تعترف وسائل إعلام بريطانية ومنظمات دولية عدّة بالثمن الباهظ الذي يدفعه الشعب اليمني جرّاء الحرب والعدوان الذي تقوده المملكة السعودية، وتحالفها، في التدمير والقتل والانتقام والحقد الدموي.
وليس آخر جرائمها قصف مشفى تشرف عليه منظمة «أطباء بلا حدود»، في عبس في محافظة حجة، وهو ما دفع المنظمة إلى الإعلان عن انسحابها من 6 مستشفيات تشرف عليها في اليمن. القصف كان مقصوداً لإخراج هذه المنظمة، وحرمان الشعب من مساعداتها الطبية، وتهديد غيرها بالمصير ذاته.
هذه سلسلة طويلة من جرائم راح ضحيتها المئات من الأطفال والطلاب، إضافةً إلى تدمير عشرات المباني من مدارس ومعاهد. فما هو الثمن الباهظ الذي يدفعه شعب مسالم يعيش على أرضه ويريد أن يحيا بكرامة؟
أولى قوائم الثمن أعلنتها الأمم المتحدة في بعض تقاريرها، وإقرارها بأن أكثر من 6 آلاف شخص لقوا حتفهم منذ بداية النزاع المسلح، نصفهم مدنيون، و1100 منهم طفل، بحسب لغة صحيفة «غارديان» البريطانية. هذا ما نشرته إحصائيات الأمم المتحدة، رغم أنها غير دقيقة كما هي دائماً، وأقل بكثير من الوقائع التي تثبتها منظمات أخرى، محلية ودولية، تبقى حتى في تقديراتها أرقاماً كبيرة، وخسارة جسيمة.
هي بعض الثمن الباهظ الذي سمته الصحيفة البريطانية، ونقلته عن التقارير الأممية التي تتابع ما يجري ويحصل في اليمن. لكن في الأرقام بعد 500 يوم من جريمة العدوان، سجّل «المركز القانوني للحقوق والتنمية»، استشهاد 9755 مواطناً، وجرح 17256، وتدمير 15 مطاراً و12 ميناء و964 جسراً وطريقاً عاماً، و372936 داراً ومسكناً، و137 محطة كهرباء، و195 شبكة مياه وخزاناً، و653 مسجداً، و654 مدرسة ومعهداً، و105 جامعات، و254 مركزاً صحياً ومشفى، وأرقام... أرقام كثيرة أخرى، كلها موثقة ومسجلة، ولم تتوقف آلة الحرب باستمرارها وزيادتها. وحدها الأرقام تعري الجريمة وتفضح القتلة...
لا تعترف دولة العدوان ولا مرتزقتها بهذه الإحصاءات، بل تتنكر لها وتكذّب بصلافة لا مثيل لها، خصوصاً من الناطق باسمها وهو يحمل لقباً من اسم مدينة يمنية محتلة، ومنتزعة في غفلة من تاريخ. رغم أن هذه الأرقام ليست كلية أو جامعة لكل الثمن، إلا أنها مؤشرات فقط عن إمكانيات محدودة للعد والمتابعة والإحصاء.
منذ أكثر من عام ونصف يدفع الشعب اليمني الثمن الباهظ يومياً، فقد حقق التفوق العسكري السعودي وتحالفه ومستشاروه حصار الشعب اليمني من الجو والبر والبحر، وحوّل البلد إلى سجن جماعي، كما انجز قصف وتدمير المصانع، والمستشفيات، والمدارس، والجسور، والمزارع، ومجمعات السكن، والمساجد، والمكتبات، ومحطات الوقود، والمياه، والاتصالات، والأسواق، والآثار التاريخية - كما أشير لها بالأرقام. قد تكون تلك الأرقام غير دقيقة، لكن صور الفضائيات والفيديوهات التي تنشر عنها تُقدّم أكثر من دليل عليها.
