من المفترض أن تكون عملية البحث عن حل لإنهاء الحرب في اليمن قد انتهت مع الاقتراح المتوازن الذي طرحه المبعوث الخاص للأمم المتحدة للأزمة اليمنية. ولكن للأسف، في حين قبلت الحكومة الشرعية للرئيس «عبد ربه منصور هادي» في اليمن الاقتراح، فقد رفضه المتمردون الحوثيون والرئيس السابق «علي عبد الله صالح» على الفور.
وذكر الاقتراح أن على المتمردين الانسحاب من العاصمة صنعاء، قبل أن ينخرطوا في محادثات خلال مدة 45 يوما بعد الانسحاب. كما أن الخطة تتطلب تسليم المتمردين لأسلحتهم الثقيلة.
وقبيل الإعلان عن اقتراح السلام، عقد الحوثيون مؤتمرا صحفيا تم خلاله الإعلان مجلس الرئاسة المشترك لحكم البلاد. ولذا فإن افتراض أن اقتراح الأمم المتحدة جاء كرد فعل على مجلس الرئاسة ليس دقيقا بل إن العكس هو الصحيح. في الواقع، تم طرح مشروع مقترح الأمم المتحدة من مبعوث الأمم المتحدة «إسماعيل ولد الشيخ أحمد»، وقد أرسل بالفعل إلى الطرفين في المحادثات التي تم استضافتها الكويت.
ونوقش الاقتراح الذي قدمه مبعوث الأمم المتحدة «إسماعيل ولد الشيخ»، وقبله «هادي». ولكن الحوثيين و«صالح» رفضا ذلك وقررا بدلا من ذلك تشكيل مجلس مشترك بينهما.
ويمكن تلخيص الفرق بين الجانبين على النحو التالي: يصر معسكر الحوثي و«صالح» على أن نقطة البداية في أي حل يجب أن تكون اتفاق سياسي قبل تسليم السلاح. أما الحكومة الذي يوجد مقرها في المنفى بعد أن طردت من اليمن بالقوة، وجنبا إلى جنب مع الأمم المتحدة، تعتقد أنه من المستحيل التوصل إلى حل سياسي متوازن تحت تهديد مسلح من معسكر المتمردين.
من خلال إنشاء المجلس الرئاسي أعرب معسكر «صالح» و«الحوثي» عن التحدي المطلق للمحاولات العربية والدولية لوضع حد للحرب في اليمن. وهدد «صالح» في مؤتمر صحفي متحديا السعودية بالقول أن جميع الخيارات مفتوحة حتى تنخرط المملكة في المسار الدبلوماسي.
يحاول المتمردون تنظيم هجوم مستمر على المناطق الحدودية مع السعودية. وقد شنت عدة هجمات على الأراضي السعودية من المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في اليمن. ويعتقد أن تأثير الهجوم نفسي وليس استراتيجي، لأن قوات التمرد لا يمكن أن تشن حملة عسكرية طويلة على المناطق الحدودية السعودية.
وتعتقد السعودية اعتقادا راسخا بأن الإيرانيين يحاولون تشتيت الرياض وجعلها تنزف لأطول فترة ممكنة في اليمن، بقدر ما يحاولون تشتيت تركيا في سوريا. وقد دشنت القوات الموالية لإيران أيضا حملة موجهة تجاه الرأي العام الدولي لإدانة قتال التحالف العربي في اليمنن وعلى رأسه السعوديين باعتبارهم مجرمي حرب.
ولكن كيف ستسير الأوضاع بعد التوقف الحالي؟
تم الإعلان رسميا عن انتهاء محادثات السلام في الكويت دون الوصول إلى اتفاق. وقد اعتبرتها كل الأطراف تقريبا عملية علاقات عامة وليس محاولة جادة للتوصل إلى اتفاق. لذلك يتطلب الأمر توفر إرادة سياسية للدخول في عملية جدية للتوصل إلى تسوية. معسكر «الحوثي» و«صالح» هو عامل حقيقي في الأزمة، ومع ذلك، ليس هذا هو العامل الوحيد فالمنافسة الاستراتيجية السعودية الإيرانية في الشرق الأوسط كله تؤثر في اليمن كذلك.
