بي بي سي- الخليج الجديد-
انتهت مؤخرا في الصحراء السعودية الشاسعة قرب الحدود مع العراق والكويت تمارين «رعد الشمال» العسكرية.
فلمدة شهر كامل تقريبا، استضافت السعودية قوات من 20 دولة حليفة في أول فرصة تتاح لها للتدريب على دمج التحالف الذي تقوده والذي أعلن عن تأسيسه العام الماضي لمحاربة الإرهاب. وكان هذا الحشد، حسبما يقول السعوديون، أكبر تجمع للقوات المسلحة في المنطقة منذ حملة «عاصفة الصحراء» التي طردت القوات العراقية من الكويت عام 1991.
وبحسب تقرير أعده مراسل «بي بي سي» الأمني، فإن الأرقام التي أوردها الإعلام السعودي المحلي من أن 350 ألف عسكري شاركوا في التمارين تبدو مبالغا بها بعض الشيء.
وقال كاتب التقرير، إنه لم أر إلا مؤشرات قليلة على وجود جحافل ضخمة للمشاة، كما اعتذر القائد السعودي المسؤول عن الإدلاء بالعدد الكلي للعسكريين المشاركين مكتفيا بالقول «إن الأعداد ليست مهمة»، مما يشير إلى أن العدد الفعلي كان أقل من المتوقع، مضيفا أن هذا لا يسري على القوات الجوية، التي كانت مشاركتها كبيرة فعلا.
وقال مراسل «بي بي سي»، في قاعدة الملك سعود الجوية القريبة من بلدة حفر الباطن، شاهدت أسرابا من طائرات ف-16 المصرية والأردنية والبحرينية، وطائرات ميراج قطرية وهي تؤدي التمارين إلى جانب طائرات التايفون وف-15 السعودية.
وبالقرب من القاعدة، كانت المدفعية الكويتية تستمكن تحت شباك التمويه، والدروع الإماراتية تزحف في واد رملي فيما حلقت فوقها مروحيات أباتشي السعودية.
وقال العميد «أحمد عسيري»، الناطق العسكري السعودي، «نقوم بتجربة بنيتنا التحتية ومطاراتنا وموانئنا وقواعدنا الجوية لكي نتأكد من قدرتنا على استضافة تحالف بهذا الحجم»، مضيفا أن قوات التحالف الإسلامي ينبغي أن تكون قادرة على التحول بسرعة من المشاركة في حرب تقليدية إلى حرب العصابات.
شعور بالحصار
والعديد من الدول المشاركة في التمارين تقوم بذلك بالفعل، مثل مالي التي تتصدى لتنظيم «القاعدة» في شمالي البلاد وباكستان التي تتصدى لمسلحي طالبان.
إلا أن التقرير أوضح أن الدولة التي تشعر بأكبر تهديد هي السعودية ذاتها، مشيرا إلى أن قواتها منهمكة في القتال في اليمن على الحدود الجنوبية للسعودية، بينما تشارك قواتها الجوية في الحملة التي تستهدف تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، بينما نفذ التنظيم الأخير بالفعل عدة هجمات داخل الأراضي السعودية.
كما بدأ السعوديون بالشعور بأنهم محاصرون من قبل القوات التي تعمل بالوكالة عن منافستها اللدودة إيران، مثل «حزب الله» في لبنان وسوريا والميليشيات الشيعية في العراق والمسلحين «الحوثيين» الذين تدعمهم إيران في اليمن.
وتساءل كاتب التقرير قائلا: «هل بمقدور السعودية خوض حربين في آن؟»، مضيفا: «سؤال وجهته للعميد عسيري الذي أجاب قائلا: أعرف أنه أمر منهك من ناحية الموارد والقوة البشرية، إذ نواجه اليوم تحديات في الجنوب وقواتنا متمددة في الشمال منذ عام 2014، وكل ذلك لأننا نشعر بأن أمننا الوطني مهدد».
انتقاد للضربات الجوية
لقد جاءت هاتان الحملتان في وقت غير موات بالنسبة للسعودية، ثاني أكبر منتج وأول مصدر للنفط في العالم.
فأسعار النفط قد تدهورت بأكثر من 60% مما كانت عليه، مما أنتج عجزا في الميزانية وخفضا في التوظيف العقود.
وتقوم حرب اليمن بإنهاك الميزانية السعودية وإفراغها بسرعة مخيفة، ولكن هناك عامل آخر ينبغي على القيادة السعودية التعامل معه، وهو يتمثل في المعارضة الدولية المتنامية للحملة الجوية التي تنفذها في اليمن حيث قتل نحو 6 آلاف يمني في الأشهر الـ12 الأخيرة من الحرب.
وتقول التقارير إن زهاء نصف هذا العدد قتل في الغارات الجوية، رغم أن السعوديين ينفون ذلك.
وفيما لا يعارض إلا تنظيم «الدولة الإسلامية» ومؤيدوه الغارات التي ينفذها السعوديون ضد الجهاديين في سوريا، فإن الحملة الجوية في اليمن تثير جدلا واسعا.
ففي فبراير/شباط الماضي، صوت البرلمان الأوروبي بأغلبية كبيرة لصالح مشروع قانون يفرض بموجبه حظر أوروبي شامل على تصدير السلاح للسعودية، وحمل النواب الأوروبيون الرياض وحملتها الجوية مسؤولية ما وصفته بالوضع الإنساني الكارثي في اليمن.
