صباح نعوش- البيت الخليجي-
ترتفع المصروفات العسكرية في السعودية بحسب مختلف المقاييس ومقارنة مع الدول الصناعية والنامية. ينجم هذا الارتفاع عن ثلاثة أسباب أساسية: الخطر الإيراني والتدخل في اليمن والمقدرة المالية.
في السعودية كما هو حال البلدان العربية الأخرى تلعب كثرة عدد العسكريين دوراً بارزاً في تحديد الإنفاق العسكري. ورغم استقراره في السنوات الأربع الأخيرة إلا انه يمثل نسبة عالية. بلغ عدد العسكريين السعوديين 252 ألف شخص (إحصاءات البنك العالمي المتعلقة ببيانات الإنفاق العسكري). هنالك عسكري واحد لكل 130 نسمة من السكان.
الخطر الإيراني
أصبحت إيران العامل الأساس في تقرير الإنفاق العسكري السعودي بسبب تدخلها في منطقة الخليج ودورها العسكري والسياسي والمذهبي في العراق وسوريا ولبنان واليمن. هذا الخطر جعل من إيران العدو اللدود للسعودية. الأمر الذي يفسر السعي وراء أحدث الأسلحة فيرتفع الإنفاق العسكري.
حتى تكون المقارنة بين البلدين واضحة وسليمة ينبغي ملاحظة اختلاف مصادر تمويل أجهزتهما. في السعودية كما هو الحال في إيران لا تقتصر القوات المسلحة على الجيش والشرطة. هنالك أيضاً في السعودية الحرس الوطني والحرس الملكي. أربعة أجهزة عسكرية مستقلة تماماً من الناحية الإدارية. أما في إيران فهنالك الحرس الثوري.
ولكن الفرق الأساس من الناحية المالية يتمثل في مصادر التمويل. في السعودية يتم تمويل جميع القوات المسلحة من ميزانية الدولة. في حين لا يتأتى التمويل الإيراني من ميزانية الدولة فحسب بل كذلك من أرباح شركات الحرس الثوري كالشركة العملاقة “خاتم الأنبياء”. وعلى هذا الأساس فان النفقات العسكرية الإيرانية أكبر بكثير مما هو معلن رسميا. ورغم ذلك تعادل النفقات العسكرية السعودية على الأقل ثلاثة أضعاف النفقات العسكرية الإيرانية.
ولكن لم يقد هذا الوضع إلى تفوق سعودي. لأن القوة لا تعتمد فقط على حجم الإنفاق بل كذلك على عوامل عديدة منها التصنيع. إيران تصنع قسطاً كبيراً من أسلحتها. في حين أن الأسلحة السعودية مستوردة. كما تختلف القدرة القتالية بسبب الخبرة الإيرانية التي اكتسبتها من الحرب ضد العراق ومن استعداداتها أمام التهديدات الأمريكية. لذلك تعتبر المؤسسات الدولية المتخصصة إيران متقدمة على السعودية في مؤشر القوة العسكرية. تحتل إيران المرتبة العالمية رقم 14 في حين حصلت السعودية على المرتبة العالمية رقم 25 (أجرت الترتيب مؤسسة كلوبال فاير باور في عام 2019).
تسعي السعودية نحو شراء أسلحة متطورة والحصول على السلاح النووي. من الناحية الرسمية لا تنوي الرياض امتلاك السلاح النووي إلا إذا امتلكته طهران. غالبا ما تشير التصريحات السعودية عالية المستوى إلى هذا الربط. بمعنى آخر تؤثر إيران في هذا الميدان كما في الميادين العسكرية الأخرى تأثيراً مباشراً وفاعلاً على الإنفاق العسكري السعودي.
حرب اليمن
اصبح التعتيم عن المصاريف العسكرية في اليمن بديهيا. واعتاد الباحثون على انعدام الشفافية في التصريح بتكاليف العمليات العسكرية. أما الأرقام المنشورة هنا وهناك فهي تقديرات لمؤسسات غربية من جهة وتتسم بالتباين من جهة أخرى.
