يأتي تجديد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير التأكيد على استمرار خيار التدخل البري السعودي في سوريا لحسم الأزمة في ظل متغيرات عسكرية وسياسية وإقليمية ودولية وتغير في تركيبة التحالفات بالمنطقة، بشكل يعصف بالمصالح السعودية، لدرجة اعتبار مراقبين أن هيمنة إيران وميلشيات شيعية والأكراد على سوريا بدعم روسي خطر كبير يهدد الأمن القومي السعودي والتركي، وتأخر الحسم فيها وتصفية قادة المعارضة السورية المدعومة سعوديا هو ضربة لأمن الرياض، بالتوازي مع ضربات إيرانية أخرى في العراق واليمن.
ما يجعل الأمن القومي السعودي في مواجهة تهديدات متنامية من قبل إيران مدعومة بقوى دولية مزدوجة متمثلة في واشنطن وموسكو، الأمر الذي جعل مراقبون يحذرون من ارتفاع كلفة التردد بشأن التدخل الحاسم في سوريا وانتظار الحليف الأمريكي، فهل يمكن للرياض التحرك مع حلفاء جدد، والبحث عن غطاء من الحليف الأوروبي في ظل تفاقم أزمة اللاجئين المهددة لأمن أوروبا، ولدواعي إنسانية، أو من جامعة الدول العربية وتركيا نفسها باعتبار ضرورات الأمن القومي التركي على الحدود المشتركة مع سوريا؟
ليست المرة الأولى فقد لوح عادل الجبير من قبل بضرورة تنحي الأسد إما بحل سياسي أو بعملية عسكرية، وبأن هناك خطة باء في سوريا في حال فشلت المفاوضات وقد فشلت بالفعل، فيما ينتظر مراقبون ساعة الصفر التي تواجه عدة عراقيل، أهمها أن التدخل بدون غطاء أمريكي دولي يجعل القوات السعودية التركية في مواجهة مباشرة مع روسيا وإيران وميلشياتهم، وقد تعتبره حكومة الأسد بمثابة عدوان ضدها وتهاجمها بصفتها قوات معادية حينها ستكون في مرمى النيران الروسية والحرب البرية للميلشيات، كما أن تدخل حلف الناتو بجانب تركيا هو أيضا رهن الإرادة الأمريكية العضو بحلف الناتو، بحسب مراقبين.
الجديد أيضا ما رصده الدكتور سالم المنهالي -أستاذ العلاقات الدولية والإعلام بالإمارات- عبر صفحته الرسمية بموقع "تويتر" من أن "السعودية تريد دخول سوريا ولا تريد التورط وحدها ليكون الأمر حاسم بمشاركة الجميع إلا أن شروط عيال دحلان والسيسي -رئيس النظام المصري- تعيق ذلك وتعقد المشهد." بحسب قوله.
التدخل الدولي البري عامل الحسم
قال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إن "التدخل الدولي البري هو الذي سيحسم الوضع في سوريا"، مشيرًا إلى أن بلاده كانت من أوائل الدول التي طالبت وستستمر في المطالبة بذلك.
جاء ذلك في مؤتمر صحفي مشترك مع أمين عام مجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني، في جدة، بالسعودية، عقب "القمة الخليجية التشاروية" والتي بحث خلالها قادة دول الخليج، الوضع في كل من سورية واليمن.
وردا على سؤال عما إذا كانت هناك فرصة ما تزال قائمة لتدخل بري في سوريا ضمن تحالف دولي مع تفاقم الأزمة الإنسانية هناك، قال الجبير: "الموضوع (التدخل البري)، قائم في أي وقت ولكن يحتاج إلى قرار دولي، المملكة كانت تقول إنه يجب أن يكون هناك تدخل دولي مباشر لإنهاء ما يجري في سوريا، ونقول ذلك على مدى سنوات".
وعن موقف بلاده حول إرسال قوات برية إلى سوريا قال الجبير، إنه "بالنسبة لاستعداد المملكة لإرسال قوات خاصة ضمن تحالف دولي لمواجهة داعش في سوريا، السعودية أعربت عن استعدادها للقيام بذلك العام الماضي، على شرط أن يكون تحالفًا دوليًا لمواجهة داعش وأن يكون هذا التحالف بقيادة الولايات المتحدة ونحن لا نزال على هذا الموقف".
البحث عن غطاء شرعي للتدخل؟
برغم مخالفة أمريكا وروسيا وإيران لقرارات الأمم المتحدة في سوريا إلا أن ذلك لا يكفي لتدخل سعودي بشكل منفرد أو بتحالف مع آخرين، لأن أي قرار من مجلس الأمن يشترط موافقة واشنطن وموسكو دائمة العضوية
في 2 مايو 2016 قال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، "إنه في حال لم يتم حل القضية السورية من خلال العملية السياسية، سيتم عبر السلاح"، وذلك بعد اجتماعه مع نظيره الأمريكي، "جون كيري"، ومبعوث الأمم المتحدة لسورية في جنيف، لبحث تصاعد أعمال العنف والقصف في مدينة حلب.