عقب إعلان مجلس الرئاسة، قدم «ولد الشيخ أحمد» وثيقة أخرى إلى الجانبين والتي تقترح إلغاء المجلس والعمل على تنفيذ خارطة طريق من خمس نقاط على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2216. واستنادا إلى هذه الوثيقة، قرر الوفد البقاء في الكويت والحفاظ على المحادثات على قيد الحياة على الرغم من إعلان الرئيس «صالح» عن تشكيل المجلس الرئاسي.
ومع ذلك، فإنه ليس من المحتمل أن يقوم معسكر «صالح» و«الحوثي» بتعليق مجلس الرئاسة، الذي قد أعلن للتو. فبالنسبة لهم، هو يمثل الهيكل السياسي الذي يريدون فرضه على اليمن كبديل للحكومة المنتخبة ديمقراطيا.
كان «ولد الشيخ أحمد» قد اقترح تمديدا مدته أسبوعين لعملية المفاوضات في الكويت. ولكن معسكر «هادي» يعتقد اعتقادا راسخا بأن هناك قوى عالمية متعددة، على رأسها الولايات المتحدة، لا تريد أن تحقق الحكومة الشرعية نصرا حاسما. قد يكون هذا صحيحا حيث تعتقد العديد من العواصم الغربية أن نصرا حاسما لـ«هادي» لن يجلب الاستقرار الطويل الأجل لليمن وسيتعذر التوصل إلى مثل هذا الاستقرار من دون حل سياسي.
ولكن ماذا لو كان معسكر الحوثي و«صالح» يرفض أي تسوية سياسية، حتى لو قدمت من قبل الأمم المتحدة؟
من الناحية النظرية، كل مقومات الحل موجودة، لدينا قرار مجلس الأمن رقم 2216، واقتراح «ولد الشيخ أحمد»، وعملية التفاوض في الكويت. ولكن معسكر «الحوثي - صالح» يتحدى كل ذلك وفي الواقع هذا نابع من حالة الجمود العسكري على الأرض.
نحن في اليمن نواجه معضلة حول كيفية فرض حل سياسي على جانبي القتال على الأرض دون أي تمكن أي طرف من تحقيق نصر حاسم. في مثل هذه الحالات، تساهم عدة عوامل لجعل الأوضاع أكثر صعوبة للخروج من المأزق والتوصل إلى حل سياسي. في حالة اليمن، لدينا الصدع السعودي الإيراني، وأبعاد أخرى قبلية وطائفية، واختلافات إقليمية في التطلعات والحساسيات الجيوستراتيجية، وأجندات خارجية متضاربة، وقضايا شخصية وحالة ذهنية.
ولئن كان صحيحا أنه دون الحل السياسي في اليمن لن يكون أي استقرار مستدام، فإن كيفية الوصول إلى هذا الحل السياسي لا زال وهمية. حيث غطى «ولد الشيخ أحمد» معظم الأمور ذات الصلة بالحل السياسي ما عدا واحدة وهي : الخلاف السعودي الإيراني.
في حين أن الأطراف اليمنية للصراع هي أطراف حقيقية مع أجندات حقيقية، فإن الحوثيين لا يمكنهم الاستمرار في هذا الصراع من دون الدعم الإيراني. وقد تم اعتراض عدة شحنات من الأسلحة من إيران قبالة ساحل اليمن، ويمكن اعتراض أكثر من ذلك بكثير مع مزيد من الرقابة حيث تصل الأسلحة إلى الشواطئ.
هذا هو البعد الإقليمي التي يحتاج إلى المعالجة أولا من أجل التوصل إلى اتفاق في اليمن.
سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينج - ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد -