تقدم 4 من رجال الكونغرس مؤخرًا بمشروع قانون يمنع مبيعات أسلحة للسعودية بقيمة 1.15 مليار دولار، والتي من المتوقع أن توفر أكثر من 11 ألف وظيفية أمريكية. وقاموا بتبرير مشروع القانون استنادًا إلى الأوضاع الإنسانية السيئة التي خلفها صراع اليمن، بالإضافة إلى الضرر المحتمل على الأمن القومي الأمريكي.
وسأتحدث هنا عن ثلاث نقاط. الأولى، أنّ السعودية لا تعطي ضمانات كافية لالتزامها بحماية المدنيين فضلًا عن المساعدات الإنسانية التي تقدمها لليمن. النقطة الثانية، هي أنّ مشروع القانون يهمل السياق الاستراتيجي الذي صاحب تشكيل التحالف العربي بقيادة السعودية وتدخله في اليمن. النقطة الثالثة تتحدث عن الأهمية الكبيرة للأمن القومي الأمريكي لتواجد حكومة مركزية قوية ومستقرة في اليمن وكذلك هيكل فعال للدولة. وهذه هي أهداف التحالف العربي في اليمن.
وعلى الرغم من أهمية مطالية السعودية باحترام المعايير الإنسانية، فإنّ السعودية في الواقع تبذل جهودًا حقيقية للحد من الخسائر في صفوف المدنيين وتقديم المساعدات لليمن. ويمكن للجيش الأمريكي أن يلحظ ذلك كونه يجلس في المقاعد الأمامية لمركز قيادة التحالف بالرياض. ومن الأسباب الرئيسية لبطء إحراز تقدم لصالح التحالف هو حرص التحالف ورغبته في تجنب سقوط ضحايا من المدنيين. وهذا هو السبب تحديدًا الذي منع تنفيذ العديد من العمليات ضد ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران وقوات «علي عبد الله صالح».
علاوة على ذلك، ووفقًا للموضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، استقبلت السعودية 41 ألف لاجئ يمني، والذين مكّنوا من التمتع بكل المرافق الصحية والتعليمية العامة بالإضافة إلى الاندماج في سوق العمل. وكما الحال مع 500 ألف لاجئ سوري بالسعودية الآن، يطلق على اللاجئين اليمنيين مسمى «زوار» وليس «لاجئين»، نظرًا للحساسية العربية عمومًا، وللسعودية خصوصًا من كلمة لاجئين منذ النكبة الفلسطينية عام 1948. ووفقًا للمفوضية، فإن السعودية قد أصدرت تصريح إقامة بمدة 6 أشهر قابلة للتمديد لصالح 465,400 يمني غير موثق يعيشون بالسعودية، لتمكينهم من التمتع بخدمات الرعاية الصحية والتعليم والاندماج في سوق العمل. وأعلنت السعودية مؤخرًا عن دمج 285 ألف طالب يمني في المدارس العامة المجانية في السعودية، وكذلك 141 ألف طفل سوري. وكمشاركة في التبرعات الإنسانية التي وصلت اليمن والتي بلغت قيمتها 730 مليون دولار، ساهمت السعودية وحدها بمساعدات بقيمة 253.1 مليون دولار، وهو ما يعادل نسبة 34.6% من إجمالي المساعدات. كما تتلقى الدول التي تستقبل لاجئين يمنيين مساعدات من السعودية أيضًا. وعلى سبيل المثال، فإن جيبوتي قد تلقت من السعودية أكثر من 13 مليون دولار، كما شيدت المملكة 300 منزلًا للاجئين اليمنيين هناك.
ثانيًا، هي أنّ مشروع القانون يهمل السياق الاستراتيجي الذي صاحب تشكيل التحالف العربي بقيادة السعودية وتدخله في اليمن. وتسبب اتجاه الولايات المتحدة نحو «محور آسيا» في خلق فراغ استراتيجي في الشرق الأوسط. وجعل حلفاء الولايات المتحدة يشعرون بأن واشنطن لم تعد حليفًا موثوقًا به، وأنّه ليس لديهم خيار سوى أن يبدؤوا بأخذ زمام الأمور بأيديهم.
