لازال الموقف المصري في مجلس الأمن مربكاً لكثير من السياسيين والمحللين؛ فالتصويت لمصلحة مشروعين متناقضين يتعلقان بقضية واحدة لدولة واحدة هي سورية، يعد مدرسة جديدة في السياسة، تخلط ما بين الغاية والوسيلة ومبرراتهما.
الأمر يدعو إلى الحيرة، لكن تبريره مضيعة للوقت، لسبب بسيط هو أن المشرع المصري ذاته لا يعلم، أو هكذا يبدو! فمنذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد السلطة في مصر والمواقف الرمادية تأتي تباعاً. لكن دعونا في الشأن السوري، ما الذي تريده مصر في سورية؟ هل تريد دعم النظام؟ إذاً لماذا لا تصرح بذلك، وتسعى - على الأقل - إلى محاورته لوقف تلك المجازر التي ترتكب بحق أبناء الشعب السوري؟ هذه فرضية، لكن إذا كان الرئيس المصري لا يريد دعم النظام، بل هو حريص على سلامة الشعب السوري، وهذا ما نأمل به، إذاً لماذا لم يقف النظام المصري مع الشعب السوري بدلاً من اللجوء إلى مواقف رمادية أيضاً في القرارات التي تمسه؟ قد لا يكون الرئيس المصري مع النظام السوري، ولا مع الشعب السوري، بل هو مع وحدة سورية، وهذا أيضاً من الأمور الجيدة، لكن - وضعوا عشرة خطوط تحت كلمة «لكن» - إذا كان العالم، بقطبيه الرئيسين؛ «أميركا وروسيا»، يريد تقسيم سورية، فما الذي بيد الرئيس المصري أن يفعله في مقابل ذلك؟
الإشكال أن مصر لم تقل لنا أبداً ماذا تريد؟ ومن خلال مواقفها لم نتمكن من معرفة الإجابة، وهذا ما يجعلنا نتساءل: هل فعلاً مصر تعلم ما الذي تريده في سورية؟
في منتصف «آذار (مارس) 2016 كتبت مقالة بعنوان: «مصر.. مقاومة الأزمات أم ممانعتها»؟ تطرقت فيها إلى صمت النظام المصري عن أشخاص محسوبين عليه تعمدوا الإساءة إلى المواقف العربية والإسلامية التي تقودها السعودية، ولاسيما في الشأن السوري، ومنذ ذلك الحين حتى الآن مازالت الأسطوانة تتكرر، تارة على لسان أشخاص وتارة من خلال تبني مواقف رسمية، من دون أن نتمكن من معرفة الغرض السياسي، فالعالم العربي اليوم ليس في أفضل حالاته، فإذا كان لدينا فلسطين واحدة محتلة ومختطفة من الصهاينة إلى 2011، اليوم أصبح العالم العربي بأكمله «فلسطيناً»، مختطف من جماعات مسلحة أو عصابات طائفية أو فوضى تسيطر عليه؛ سورية، العراق، ليبيا، اليمن، جميعها دول عربية تم اختطافها، لم نعد نأمل بالرفاه، ولا بالوصول إلى القمر، كل ما ننشده هو الأمن والسلام، وعلى رغم ذلك يبدو أمراً شبه مستحيل، حتى الآن على الأقل.
دول الخليج العربي ودول عربية عدة هي الاستثناء من تلك الأوضاع، وهي من تسعى لترميم العالم العربي والإسلامي، لكنها على رغم ذلك لم تسلم، ليس من العدو، بل من الصديق! ففي مصر على سبيل المثال، سعت دول الخليج إلى حفظ مصر وشعبها، ودعمت رئيسها قبل تولي السلطة، ودعمته بعد توليها مادياً وسياسياً، وحرصت ومارست ضغوطها على العالم، ولاسيما في أميركا وأوروبا، للتعامل معه وعلى رغم كل ذلك لم تشعر دول الخليج بأن استثمارها في كل ذلك انعكس إيجاباً على العالمين؛ العربي والإسلامي. لاحظوا أنني لم أقل: «عليها»، لأنها دول مستقرة، أهدافها واضحة، وهذا ما يوسع دائرة الحيرة، لأن الطرف المقابل لم يقدم ما يدعم العالمين - العربي والإسلامي - ما يطرح تساؤلاً مهماً في هذا الركن تحديداً، ما الذي يمنع أن تكون علاقة مصر في أفضل حالاتها مع السعودية ودول الخليج؟
أستحضر ما سبق، وإن طرحته في مقالتي المذكورة أعلاه، إشكال مصر اليوم أنها مازالت تعيش أوهام قيادة العالم العربي، وأنه لا أحد يستحق هذه القيادة سواها، والمعضلة الكبرى هنا أن مصر لم تعد مهيأة - لا سياسياً ولا اقتصادياً - للقيادة، وخلاف ذلك فإن تركيبتها الداخلية لم تتمكن من مواءمة متطلبات شعبها، لذلك فهي غير موجودة أصلاً في القضايا العربية، حتى في الدول التي تقع على حدودها تجدها مغيبة بالكامل، فكيف بالدول الأبعد؟! ولعل هذا ما يفسر الارتباك المصري حيال أي مشروع تقوم إحدى الدول العربية بتقديمه، قد لا يكون المشروع مخالفاً لسياستها أو حتى رغباتها، لكن طالما أنه ليس من طرفها فينبغي الوقوف ضده وعرقلته.
كنت تحدثت عن إخفاق وعجز الدبلوماسية المصرية عن صيانة علاقاتها بالدول الإقليمية، اليوم أجدد ذلك، وأضيف: ليست الدول الإقليمية فحسب، بل حتى دول العالم.
سعود الريس - الحياة السعودية-