قبل أكثر من عقدين من الزمن، وحين اشتدت الأزمة داخل الحزب الاشتراكي الحاكم في عدن، توسط لحلها عددٌ غير قليل من الوفود القريبة من الحزب، وكان أكثرهم مصرّاً على مخاطبة الشهيد عبد الفتاح اسماعيل، والذي عاد من منفاه بعد توسط أحزاب تلك الوفود، والضغط عليه للتنازل وقبول الأمر القائم (إعلان الاستسلام لفرسان الأزمة وصراعهم الشخصي)، ولم يطالبوا بمن هو في قيادة الحزب والدولة وصاحب القرار المباشر، ودراسة الأسباب التي أدّت إلى تلك الأزمة ونهايتها المأساوية، ولم يكن الشهيد منهم. بل عمل على نهج الاستقرار والسلم وإقامة حكم ديموقراطي يخدم الأهداف والمصالح، التي كان الحزب يرفعها أو يعبر عنها. انتهت الوساطات بمجزرة مروعة، والنهايات المؤلمة التي لم تدرّس بعد... اليوم تتكرر الصورة، ويُرمى السبب على «ميليشيات» الحوثيين و«قوات صالح»، ويصمت أمام مجموعات «الجيش الوطني ولجان المقاومة» التي نُقلت بالطائرات إلى اليمن مع أسلحتها المتطورة والمدمرة، وبتمهيد آلاف الغارات وتشديد الحصار، البري والجوي والبحري، الذي تقوده السعودية باسم تحالفها العربي الإسلامي. وتقوم بذلك منظمة الأمم المتحدة وممثلها، الذي للأسف يكرر ما سبق، ومعروف إعادة مثل هكذا مشاهد في التاريخ. ولهذا فالنتائج لا تسرّ ولا تبشر بخير. بل تقول إنها قسمة ضيزى، لا تحل إلا بما توصل إليه الشعب اليمني ذاته، في بلاده وعلى تراب وطنه. وتظاهراته في ميدان السبعين وغيرها تشدد على وقف الحرب والعدوان فوراً، وإعادة الإعمار وتحميل تحالف العدوان تكاليفه بالكامل، وترك اليمنيين يجتمعون ويقررون بأنفسهم مصيرهم، وفي يمنهم الذي حوله تحالف الدم والإرهاب إلى بلد منكوب يعيش كارثة تاريخية لا مثيل لها في تاريخه.
حاولت الإدارة الأميركية بعد كل ذلك الثمن الباهظ أن تتملص من عواقبه، لا سيما تقارير دولية تثبت بالأرقام جرائم حرب وإبادة بشرية، وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان والديموقراطية المضطهدة في الجزيرة العربية، أو المفتقدة أساساً فيها. حاولت في لقاء جدة أن تضع خارطة طريق لحل لما تعيشه اليمن اليوم، ولكنها كشفت مشاركتها الفعلية رسمياً في جرائم العدوان، ولن تنفعها قرارات سحب مستشاريها أو بعضهم، وهذه اللقاءات وبعض الضغوط التي تمارسها على تحالف الحرب والعدوان في المنطقة، واليمن منها. وهي في الوقت نفسه تزوده بالأسلحة والمعدات بصفقات مليارية مفضوحة، تعرّي دموع التماسيح الأميركية والغربية عموماً، وتدين الجرائم اليومية التي ترتكب في اليمن وضد شعبه وأرضه وسمائه وبحره. وكانت منظمة «كنترول آرمز» المعنية بمراقبة بيع الأسلحة، قد طالبت الولايات المتحدة وفرنسا بوقف مبيعاتهما من الأسلحة إلى السعودية بسبب حربها في اليمن. وقالت مديرة المنظمة، في مؤتمر عقدته منظمة التجارة العالمية في جنيف حول معاهدة تجارة الأسلحة، إن الدول الكبرى تمارس أسوأ أشكال النفاق باستمرارها في بيع الأسلحة للسعودية.
كما طالبت منظمات عدّة، معنية بحقوق الإنسان، واشنطن ولندن وباريس بوقف صفقات السلاح مع الرياض، فيما اتهمت بعض هذه المنظمات ومنها منظمة أوكسفام للإغاثة الإنسانية الحكومة البريطانية بتأجيج حرب وحشية في اليمن، وليس بعيد عنها ما أعلنته منظمة «هيومن رايتس ووتش».
أخيراً متى يتم فعلاً إنقاذ الشعب اليمني من الاستمرار في دفع هذا الثمن الباهظ؟ ومتى تجبر دولة العدوان على دفع تكاليف عدوانها وإقرارها بهزيمة خططها ومشاريعها العدوانية المأساوية؟
كاظم الموسوي- الاخبار اللبنانية-