أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في وقت سابق من الشهر الجاري، عزمه طرح “خارطة طريق” لحل النزاع في هذا البلد، وُصفت بـ”بيع الوهم”.
وبدلا من أن تهدأ الأوضاع على الأرض اليمنية، عقب الإعلان عن الخارطة الأممية، اشتدت المعارك بشكل لافت على عدد من الجبهات.
التناقض بين المساعي السياسية الأممية للحل والأوضاع على الأرض في اليمن، حدا بخبير سياسي يمني إلى اعتبار “خارطة الطريق”، التي يعتزم ولد الشيح طرحها، “بيعا للوهم” إلى اليمنيين، ورأى أنه لا يمكن حل الأزمة السياسية في اليمن قبل نزع فتيل الحرب المتصاعدة في الميدان.
وقال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، خالد عبدالهادي، إن “الحديث عن خارطة سياسية في الوقت الذي احتدمت الحرب في سائر الجبهات، هو وضع للعربة قبل الحصان، وقفز على مهمة وقف المعارك، التي بدون تحقيقها يغدو الحديث عن خارطة لتسوية سياسية تبشيراً محضاً يقترب من بيع الوهم”.
ورأى عبدالهادي أن إطفاء نيران الحرب، التي التهمت أرواح 6 آلاف و444 يمنيا، وشردت 2.8 مليون نسمة، وفقا لآخر إحصائيات أممية، ينبغي أن يكون “أولوية” للأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى اليمن الذي يرعى مشاورات سلام منذ أكثر من شهرين، لم تحقق أي اختراق في جدار الأزمة، وتوصف بـ”العقيمة”.
ومنتصف ليل العاشر من أبريل/نيسان الفائت، أعلنت الأمم المتحدة عن هدنة إنسانية هي الرابعة في عمر الحرب المتصاعدة منذ 26 مارس/آذار 2015، وعلى الرغم من تماسك قرار وقف إطلاق النار أكثر من أي وقت مضى ونجاحه في الحد من الاقتتال وخصوصا في أسابيعه الأولى، إلا أن الأيام الأخيرة شهدت ترنحا للهدنة؛ ما جعل البعض يعتقد بأن الحرب عادت كما كانت في أيامها الأولى.
وأخفقت لجان التهدئة التي شكلتها الأمم المتحدة، لمراقبة وقف إطلاق النار داخل ست محافظات يمنية ملتهبة هي (تعز، والبيضاء وشبوة “جنوب غرب”، والجوف وحجة “شمال غرب”، ومأرب “وسط غرب”)، في القيام بمهامها على أكمل وجه، رغم احتوائها على أعضاء عسكريين من طرفي الصراع بالتساوي.
وحول ذلك، قال أحد الضباط الموالين لحكومة الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، إن “اللجان المحلية للتهدئة لا يمكنها عمل شيء وسط تصاعد المعارك؛ فالأمر لا يتوقف عند تبادل لإطلاق الرصاص من كلاشينكوفات فحسب، بل هناك صواريخ باليستية تطلق على مواقع الجيش الوطني في الجوف ومأرب، وهناك دبابات يتم حشدها يوميا”.
الضابط، الذي ينتمي للمنطقة العسكرية الرابعة في تعز، أضاف مشترطا عدم الافصاح عن هويته: “المدافع وصواريخ الكاتيوشا لم تتوقف، وشهية السيطرة لدى طرف الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح لم يتم كبحها. هناك قتلى وجرحى يسقطون يوميا، وهناك تعزيزات عسكرية ضخمة تصلهم، وكأننا في الأشهر الأولى للحرب”.
وكان التطور الأبرز خلال الأيام الماضية، توسع الحوثيين وقوات صالح مجددا نحو مدن جنوب البلاد التي تم إخراجهم منها في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2015؛ حيث أعلنوا السيطرة على أحد السلاسل الجبلية الاستراتيجية المطلة على قاعدة “العند” العسكرية في محافظة لحج، جنوبي البلاد، عشية تقديم المبعوث الأممي احاطته لمجلس الأمن الدولي، الثلاثاء، بمناسبة مرور شهرين على مشاورات الكويت.
