ألقي تقرير نشرته مجلة «بوليتيكو» الأمريكية الضوء على ما قال إنه «تستر أمريكا على انتهاكات السعودية في اليمن»، مشيرا لوقوع انتهاكات بفعل قصف قوات التحالف العربي، طالت المدنيين اليمنيين والأطفال، واضطرار الأمم المتحدة للتراجع بعد تهديد السعودية بوقف دعمها المالي للمنظمة، وتغاضى واشنطن أيضا.
ونقل التقرير عن أحد الدبلوماسيين الغربيين مقارنته بين ما كانت الولايات المتحدة و(إسرائيل) تفعلانه بالضغط على «بان كي مون» لإزالة اتهام (إسرائيل) بشن هجمات قاتلة بأسلحة محرمة، وقتل أطفال (فلسطينيين)، وبين التعامل الحالي بالتغطية على هجمات السعودية في اليمن.
وأشارت المجلة إلى ابتلاع الأمين العام للأمم المتحدة للحصى، والصمت على الانتهاكات السعودية في اليمن بحق الأطفال، وحذف الأمم المتحد، للسعودية والتحالف العربي في اليمن بقيادة المملكة من القائمة السوداء في تقريرها السنوي عن الأطفال والصراع المسلح الذي يغطي عام 2015.
وقالت إن دولا حليفة للسعودية، منها الولايات المتحدة ضغطت بقوة على الأمين العام للأمم المتحدة «بان كي مون» بعد إدراج التحالف العربي على القائمة السوداء الأممية، خاصة بعد تهديد الرياض بوقف مساعداتها ووقف تمويل برامج تابعة للمنظمة الدولية.
وانتقدت المجلة ضمنا الصمت الأمريكي على ما وصفته بانتهاكات السعودية في اليمن، مشيره لتراجع واشنطن أيضا عن اتهام السعودية بالتورط في هجمات 11 سبتمبر/أيلول بعد نشر تقرير ينفي ذلك عقب أنباء عن دفع سفير السعودية السابق «بندر ابن عبد العزيز» المال لزوجة أحد المشتبه بهم في الهجمات.
وندد الأمين العام للأمم المتحدة «بان كي مون» بالضغوط غير المبررة التي مارستها الرياض لإرغام المنظمة على سحب اسم التحالف العسكري الذي تقوده الرياض في اليمن من اللائحة السوداء للدول التي تنتهك حقوق الأطفال، الأمر الذي نفته الرياض.
ونفت السعودية أن تكون هددت بقطع التمويل عن عدد من برامج الأمم المتحدة للضغط على المنظمة الدولية لشطب التحالف العسكري الذي تقوده في القتال في اليمن من اللائحة السوداء للدول والمنظمات التي تنتهك حقوق الأطفال، وصرح السفير السعودي في الأمم المتحدة «عبد الله المعلمي» للصحفيين «لم نستخدم التهديدات أو المضايقات ولم نتحدث عن التمويل».
الأمريكيون شركاء
وأشارت المجلة الأمريكية إلى الدور الأمريكي في الحرب السعودية على اليمن وتورّطها في جرائم الحرب التي يرتكبها التحالف العربي في هذا البلد مثل قصف أسواق وقتل مدنيين، وأنه رغم عدم مشاركة الولايات المتحدة في القتال باليمن مباشرةً، إلا أنها تؤدي أدواراً مهمة لا يمكن التحالف الاستغناء عنها.
أحد هذه الأدوار هي تقديم السلاح للسعودية، وتعيين الأميركيين 45 عسكرياً لتنسيق المشاركة العسكرية في الحملة مع جنود من السعودية والإمارات والبحرين. ورغم نفي الأمريكيين علمهم أو مشاركتهم في تحديد أهداف طائرات «التحالف»، إلا أنها تزودها بالوقود من الجو، وتوفر الدعم اللوجستي، وهو ما لا يعفي واشنطن من المسؤولية، وفقا للمجلة.
وانتقد التقرير استخدام السعوديين ثروتهم النفطية كسلاح في الضغط على الأمم المتحدة وواشنطن، وصمت الجميع عما أسماه «البلطجة السعودية»"، وبحسب وصف «فيليب بولوبيون» نائب مدير لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة السابق، فإن: «هذا الكيل الصارخ بمكيالين يقوض بشدة جهود الولايات المتحدة للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان سواء في سوريا أو في أي مكان آخر في العالم».
