يعمل على ضمان سلامة السفن في الخليج ومضيق هرمز".، ولكن القاعدة البريطانية الجديدة بحسب-سبوتنك فرانس-تتضمن رسائل تصب في اتجاهات عدة، أبرزها ناحية إيران، كما أنها ستشكل موطئ قدم عسكري جديد للقوى الغربية إلى جانب القاعدة العسكرية التي تستخدمها البحرية الأمريكية كمركز قيادة للأسطول الخامس في البحرين، وبالإضافة إلى قواعد عسكرية أخرى منتشرة في السعودية والخليج، ولهذه ذه الخطوة أبعادا إستراتيجية أخرى تتعلق بتوزيع الأدوار على المستوى الدولي بين بريطانيا وحليفتها الولايات المتحدة التي تسعى خلال المرحلة المقبلة إلى نقل ثقلها العسكري نحو شرق آسيا، لاحتواء التقدم الصيني.
وفي سبتمبر الماضي نشرت صحيفة التايمز البريطانية تقريرا قالت فيه إن بريطانيا تسعى لتعزيز وجودها العسكري في الخليج في إطار "إعادة رسم الإستراتيجية العسكرية البريطانية بعد الانسحاب من أفغانستان، وإعادة توزيع القوات البريطانية في المناطق المهمة حول العالم".
مشروع بريطاني أمريكي
يعد عودة التواجد العسكري البريطاني للبحرين جزءا من مشروع أمريكي بريطاني متكامل لإقامة قواعد عسكرية بحرية وجوية وبرية في منطقة الخليج العربي. حيث ستكون القاعدة البريطانية "إحدى وحدات" القاعدة البحرية الأمريكية مما يؤكد أن وجودها هو لإسناد الأسطول الخامس الأمريكي وليس لمنافسته، ووفقا لتلك الخطة، ستكون القاعدة الجوية في قاعدة المنهاد في دبي بالإمارات العربية المتحدة التي تحولت منذ 2001 إلى قاعدة قوات متعددة الجنسيات الغربية، وتوسيع هذه القاعدة سيتيحها قاعدة ثابتة لسلاح الجو البريطاني.
أما القاعدة البرية فتتمثل في عدد من المعسكرات داخل سلطنة عمان، ومن المقرر أن تنقل بريطانيا جزءا من فرق جيشها المقرر سحبه من المعسكرات البريطانية في ألمانيا إلى هذه المعسكرات الخليجية، أما القاعدة البحرية البريطانية في البحرين فستسمح بتمركز السفن والفرقاطات وكاسحات الألغام والاستعداد لاستقبال بوارج حربية وحاملات طائرات، بحسب "سبوتنك فرانس".
أمن الخليج بين بريطانيا وأمريكا
حذر مراقبون من هيمنة الدول الكبرى على القرار العسكري الخليجي بسبب تغلغل هذه القواعد الغربية فأمن الخليج" لا يزال خاضعًا للرؤية الأمريكية، حيث لم تخض دول مجلس التعاون حربا منفردة درءا للتهديدات أو العدوان الذي تعرضت له، وإنما خاضت جميع حروبها بالتحالف مع الولايات المتحدة بالأساس، وذلك ما حدث في حرب تحرير الكويت 1990 - 1991، وحرب العراق 2003 والحرب على تنظيم داعش في العراق والمستمرة حتى الآن.
أهداف القواعد الأمريكية بالخليج
تستهدف القواعد الأمريكية عدم تحرر دول مجلس التعاون في قرارها العسكري وفي تعريفها للتهديدات والمخاطر، وضعف اعتمادها على الاتفاقيات والقوات العربية المشتركة لحفظ الأمن القومي العربي، ولتقييدها بشراكة أمنية أمريكية غربية تستنزف طاقاتها وأموالها، باستثناء تجربة "عاصفة الحزم" في اليمن للتحالف العربي بقيادة السعودية كأول تجربة حرب بقرار عربي وقوات عربية، ولكنها أيضاً بتنسيق مع أمريكا، بحسب مراقبين.
أدت تداعيات حرب الخليج الثانية عام 1991، والفترة التالية لها إلى تحول كبير في شكل الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج تحديدا، باتساع نطاق التسهيلات العسكرية المقدمة للقوات الأميركية في قواعد ومحطات وموانئ ومطارات ومعسكرات ومراكز الغالبية العظمى من دول المنطقة ذات العلاقة بالولايات المتحدة، أو حتى بعض الدول التي لا يبدو أنه تربطها علاقات سياسية قوية بها، وتزايد عدد القواعد العسكرية الرئيسية بشكل غير مسبوق