فحسب مجلة فوربس الأمريكية أنفقت السعودية في اليمن خلال الستة اشهر الأولى من حربها 725 مليار دولار. ويشمل هذا المبلغ المساعدات والتعويضات التي دفعتها الرياض للبلدان المشاركة في “عاصفة الحزم”. لكنه لا يضم الخسائر الاقتصادية غير المباشرة.
يبدو أن هذه التقديرات مبالغ فيها إلى حد كبير للأسباب التالية: أنها اكبر بكثير من التقديرات الأخرى. كما بلغت جميع النفقات العسكرية السعودية 87 مليار دولار في عام 2015. ولا يعقل أن تقل هذه النفقات عن كلفة الحرب في اليمن. أضف إلى ذلك أن الناتج المحلي الإجمالي للسعودية في عام 2015 بلغ 654 مليار دولار. بمعنى أن تلك التقديرات لمدة ستة أشهر تفوق الناتج المحلي الإجمالي السنوي. وهذا غير معقول أيضا. وعلى افتراض استحواذ السعودية بمفردها على جميع الأسلحة المعدة للتصدير في العالم فان مبلغ وارداتها سوف لن يتجاوز 91.3 مليار دولار (هذا الرقم مذكور في ملخص التقرير السنوي لمعهد ستوكهولم لعام 2017. الصفحة 15) وهو حجم صادرات الأسلحة لجميع دول العالم في عام 2015. والواقع أن ورادات السعودية من الأسلحة تعادل 8.2% من الواردات العسكرية العالمية.
وحسب دراسة لجامعة هارفرد الأمريكية ومقال منشور في جريدة التايمز اللندنية تبلغ النفقات العسكرية اليومية السعودية في اليمن 200 مليون دولار. بمعنى أن المعدل السنوي للعمليات يبلغ 73 مليار دولار. وهذا المبلغ يفوق أيضاً المجموع الكلي للنفقات العسكرية السعودية.
أما موقع دويتشه فيله الألماني فيرى أن السعودية تنفق يومياً في حرب اليمن 60 مليون دولار أي حوالي 22 مليار دولار في السنة.
وأما صحيفة الرياض السعودية فقد ذكرت بأن كلفة الغارات الجوية السعودية في اليمن تبلغ 230 مليون دولار في الشهر. أي اقل من ثلاثة مليارات دولار في السنة. ويتناول هذه المبلغ مصاريف تشغيل الطائرة وثمن أدواتها الاحتياطية والصيانة والذخائر. ومن المعلوم أن العمليات العسكرية تكاد تقتصر على القوة الجوية.
أن هذا التقدير السعودي غير رسمي بل ولا علاقة مباشرة له بحرب اليمن. أنه يستند إلى حسابات أوروبية وأمريكية ترتبط بتكاليف غارات الطائرات الفرنسية على ليبيا وغارات الطائرات الأمريكية ضد داعش في العراق وسوريا. تبلغ كلفة الطلعة الواحدة بين 84 و 104 ألف دولار. ولما كان معدل عدد الطلعات اليومية للمقاتلات السعودية 100 فإن حاصل ضرب الكلفة بعدد الطلعات يعادل النفقات اليومية للحرب.
وجد الإعلام السعودي في هذه الحسابات وسيلة للدلالة على ضآلة المصروفات في حرب اليمن قياساً بالإمكانية المالية للدولة. إذ أن ثلاثة مليارات دولار في السنة لا تمثل سوى 1.9% من الإيرادات العامة. والواقع أن المشكلة ترتبط بإطالة أمد الحرب التي دخلت عامها الخامس وكذلك بتعثر الحلول السلمية. والأهم من هذا وذاك أن تكلفة هذه الحرب لا تقتصر على الهجمات الجوية بل تشمل جوانب أخرى:
الجانب الأول: منح الأولوية للإنفاق العسكري. عندما تخوض دولة حرباً فأن سياستها المالية تقرر دائماً الأفضلية للمجهود الحربي. الأمر الذي يؤثر تأثيراً بالغاً على القطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية خاصة في ظل سياسة مالية تسعى إلى التوازن المالي بحلول عام 2023. عندئذ قد يتحقق هذا التوازن ولكن الثمن باهظ يتحمله المواطن. تخفيض الدعم وما يترتب عليه من ارتفاع أسعار الاستهلاك وتنصل القطاع الحكومي من التوظيف وما يترتب عليه من تزايد معدل البطالة يندرجان ضمن سياق هذا التوازن وكذلك الأولوية للإنفاق العسكري.