إضعاف واشنطن أخلاقيا
ويقول التقرير إن «دعم الولايات المتحدة للسعودية في اليمن، أضعف واشنطن أخلاقيا في الأمم المتحدة، وسمح لروسيا وغيرها من البلدان بوصف دعوة الأميركيين لعدم"تسييس وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا بينما تدعم هي ائتلاف يقتل أبرياء، بأنه نوع من النفاق».
وقال إن هذا أثر أيضا في تقليل استعداد الأمم المتحدة لانتقاد الانتهاكات الروسية في سوريا خاصة استخدام موسكو للذخائر العنقودية.
ونوهت المجلة لأثر أخر من أثار هذا التغاضي الأمريكي عن الانتهاكات السعودية تمثل في إسهام هذه الحرب بازدهار تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، بعد توسعه وسيطرته على أراض واسعة في الجنوب، مستغلاً الفراغ الأمني، وأن انشغال التحالف السعودي بمحاربة الحوثيين، سهل لعناصر التنظيم التوسع في المدن الساحلية.
1037 حالة وفاة بين المدنيين
ونوه التقرير أيضا إلى منع الرياض دخول الصحفيين الأجانب الي اليمن لكشف الحقائق، كما استعرض تجارب بعض الصحفيين للقيام برحلات خطيرة في عرض البحر إلى اليمن.
أحد هؤلاء هو المراسل، «ماتيو ايكينز» ، الذي نجح في خرق الحصار ودخول اليمن من جيبوتي، وتوثيق عدد من الهجمات الجوية.وزعمت المجلة أن سفير الرياض لدى الأمم المتحدة، «عبد الله المعلمي»، اعترف للمرة الأولى،لـ«إيكينز»، أن قوات التحالف قصفت مستشفى (أطباء بلا حدود) في شمال اليمن، ولكنه زعم أن أطباء بلا حدود لم يقوموا بتوفير الإحداثيات الصحيحة لأماكن تواجدهم لتفادي قصفهم. ولكنه نفي استخدام الذخائر العنقودية من قبل قوات التحالف.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش، 6 مايو/أيار الماضي، إن السعودية استخدمت قنابل عنقودية أمريكية الصنع قرب مناطق مأهولة بالمدنيين في اليمن مخلفة وراءها قنابل صغيرة غير منفجرة، وطالبت الولايات المتحدة بالكف عن إنتاج ونقل القنابل العنقودية، التزاما بالحظر الدولي على هذه الأسلحة الذي يحظى بقبول واسع.
ووثقت هيومن رايتس ووتش الخسائر في صفوف المدنيين اليمنيين جراء استعمال التحالف بقيادة السعودية 4 أنواع من القنابل العنقودية أمريكية الصنع التي أُطلقت عن طريق القصف الجوي والبري، ومنها القنابل «سي بي يو-105» المزودة بنظام استشعاري، في 6 غارات جوية على الأقل استهدفت محافظات عمران والحديدة وصعدة وصنعاء.
كما سجلت بعثة الأمم المتحدة 1037 حالة وفاة بين المدنيين منذ بدء التدخل السعودي في اليمن.
نقطة مضيئة
لكن التقرير يشير لما أسماها «نقطة مضيئة» تمثلت في تعهد الحكومة السعودية 18 أبريل/نيسان الماضي بدفع 274 مليون دولار للأمم المتحدة بعد النداء العاجل لليمن، رغم إطالة المفاوضات.
كما أشارت «بوليتيكو» للقاءات ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» ووزير الخارجية «عادل الجبير» مع «بان كي مون» لإنهاء أزمة تقرير الأمم المتحدة.
والتقى ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، أمين عام الأمم المتحدة «بان كي مون» يونيو/حزيران الماضي، بعد أن أثارت المنظمة الدولية حفيظة الرياض بإدراج التحالف الذي تقوده السعودية لفترة وجيزة على قائمة انتهاكات في اليمن.
كما التقي «مون» مع وزير الخارجية السعودي، «عادل الجبير»، الذي أشاد بقرار الأمم المتحدة القاضي بحذف اسم دول التحالف من القائمة المرفقة بتقرير الأمين العام للأمم المتحدة بشأن الأطفال والنزاعات العسكرية، وذلك في ضوء عدم استناد التقرير إلى معلومات دقيقة وموثوقة بشأن جهود التحالف.
مجلة «بوليتيكو» الأمريكية-