في الأشهر الـ12 الأخيرة، كانت الولايات المتحدة تمد يد العون للحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن عن طريق تقنيات تزويد الطائرات بالوقود وتزويدها بالمعلومات الاستخبارية التي تحصل عليها الأقمار الاصطناعية الأمريكية، كما باعت الولايات المتحدة وبريطانيا طائرات حربية وصواريخ بالغة الدقة للسعوديين.
وحسب الحملة المناوئة لتجارة السلاح ومقرها لندن، وافقت الحكومة البريطانية على بيع ما قيمتها 4 مليارات دولار من الأسلحة للسعودية منذ انطلاق الغارات الجوية في اليمن في مارس/آذار 2015.
من جانبها، تقول «منظمة العفو الدولية» إن الآلاف من المدنيين اليمنيين قتلوا أو جرحوا في الغارات الجوية السعودية العشوائية والمدمرة، وهناك أدلة قوية تشير إلى أن بيع السعودية المزيد من الأسلحة ليست تفتقر إلى الحكمة فحسب بل إلى الشرعية أيضا.
ولكن السعوديين ينفون ذلك بشدة، مشيرين إلى أن مسلحي «الحوثي» في اليمن هم الذين بدؤوا الحرب عندما احتلوا العاصمة صنعاء وأطاحوا بالحكومة التي تعترف بها «الأمم المتحدة»، وأن «الحوثيين» الذين يساندهم الرئيس اليمني السابق «علي عبدالله صالح»، يرتكبون انتهاكات يوميا ضد المدنيين في اليمن.
لا قائمة أهداف
وقال مراسل «بي بي سي»: «بعد أن آذتهم هذه الانتقادات الدولية، وافق السعوديون على أن أزور مركز عملياتهم الجوية الكائن في قاعدة الملك سلمان في الرياض، حيث يقوم ضباط الاستخبارات السعوديون وحلفاؤهم من الدول العربية الحليفة بانتقاء الأهداف وإصدار الأوامر للأسراب المنتشرة في قواعد في أرجاء البلاد للقيام بغارات جوية».
وفي خلية الاستخبارات والرصد والمراقبة التابعة للمركز، أصر الضباط على أن كل هدف يجري انتقاؤه يدقق ثلاث مرات للتأكد من تطابقه مع القانون الإنساني والدولي وقوانين الحرب، وفي سياق ما يطلقون عليه جهد الحد من الإضرار الجانبية، قالوا لي إنهم في العادة يتجنبون ضرب أي هدف يقع على مسافة 500 متر من أماكن وجود المدنيين، وهو ادعاء قد لا يتفق معه اليمنيون على الأرض.
وقال الضباط السعوديون إن مجال الأمان هذا قد يتقلص في بعض الحالات إلى 200 متر عند استخدام القنابل عالية الدقة الموجهة بأشعة الليزر.
ونفوا أن تكون طائراتهم قد تعمدت استهداف المدنيين أبدا، ولو أنهم اعترفوا بوقوع بعض الأخطاء.
وعلى جدار القاعة علقت خارطة رقمية كبيرة لليمن علمت عليها المواقع باللونين الأخضر والأحمر، قيل لي إن هذه قائمة الأهداف الممنوعة، وهي خارطة لكل المباني والمنشآت المحرم ضربها.
وقال مقدم الجو السعودي «تركي المالكي»: «الصورة التي أمامك تمثل مسرح العمليات».
وبعد تقريب الصورة بحيث ظهرت فيها شوارع صنعاء، قال المقدم «تركي»: «تمكننا هذه الخريطة من تجنب ضرب الأهداف التي لا تماشى مع قوانين الحرب مثل المنشآت الطبية والتاريخية والمدارس والمنشآت الدبلوماسية».
قلت إنه في مثال واحد فقط، اشتكت «منظمة أطباء بلا حدود» بأن مستشفياتها تعرضت للقصف 3 مرات في فترة تقل عن 3 أشهر، فأجاب العميد «عسيري» بأن الجمهور العالمي خدع حول حقيقة الموقف في اليمن.
وقال: «لا تحدث أي حادثة دون أن يحقق بها، وعندما نحقق ننشر نتيجة التحقيق، نتأكد بأن معلوماتنا الاستخبارية صحيحة وواضحة، نأسف لكل إصابة، ولكنها الحرب».
بحاجة إلى وقت
واستطرد مراسل «بي بي سي» قائلا: «عندما أجريت مقابلة مع العميد عسيري قبل سنة واحدة في الرياض عند بداية الحملة الجوية التي تقودها السعودية في اليمن، أحسست بأن القوة النارية الهائلة الموجهة ضد الحوثيين ستجبرهم على الجنوح نحو السلم بفترة قصيرة».
ولكن هذا لم يحدث، رغم أن وفدا «حوثيا» زار الرياض هذا الشهر.
ويقول السعوديون إنهم لن يتساهلوا مع وجود ميليشيات مسلحة على حدودهم، وعلى وجه الخصوص الميليشيات التي تدعمها إيران.
وقال «عسيري» مشيرا إلى أن قوة حلف شمال الأطلسي التي قادتها الولايات المتحدة لم تحرز إلا نجاحا جزئيا رغم مكوثها في أفغانستان لمدة 11 عاما، «نحن بحاجة إلى مزيد من الوقت لنحقق الاستقرار في اليمن».
واختتم التقرير بطرح سؤال حول ما إذا كان للسعوديين المال والصبر الكافيين للمشاركة في تحالفين يحاربان على جبهتين، فيما تواصل حصيلة الضحايا في صفوف المدنيين اليمنيين الارتفاع.