لن تشغلنا الأحداث المؤلمة التي حدثت في المدينة المنورة وجدة والقطيف، وصواريخ الحوثي وصالح على جنوب المملكة السعودية، ومحاولة الانقلاب العسكري في تركيا مطلع الأسبوع، والتي ندينها وندين من هم خلفها ونطالب بالقصاص منهم بلا رحمة، أعني لن تشغلنا تلك الأحداث عن اليمن، وما يدور على ثراه من حروب وأعمال إرهابية لصالح قوى الشر والبغاة.
* * *
خطابي اليوم موجه إلى قيادة دول التحالف العربي، وإلى شركائها الفاعلين فيه. انطلاقا من الحرص على أنظمتنا السياسية وعلى أمن هذه المنطقة المهمة من العالم وسلامتها واستقرارها، استأذنكم في التذكير بمواقف مضت ولا أريد نكء الجراح على ما فعلنا بالعراق، أبتدئ من الربع الرابع من عام 1990، كان في وسعنا إنقاذ الموقف بأقل التكاليف، قبل أن يستفحل الخطب، لكن رحنا نعوّل على قوى من خارج دائرتنا الحضارية العربية الإسلامية، وما زادتنا إلا خسارة.
وأصبحنا اليوم نعض أصابعنا ندما على ما قدمنا. وماذا عن سوريا الحبيبة؟
كان باستطاعتنا، نحن العرب، أن نحسم الموقف في سوريا لصالح قوى الشعب السوري في الأسابيع الأولى من ثورة الربيع العربي في سوريا 2011، ولكن، تباطأنا وعوّلنا على قوى أجنبية مرة أخرى، وحاق بسوريا ما نشهده اليوم، فلا قوتنا فعّلت لصالح الشعب السوري وإنقاذه مما هو فيه اليوم، ولا حلفاؤنا الذين راهنا عليهم لمساندة القوى الوطنية السورية لإنقاذ سوريا من التهلكة فعلوا. إن الفرصة لتصحيح المسار في كل من سوريا والعراق ما برحت مواتية.
فهل من نيات لاستخدام تلك اللحظة؟
* * *
استرسالا، سيضيع اليمن من أيدينا لصالح البغاة وحلفائهم الفرس، إذا لم نشد العزم، وننصر الحكومة الشرعية التي طلبت من المملكة العربية السعودية وشركائها في دول مجلس التعاون الخليجي، نصرتها لاستعادة شرعيتها التي اختطفها تحالف الانقلابيين صالح والحوثي. طلب النظام السوري من إيران مساعدته في إخماد ثورة الشعب السوري، فاستجابت وأرسلت كل حشودها العسكرية البرية والميليشيات الطائفية، ولم يمارس أي ضغط دولي أو إقليمي على النظام السوري بالتسليم بمطالب الشعب.
ولم تمارس الضغوط على إيران لمنعها من تدمير الشعب السوري ومدنه وقراه وموارد رزقه وتشتيته في آفاق الأرض، وكذلك الحال مع روسيا. انطلاقا من هاتين السابقتين علينا أن نرمي بكل ثقلنا، ولا نقبل ممارسة أي ضغوط من أي طرف كان على الحكومة الشرعية لإعطاء تنازلات، أيا كان شكلها، للبغاة الذين لم يفوا بأي اتفاق أو عهد عاهدوه مع أي طرف، وليس آخرها اتفاق السعودية معهم، بعدم ضرب المدن السعودية المجاورة بالصواريخ.
أعلم علم اليقين أن ضغوطا أمريكية وغير أمريكية على السلطة الشرعية اليمنية بإعطاء تنازلات لصالح "تحالف الانقلابيين" بذريعة "أنتم سلطة وهم عصابة.. لنا دالة عليكم معشر السلطة، ولا دالة لنا على الميليشيات"، هذا كلام غير مقبول سياسيا وقانونيا.
والذين يدفعون القيادة اليمنية للقبول بالتفاوض والتسامح مع من اغتصب سلطتها، التي هي سلطة الشعب اليمني الذي ارتضاها، يتغافلون عن إقرارات دولية، فرضت بموجبها عقوبات تحت الفصل السابع من الميثاق (قرار مجلس الأمن 2266 عام 2014) على الحوثي وصالح واتباعهما.
معنى ذلك أنه لا يجوز لأي طرف كان التعامل مع من فرضت عليه عقوبات دولية تحت الفصل السابع، قبل إزالة أسباب فرضها. ومعنى الفصل السابع إعلان حرب أممي على من فرضت عليه عقوبات، بموجب هذا الفصل من الميثاق، ما لم ينصع لتنفيذ ما أُمر بتنفيذه. في هذه الحالة، لا يجوز قانونيا التعامل مع (تحالف الانقلاب) على قدم المساواة مع الحكومة الشرعية.
* * *
إن قبولكم الضغوط على الحكومة اليمنية لقبول ما يفرضه "تحالف الانقلابيين" وما تفرضه الدول الغربية، يجعلكم تقبلون بالمحاصصة السياسية، وهذه كارثة أخرى تصب في غير صالح دول التحالف العربي، ولبنان والعراق مثالان حيان أمامكم، وقبولكم حزبا مسلحا يكون شريكا في السلطة الحاكمة في اليمن ستندمون عليه في مقبل الأيام، ونموذج لبنان ماثل بين أيديكم، لم يستطيع الشعب اللبناني اختيار رئيس للبلاد لأكثر من عامين، ولم يستطيع حل مشكلة "الزبالة" التي تزكم أنوف الشعب اللبناني لأن الحزب المسلح يفرض إرادته.
ولتعلموا أن الدول الغربية المشاركة في حوار الكويت، أو على مقربة منه، لا تريد بنا، نحن الأمة العربية، خيرا. إنهم يريدون تهدئة الأزمات وليس حلها جذريا، كما هي مسألة الحدود التي ما انفكت قائمة، تستدعى، من وقت لآخر، لإرباك حياتنا ومستقبل أجيالنا.
أرجوكم، قادتنا الميامين، لا تثقوا في تعهدات ولا وعود الوسيط الدولي ولد الشيخ أحمد، فهو موظف في نهاية المطاف، مطيع منفذ لتعليمات مندوبي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. ما يفعله اليوم في الكويت هو إعماء الأبصار عما يجري في حضرموت، حتى التمكين، والاندفاع الأمريكي ومن معهم لفرض إرادة غير إرادة الشرعية هناك، بذرائع مختلفة وزرع بذور الفتنة هناك، حتى تكون شوكة أخرى في خاصرة المملكة العربية السعودية تحرك عند الحاجة. انتبهوا، فإني لكم من الناصحين.
آخر القول: أتمنى على قيادة التحالف إلا تساوم ولا تهادن البغاة، ولا تقبل بممارسة أي ضغوط على السلطة الشرعية اليمنية التي استنجدت بكم، أغيثوها وشدوا من أزرها بكل الوسائل، كما تفعل إيران وروسيا في العراق وسوريا. الأيام المقبلة حبلى فاحسموا أمركم في اليمن، قبل أن تضع الأيام المقبلة حملها، فنكون جميعا من النادمين.
د. محمد صالح المسفر- الشرق القطرية-