الجانب الثاني: الإنذار العسكري. وضع الجيش السعودي برمته وكذلك الأجهزة الأمنية في حالة تأهب قصوى ومستمرة تحسباً لأي خطر يؤدي إلى تطور هذه الحرب. يترتب على ذلك صرف مبالغ إضافية.
الجانب الثالث: الدفاع. يتعين إضافة المصاريف اللازمة للتصدي للهجمات اليمنية التي أصابت مطارات ومؤسسات الطاقة ومنشآت عسكرية داخل السعودية. وكذلك الخسائر التي تحملتها القرى السعودية القريبة من الحدود مع اليمن. وقد بين تدمير مصفاة أرامكو ضرورة رصد أموال إضافية لصد الهجمات.
الجانب الرابع: المساعدات الخارجية. أدى التدخل في حرب اليمن إلى ارتفاع المساعدات الممنوحة من قبل السعوديين. تقود الرياض الحرب ضمن تحالف يضم بعض الأقطار العربية كمصر. يترتب على ذلك منح مساعدات مالية واستثمارات مباشرة. كما تدعم السعودية الاقتصاد اليمني وتقرر إعانات لليمنيين. وفق المصادر السعودية منحت الرياض خلال السنوات الثلاث الأولى من الحرب مبالغ تفوق 11 مليار دولار (تصريح لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية).
كلفة حرب اليمن لا تقتصر إذن على الغارات الجوية بل تشمل كذلك النفقات المذكورة أعلاه. ناهيك عن الخسائر التي يتحملها الاقتصاد السعودي جراء هروب الاستثمارات.
المقدرة المالية
ذكرنا أن ارتفاع أو انخفاض الإنفاق العسكري لا علاقة له بالإيرادات العامة نظراً لخضوعه لعوامل سياسية. لكن ذلك لا يعني غياب العلاقة بين حجم الإنفاق العسكري وقدرة الدولة على الصرف. السعودية بلد عضو في مجموعة العشرين. ومن اكبر البلدان النفطية في العالم سواء تعلق الأمر بالإنتاج أم بالتصدير أم بالاحتياطي المؤكد. لها استثمارات ضخمة في عدة دول ولديها أرامكو وهي اكبر شركة في العالم. وغالباً ما يتأتى ثقلها السياسي الإقليمي والدولي من أهميتها المالية.
يؤثر هذا المركز على الإنفاق العسكري. لذلك لا غرابة في أن يرتفع حتى في حالة هبوط العوائد النفطية والإيرادات العامة.
ومن نتائج هذه الأهمية الإمكانية الكبيرة في الحصول على التمويل الخارجي في حالة عدم كفاية الإيرادات المحلية في تغطية النفقات المدنية والعسكرية.
كما تستغل الدول الصناعية الكبرى خاصة الولايات المتحدة هذه المكانة المالية المرموقة لتنمية صادراتها من مختلف أنواع الأسلحة خاصة المتطورة. مما يسهم مساهمة فاعلة في زيادة المصاريف العسكرية السعودية.
ترتفع النفقات العسكرية السعودية لأسباب ترتبط بالتوتر السياسي في منطقة الخليج وبمقدرة الدولة على الصرف. أدى هذا الوضع إلى خلق مشاكل مالية خطيرة تتجلى في عجز الميزانية العامة وتزايد المطالب المالية الأمريكية لقاء الحماية.