أكد هذا السياق الدولي التهديدات الخطيرة في الشرق الأوسط، ولاسيما التوسع الإيراني. وبسبب انعزالها والعقوبات الاقتصادية التي وقعت عليها، لم تتمكن إيران من الاعتماد على الأدوات الاعتيادية للدول القومية للتأثير على اللاعبين في الساحة الدولية. ونتيجة لذلك، تلجأ إيران إلى الجهات الفاعلة غير الحكومية، مثل عصائب أهل الحق في العراق، وحزب الله في لبنان، وخلية العبدلي في الكويت، والحوثيين في اليمن. ولأجل التأثير في هذه الجهات والتحكم في سلوكهم، تعتمد إيران على الطائفية كأداة. وبالتالي، فليس من المصادفة أن تنتسب كل هذه الجماعات لطائفة الإسلام الشيعي. ومن أجل أن يكون لذلك معنى، لابد من إعطاء هذه الجماعات هويتها الطائفية لإشعال الصراع الطائفي، الذي يعدّ الأرض الخصبة لنفوذ إيران. بالإضافة إلى ذلك، لن تكون هذه الجماعات الفاعلة غير الحكومية فعالة ومؤثرة إلا إذا تم إضعاف الحكومات المركزية، وذلك هو ما تسعى إليه إيران لتثبيت نفوذها. وهذا التهديد المميت هو ما يشكل الخطر الأكبر على وحدة الأراضي وأمن العالم العربي عمومًا وعلى السعودية بشكل خاص.
وتعتمد سياسة إيران على تقسيم الدول العربية إلى طوائف، سنة وشيعة. فكون الأمر له بعد «طائفي» فقط، هو ما يمنح إيران الفرصة في التأثير على السياسة الداخلية لكل بلد عربية. وبهذا أصبحت الحكومات الغربية، عن غير قصد، وكلاء نشطين في خدمة الأهداف التوسعية الإيرانية. وبالنسبة للدول العربية، فإنّها ترى التقسيم الغربي للأراضي كطوائف، كسايكس بيكو جديدة.
إضافة إلى هذين السياقين، هناك سياق هام على مستوى الداخل السعودي، وهو صعود الجيل الثالث من النخبة الملكية لأماكن القيادة. وكلاهما يمثل تغيرًا في طبيعة وهيكل السلطة. فالجيل الثالث منقطع عن تجربتين هامتين، الأولى هي تجربة معارك التوحيد (1902-1932) والتي أنتجت الدولة السعودية الثالثة. والتجربة الثانية هي الصراع بين الملك «سعود» والملك «فيصل» (1956-1964). وصنعت كلتا التجربتان نظامًا للتحالفات والقيم، وهو ما لا يلتزم به الجيل الثالث من العائلة المالكة. شمل هيكل السلطة العديد من التغييرات منها تشكيل لجنة البيعة لاختيار الملك وولي العهد. والآن هي مسؤولة أيضًا عن انتخاب ولي ولي العهد. ويعدّ ذلك هو التقييد القانوني الأول على سلطة الملك، فالملك وولي عهده يتم اختيارهما من قبل اللجنة بقوانين اللجنة، ولا يمكن تغيير قوانين اللجنة إلا عن طريق التصويت. وبذلك، يكون العام 2006 قد شهد بداية الدولة السعودية الرابعة.
ومع ظهور الدولة السعودية الرابعة، تطلبت المشاركة الأفقية الواسعة مشاورات مملة لا نهاية لها، نتيجة لسياسة رد الفعل، وهو ما تم استبداله الآن بثلاثة مراكز للقوة الرأسية، وهي وزارات الدفاع والداخلية والحرس الوطني، والمخوّل لهم أخذ المبادرة والقرارات السريعة. وتتحول الرياض الآن من موقف رد الفعل الاستراتيجي، إلى موقف المبادرة بالفعل.