يرى مراقبون أن الدوافع التركية الرئيسية المتمثلة في توقيف الأكراد، والسعودية المتمثلة في إيقاف التمدد الإيراني وحلفائه في سوريا، هي التي تقف وراء قرار خوض السعودية حربًا تخشى أن تتحمل عواقبها وحدها، لذا اشترك السعوديون والأتراك في تحمل عبء إطلاق مثل هذه الحرب التي ربما تكون تكلفاتها باهظة للغاية بالنظر إلى وجود قوة كروسيا بجوار نظام الأسد، وحتى الآن لم تستطع السعودية أن تأخذ قرار الحرب منفردة، حيث تدفع في اتجاه شراكة تركية قطرية بالإضافة إلى تشكيل تحالف عربي إسلامي عسكري، ولكن الحليف الأمريكي لم يعط أي ضوء أخضر لهذا التدخل السعودي.
تأمين غطاء جوي
تحاول السعودية -بحسب محللين- تأمين غطاء جوي لحملتها العسكرية في سوريا إما عن طريق مظلة التحالف الدولي ضد داعش وفي هذه الصورة يتوجب عليها أخذ الموافقة الأمريكية الكاملة، كما حاولت السعودية التدخل بغطاء من الناتو، وذلك بعد سفر ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى مقر الناتو في بروكسل، ليجري العديد من الاجتماعات الثنائية مع وزراء دفاع الحلف، أبرزها مع وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، ونظيرَيه البريطاني والألماني لعرض خطة السعودية للتدخل البري.
تأتي تصريحات الجبير بالتزامن مع بدء مناورات نسر الاناضول الدولية، في محافظة قونيا التركية، و تشارك في المناورات عناصر عسكرية من تركيا و بعض دول حلف الناتو الأخرى من بينها إيطاليا و هولندا فضلاً عن المملكة العربية السعودية.
ضد الابتزاز الأمريكي
برغم صعوبة تدخل الرياض منفردة أو بتحالف مع تركيا، إلا أن التهديد بالتدخل بذاته مهما فقد كشف الكاتب علي حسين باكير -باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية- في 30 أبريل، في مقال "الفرصة الأخيرة لتركيا والسعودية في سوريا" أن على تركيا والسعودية أن تتصرّفا في الفرصة الأخيرة المتاحة لهما الآن وأن تقلبا الطاولة على الجميع إن لزم الأمر. صحيح أنّ الولايات المتّحدة تحاول ابتزاز الطرفين بأوراق لا تزال تمتلكها، لكنّه ليس مسوّغاً أيضاً للاعتماد على الأمريكيين. الأمريكيون لا يعتمد عليهم، ووعودهم أوهام."
خطوات غير تقليدية
لأجل كل ذلك برأيه، هناك نافذة سانحة الآن للقيام بعمل ما أو حتى مجرّد التلويح بقلب الطاولة على الجميع، وهو أمر بالتأكيد لا تريده واشنطن ولا موسكو ولا طهران، ولكنهم مرتاحين إلى أنّ أحداً لن يلّوح بأي شيء، ولذلك لا بد من إخراجهم من دائرة الإطمئنان هذه، ولا بد من تجاوز الأمريكي كلّياً وليس جزئياً كما حصل في الأشهر الأخيرة في بعض الأمور. هناك حاجة لخطوات غير تقليدية على الإطلاق، إن لم يحصل ذلك الآن فليس على هذه الدول إلاّ أن تلوم نفسها فيما بعد لما ستجنيه من دمار سوريا.
المعارضة بلا ظهير
مر شهر كامل على تصريحات الجبير ساءت خلالها الأوضاع إلى حد لم يعد محتمل، وبخاصة ملف تصفية قادة المعارضة السورية، فقد أعلن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أمس الثلاثاء، من أن طائرات مجهولة قصفت معسكراً رئيساً لجماعة «أحرار الشام» الإسلامية المعارضة في محافظة إدلب، شمال غربي سوريا، ما أسفر عن سقوط عدد كبير من القتلى والمصابين.وأضاف المرصد أن مدربين كباراً من قيادات «أحرار الشام» كانوا في المعسكر الذي يقع في منطقة شيخ بحار في ريف إدلب.ولم يتسن الوصول إلى الجماعة للتعليق.
كذلك كشف قادة عسكريون في المعارضة السورية، أمس الثلاثاء إن التحالف الدولي بقيادة واشنطن ترك فصائل المعارضة وحيدة في مواجهة تنظيم الدولة، مشيرين إلى وجود "مؤامرة" دولية لإنهاء المعارضة في ريف حلب الشمالي، وتسليم مواقعها لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي، بهدف إظهارها كقوة شرعية وحيدة تحارب تنظيم الدولة، على حد تعبيرهم، بحسب "الأناضول".
واتهم رفيق زعموط، قائد "جيش الشمال"، الثلاثاء، أمريكا وروسيا ودول الغرب بـ"التآمر" على المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي، والعمل على تصفيتها، حتى يتفرد "حزب الاتحاد الديمقراطي" وجناحه العسكري "وحدات الحماية الشعبية" بالمنطقة، وتظهر كما لو أنها الجهة الوحيدة القادرة والمؤهلة لمحاربة تنظيم الدولة.
شؤون خليجية-