شنّ بعض النشطاء السوريين المُعارضين، غير المدعومين من السعودية، هجوماً على ولي العهد السعودي محمد بن نايف، عقب كلمة ألقاها أمام قمة اللجوء والهجرة التي عُقدت في نيويورك، والتي قال فيها إن السعودية استقبلت مليونين ونصف مليون سوري خلال الأزمة السورية.
وتأتي كلمة بن نايف في وقت تتشدّد فيه السعودية في استقبال السوريين، وتشترط وجود كفيل في عقود العمل في مؤسساتها، يضمن أن السوري اللاجئ إليها قادر على تأمين السكن ومصاريف المعيشة.
دخل معظم السوريين الأراضي السعودية بصفّة عمال وبموجب عقود واضحة وصريحة وبالطرق الشرعية، وتعيش أغلبيتهم الساحقة في المملكة من قبل انتشار ظاهرة اللجوء. وحتى أولئك الذين دخلوها بغاية الزيارة وقرّروا البقاء فيها، يدفعون أكثر من 500 دولار أميركي كل ستة أشهر لتجديد الزيارة، إضافة لمصاريف أخرى، ولا يُمارسون في هذا الوقت أي عمل، كما أن كثيرين هاجروا إلى أوروبا، بسبب مصاريف تجديد الإقامة والجوازات وعمولات المكاتب. هذا وتُعاقب السلطات السعودية أي شخص لا يدفع الرسوم، وقد يُمنع من دخول السعودية مجدداً.
لا تُعدّ السعودية «دولة صديقة» للعمّال بشكل عام، فهم لا يعيشون حياة مستقرّة فيها، نظراً لشروط العمل الصعبة ونظام الكفيل الذي تنتقده المنظمات الدولية المعنية بشؤون العمال والإنسانية. أما في ما يتعلّق باللاجئين، فهي لا تُعدّ من بين الدول المضيفة، إذ لا يُوجد لاجئون سوريون على أراضيها، وهي لا تُقدّم مساعدات للموجودين على ارضها، أسوة بالدول الأوروبية التي تستضيف مئات آلاف اللاجئين وتنفق المليارات على تسوية أوضاعهم.
مليونان ونصف المليون هو عدد السوريين الذين قال بن نايف إن بلاده تستضيفهم. وهو رقم لا يُمكن أن يمرّ مرور الكرام من دون تدقيق، خصوصاً إذا علمنا أن تركيا، التي فتحت أبوابها على مصراعيها للاجئين السوريين، ولأسباب متعددة، وتستقبل العدد الأكبر منهم، لا يزيد عدد اللاجئين فيها عن ثلاثة ملايين، فكيف يُقارب عدد السوريين في السعودية لعددهم في تركيا؟
في عملية حسابية لتقدير عدد السوريين المُقيمين كعمال أو زيارة في السعودية، تبيّن أن عددهم لا يتعدّى مئات الآلاف. فإذا اعتمدنا أرقام المنظمات الدولية ومن بينها الأمم المتحدة فإننا نجد أن إحصائياتهم تقول، بشكل تقريبي، إن عدد اللاجئين في تركيا يبلغ ثلاثة ملايين، وفي لبنان مليوناً ونصفاً، وفي الأردن 700 ألف لاجئ، وفي الداخل السوري، قدّرت الأمم المتحدة عدد النازحين بحوالي 7٫5 مليون شخص، أي أن المجموع يُقدّر بحوالي 12٫5 مليون لاجئ، يُضاف إليهم سُكان المناطق التي تُسيطر عليها الحكومة من غير النازحين، وهؤلاء يُقدّر عددهم حالياً بحوالي سبعة ملايين.
أما سكان المناطق التي تقع خارج سيطرة الحكومة، والذين لا تُوجد إحصائية دقيقة لعددهم، تُرجّح المعارضة أن أحياء حلب الشرقية وحدها، والتي لا تتعدّى مساحتها بضعة كيلومترات مربّعة، تضمّ قرابة 200 ألف نازح (وهو رقم كبير مشكوك في مصداقية مصادره)، وبالتالي فإن سكان كل المناطق خارج سيطرة الحكومة يصل عددهم إلى مليوني نسمة على الأقل في سوريا كلها. وإذا أضفنا إليهم السوريين في مصر ودول أوروبا التي هاجروا إليها، والذين يُقدّر عددهم بحوالي مليون شخص، يكون المجموع النهائي قرابة 23 مليون نسمة.
وفي آخر إحصائية سورية في العام 2010، قُدّر عدد سكان سوريا بـ 23 مليون نسمة، وإذا حسبنا عدد الذين قضوا في الحرب، ووضعنا هامش خطأ في الإحصائيات الأممية، سيكون عدد السوريين المُقيمين في السعودية بأحسن الأحوال، وبأعلى النسب الممكنة، مليون نسمة فقط، فمن أين جاء بن نايف بالمليون ونصف المليون الباقين إذاً؟
وإذا دقّقنا أكثر بالأرقام المنشورة عن سوريا، فإننا قد نصل إلى حقيقة واضحة، أن هذه الأرقام، إذا جُمعت مع بعضها بشكل دقيق من كل المناطق التي نزح إليها السوريون أو لجأوا إليها، والتي يتمّ تداولها في الإعلام، فإن المجموع سيزيد عن عدد سكان سوريا قبل الحرب!
يتحوّل الوجع السوري إلى تجارة دولية، ويُصبح السوريون أرقاماً للاستثمار السياسي والتباكي عليهم في المحافل الدولية، بينما في الواقع، يبقى السوري هو الضحية، والرقم الأضعف في هذه المعادلة كلها. وإن إجراء مراجعة بسيطة للأرقام المذكورة في مختلف الدول، يُؤكد أنها أرقام للاستثمار أكثر من كونها لخدمة السوريين.
بلال سليطين- السفير اللبنانية-