واستهجن المبعوث الأممي ذلك التوسع، واعتبر السيطرة على “جبل جالس”، الذي يبعد نحو 4 كيلومترات عن القاعدة العسكرية الهامة، “تصعيداً يهدد المشاورات برمتها”، لكن الأمر لم يتغير عن الأرض، بل تتواصل المعارك حتى وقت متأخر من مساء أمس الأول الخميس.
وأعاد توسع الحوثيين جنوبا غارات التحالف العربي، الذي تقوده السعودية، إلى بلدة “القبيطة”، التي يقع الجبل في نطاقها الجغرافي بمحافظة لحج، تماما كما حدث لقاعدة “العمالقة” العسكرية في محافظة عمران، شمال صنعاء، والتي سيطر عليها الحوثيين مطلع مايو/أيار الماضي، وتعرضت بعدها لنحو 50 غارة جوية، طبقا لسكان محليين.
المحلل السياسي اليمني، خالد عبدالهادي، انتقد سعي المبعوث الأممي إلى طرح “خارطة” طريق لتسوية الأزمة في ظل استمرار القتال على الأرض.
وقال “قبل وقف الحرب وتصفية تبعات انقلاب 21 سبتمبر (أيلول) 2014 (تاريخ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء)، فإن أي خطة لتسوية سياسية ستظل معلقة في الهواء لافتقارها إلى أرضية واقعية تعمل عليها”.
وأضاف “المشكلة الكبرى هي الحرب الناتجة عن اتساع شهية من استقووا بالسلاح على السياسة إلى مزيد من السيطرة والغلبة؛ لذلك حتى لو صاغت مفاوضات الكويت خارطة سياسية قبل حل هذه المشكلة الكبرى فلن يختلف مصير الخارطة عن الاتفاقات السابقة التي صاغها فريق أممي بين 2012 و2014 وسقطت ضحية للقوة المسلحة”.
وجاء طرح “الخارطة الأممية” بعد جولات من المشاورات المباشرة وغير المباشرة قضاها المبعوث الأممي طيلة أكثر 60 يوما مع طرفي الأزمة اليمنية (الوفد الحكومي والوفد المشترك للحوثيين وحزب صالح)، انتهت دون تحقيق أي اختراق جوهري وخصوصا في الملف الأمني، فلجأ إلى الحل السياسي.
وشبّه عبد الهادي ما يحدث بـ”جلوس الفريق الأممي الوسيط إلى مائدة تحوي وجبات عسيرة الهضم فأخذ ينتقي منها ما يستطيع هضمه”.
وعلى الرغم من احتواء “الخارطة الأممية” على مكاسب كبيرة للحوثيين وقوات صالح، بمطالبتها بتشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع، إلا أن تحشيد الحوثيين للمعارك ما زال كما هو.
وجدد زعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي، مساء أول أمس الخميس، في كلمة متلفزة نقلتها قناة “المسيرة” التابعة للجماعة، دعوته لـ”الشباب” المناصرين له التوجه لجبهات القتال، وقال إنهم مستعدون للحرب وللسلام في نفس الوقت.
وبعد 5 أيام من إعلانه عنها، لم يقدم المبعوث الأممي، ولد الشيخ، النص المكتوب من “خارطة الطريق” إلى الأطراف اليمنية المتواجدة في الكويت، مع دخول المشاورات، اليوم السبت، يومها الـ66.
وتتضمن الخارطة، وفقا لولد الشيخ، “تصوراً عملياً لإنهاء النزاع وعودة اليمن إلى مسار سياسي سلمي”، منوها، في بيان، إلى أن هذا التصور يتطرق إلى “إجراء الترتيبات الأمنية التي ينص عليها القرار الأممي 2216 وتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على إعادة تأمين الخدمات الأساسية وإنعاش الاقتصاد اليمني”.
شؤون خليجية-