مرة أخرى يعود «ضاحي خلفان» قائد شرطة دبي السابق ومستشار حاكم أبوظبي إلى التصريحات المثيرة للجدل. حيث شكك «خلفان» في عروبة شمال اليمن وأكد أن العرب هم في اليمن الجنوبي فقط وأن بلاده، الإمارات، قد صنعت معروفا في غير أهله عندما قدمت المساعدة لشمال اليمن.
وأضاف« خلفان» في تغريداته على موقع تويتر بأنه يعتقد بأن تقسيم اليمن إلى شمالي وجنوبي هو أفضل من بقاء اليمن موحدا في ظل ما أسماه «الحرب الأهلية».
لا تعد تصريحات «خلفان» حول تقسيم اليمن سابقة من نوعها فقد تحدث في أوقات سابقة وقبل شهرين تقريبا عن هذه الأفكار. واتهم سكان اليمن الشمالي بأنهم ليسوا عربا، زاعما أنهم يرجعون لأصول تركية وفارسية. وقد لاقت تصريحاته هذه في ذلك الوقت استنكارا من كثير من اليمنيين خاصة في الشمال إلا أنها لاقت رواجا لدى دعاة الانفصال في الجنوب.
لا تعتبر تصريحات «ضاحي خلفان» ضربا من الهذيان كما يحلو لبعض المتابعين الذين يتناقلون تغريداته على سبيل التندر، إذ يعتقد أن تغريدات «خلفان» تنسجم مع توجهات السياسة الخارجية للإمارات وتهدف في بعض الأحيان إلى التمهيد للقرارات التي تنوي اتخاذها أبو ظبي. وفي هذا السياق فقد تناول «خلفان» موضوع الشمال والجنوب من خلال المقارنة بين عدن وصنعاء، حين قال في تغريدة «من يقارن عدن بصنعاء كمن يقارن ملكة جمال بعجوز شمطاء».
هذه التغريدات تدعو للتأمل في الأسباب والفوائد الحقيقية وراء دعوة أو رغبة الإمارات في انفصال الجنوب عن الشمال، ولعل أحد أهم الأسباب يكمن في الموقع المهم لليمن وتحديدا ميناء عدن وإطلالته على مضيق باب المندب، أحد أهم ممرات التجارة الدولية، إضافة إلى وجود النفط في المناطق الجنوبية. وإذا قامت الإمارات بدعم فكرة الانفصال فإن إمكانية سيطرتها على الجنوب ستكون أسهل بكل تأكيد بالنظر للتواجد العسكري والأمني المتزايد للإمارات على خلفية العمليات العسكرية في محافظات الجنوب التي تتخذ من شعار محاربة «القاعدة» ستارا لها. (طالع المزيد)
ومن جهة أخرى فإن سببا آخر يكمن في منع الوصول إلى يمن تحت حكم حزب الإصلاح الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين في اليمن. والذين تعتبرهم أبوظبي عدوها الأول والخطر الأساسي على وجودها، ولهم وجود قوي وأنصار بين القبائل في شمال اليمن.
لا يقتصر الدور الإماراتي فيما يبدو على دعم فكرة الانفصال، فحسب بل إن هناك اجتماعات نظمتها أبوظبي لمسؤولين في الحراك الجنوبي كما أن مسؤولين جنوبيين موالين للإمارات قاموا بتنظيم حملات لترحيل الآلاف من الشماليين قسرا من مناطق الجنوب دون أي تهم. وبالإضافة إلى حرب الإمارات على رموز إسلامية سلفية في الجنوب اليمني، فإن هناك خطوات عملية أخرى تم توثيقها منها على سبيل المثال اتفاقيات رسمية مثل اتفاقية التعاون المشترك بين حكومة دولة الإمارات وحكومة اليمن في مجال الكهرباء والطاقة للعاصمة المؤقتة عدن والتي تم توقيعها مطلع الشهر الماضي في أبوظبي.
أما فيما يتعلق بالموقف السعودي من الانفصال، فإن الموقف المعلن والمتعلق بالأمن القومي السعودي الذي يعتبر اليمن حديقته الخلفية هو رفض انفصال الجنوب ولكن لا يعرف في حقيقة الأمر إذا ما كان هناك تفاهمات معينة قد تجري بين السعودية والإمارات في هذا الخصوص. خاصة أن هناك مقاربات ترى أن السعودية قد تكون جهزت نفسها لسيناريو التقسيم في حال فشلت في استعادة كامل اليمن، كما أن الإمارات قامت بإقناع السعودية باقتصار عمليات أبوظبي على الجنوب وهذا يفسر قرار أبوظبي إنهاء عملياتها بعد السيطرة النسبية على الجنوب والبدء في التحضير لتحرير العاصمة، وهي المعركة التي يتوقع مراقبون ومراكز استخبارية مثل «ستراتفور» أن تتجنب الإمارات التورط فيها. (طالع المزيد)
وقد جاء قرار أبوظبي، الذي أعلنت تراجعها عنه فيما بعد، إنهاء عملياتها في توقيت قريب من إقالة بعض المسؤولين اليمنيين المحسوبين على الإمارات مثل «خالد بحاح» وتعيين «علي محسن الأحمر» بدلا منه في منصب نائب الرئيس اليمني، لكنّ هذا لم يمنع أبوظبي من الاستمرار في تعزيز تواجدها وقواتها في عدن وبعض مناطق الجنوب الأخرى.
بشكل عام، التفاوت في الاهتمامات والأولويات الاستراتيجية للبلدين كذا الفصائل التي يبدو كل منهما تراهن عليها يبدو حقيقيا وغير مصطنع إلا أن البلدين قادران على استيعاب تلك الخلافات والمضي قدما في ظل تعاظم التحديات المشتركة التي تواجه البلدان الخليجية بشكل عام خاصة على المستوى الاستراتيجي والأمني.
أسامة محمد - الخليج الجديد-