ونظرًا للفراغ الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وتهديد التوسع الإيراني، والموقف الاستراتيجي الجديد للسعودية، اتجهت الرياض لتصبح المدافع الأول عن أمنها. وأصبح التعاون مع الولايات المتحدة قائم على تبادل المنفعة والمفاوضات قصيرة الأجل. والآن، تحول التحالف مع الولايات المتحدة عن الصيغة التقليدية القائمة على «النفط مقابل الأمن».
ووفقًا للسياقات الدولية والإقليمية والمحلية، نجد أن السعودية قد اضطرت للتخلي عن دبلوماسيتها الهادئة التي تنتهجها منذ 84 عامًا، وبدأت بأخذ زمام الأمور من أجل حماية أمنها. وقد بنت السعودية تحالفًا عربيًا للتدخل في اليمن. والسبب الرئيسي في إنشاء هذا التحالف هو منع اليمن من أن تصبح عراقًا أخرى، تحكم من طهران وليس من بغداد.
ثالثًا، فإنّ رعاة مشروع القانون قد استندوا في حجتهم على أنّ التحالف العربي الذي تقوده الولايات المتحدة يضر المصالح الأمريكية لأنه يجرح مصداقية الولايات المتحدة في المنطقة ولأنّ التحالف لا يحارب القاعدة.
وفي الحقيقة، فإنّ المصداقية هي آخر ما يقلق الولايات المتحدة، بعد غزوها للعراق تحت ذريعة كاذبة، ومع حملتها الجارية بالطائرات بدون طيار. بجانب أن الدول الأعضاء في التحالف العربي يحاربون بالفعل القاعدة منذ عام 1996. حيث سبق لتنظيم القاعدة اليمني أن نظم محاولة اغتيال لولي العهد السعودي. وهذا هو سبب أن التحالف العربي لا يقاتل القاعدة فقط في اليمن، ولكن في كل مكان. وكثير من الهجمات ضد أمريكيين وبريطانيين وفرنسيين وألمان، على سبيل المثال، قد تم إفشالها بفضل وبسبب العمل الجاد والمباشر من قبل السعودية.
ولن ينجح أي قتال ضد القاعدة في اليمن إلا إذا توفر عنصران اثنان: حكومة مركزية قوية وبنية فاعلة للدولة. وبدون ذلك، ستتلاشى أية نجاحات أخرى. وبهذا، يبدأ قتال القاعدة بتحويل ميليشيا الحوثيين إلى حزب سياسي، وموافقة «صالح» على عملية سياسية شاملة. وهذا ما يجعل التحالف العربي يعمل جاهدًا باتجاه هذين العنصرين، وهو ما اتضح في مبادرة الخليج وقرار مجلس الأمن رقم 2216، ومفاوضات الكويت، والعديد من المحاولات الفاشلة لوقف إطلاق النار.
الرياض هي القوة العربية الوحيدة التي تتمتع بالاستقرار والازدهار. وحقيقة أن العالم العربي والإسلامي يستند إلى قيادة السعودية، لا ترجع فقط بدافع استقرارها وازدهارها، ولكن أيضًا لقوتها الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، وأيضًا كونها مولد الحضارة العربية والإسلامية. لقد ولدت الأمة العربية في سوق عكاظ، وترعرعت في دار الندوة، ونشأت على المعلقات. وولدت الأمة الإسلامية في مكة، وترعرعت في المدينة، ونشأت على سقيفة بني ساعدة. وترجع أصول النخب الدينية والسياسية في العالمين العربي والإسلامي منذ عهد الخلفاء الراشدين والدولة الأموية والعباسية إلى هذه الأرض. وشطر هذه الأرض يولِّ أكثر من مليار مسلمٍ حول العالم وجهه 5 مراتٍ في اليوم.
ويضع منع بيع الأسلحة للسعودية السلامة الإقليمية للعالم العربي وأمنه واستقراره في خطر. ويعرض التوازن الحالي الذي تحققه السعودية وحلفاؤها للخطر، وبالتالي أمن أمريكا ومصالحها.
ناشيونال إنترست- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-