منذ انتخابه رئيساً توافقياً لليمن قبل خمس سنوات، راهن اليمنيون عموماً على عبد ربه منصور هادي لإنقاذ اليمن من الفوضى التي كانت تلوح، ولم يبالوا حينها بآليات العملية الديمقراطية، وبمدى تمثيل هادي طموحاتهم.
ورغم الأهوال التي عاشوها، بدءا بانقلاب جماعة الحوثي وعلي عبدالله صالح وحتى الحرب الحالية، ظل اليمنيون يعلقون آمالاً بأن يصبح هادي عنواناً لمرحلةٍ جديدة، لكن ما تطرحه حصيلة السنوات الخمس العجاف يقول إن الضعيف عدو نفسه دائماً، وحين يكون الضعيف رئيساً، بالضرورة السياسية والحالة التي ولّدها الانقلاب ثم الحرب، أكثر من امتلاكه رؤية واضحة ومشروعاً وطنياً لجميع اليمنيين، فإن المستقبل الذي ينتظر اليمنيين لن يكون سوى تنويعات على الهزائم الوطنية.
لم يحظ أي رئيس يمني بفرص النجاح والدَّعْمَيْن، المحلي والخارجي، كما حظي الرئيس هادي، لكنه فشل في استثمار أيٍ منها. جاء إلى السلطة حالة توافقية سياسية بين الأحزاب اليمنية، وأسفر توليه الرئاسة عن انفراجةٍ في الشارع اليمني؛ فحتى الذين لم يمنحوه أصواتهم تحفظاً على الآلية التي جاءت به إلى هرم السلطة، حاولوا النظر إلى النصف الممتلئ من الكأس.
وساهم كونه أول رئيس جنوبي في خلخلة الشارع الجنوبي حينها، وتخليق قوى جنوبيةٍ، راهنت على شخصه، لإعادة تمكين الجنوبيين من السلطة، إلا أن هادي لم يستثمر ذلك الزخم الشعبي، لا في الشمال ولا في الجنوب، وبدلاً من اصطفافه مع اليمنيين، وتبنيه خياراتهم، اصطفّ مع القوى السياسية التي استخدمته، في الفترة الانتقالية، ثم ضحت به في ما بعد.
وأخيراً، جاء انقلاب جماعة الحوثي وصالح وحربهم على اليمنيين ليعيد هادي إلى الواجهة الشعبية، والتف اليمنيون حوله مجدّداً للدفاع عن سلطته، باعتباره رمزاً لما تبقى من الدولة اليمنية، إضافة إلى ما حظي به من تأييد إقليمي ودولي كبير، لكنه أهدر كل تلك الممكنات ليبقى ضعيفاً وأعزل.
يعطي تحليل إدارة الرئيس هادي، وشبكة تحالفاته المحلية والإقليمية طوال الحرب، صورة كاملة عن أدائه السياسي خمسة أعوام، إذ لم يتجاوز كما يبدو حالة الهروب السياسي، منذ هروبه من الإقامة الجبرية التي فرضها عليه الحوثيون داخل منزله في العاصمة صنعاء، وحتى تقاعسه عن مواجهة مسؤوليته حيال الأزمات السياسية والاقتصادية التي أحدثتها الحرب، وعانى منها اليمنيون، وضعفه في مواجهة القوى السياسية اليمنية والإقليمية المتحالفة معه.
تجاهل الرئيس هادي الأزمات الداخلية المبكرة التي عصفت بجبهة الشرعية اليمنية، وعدم إدارتها بحزم تحت خياراتٍ وطنية جامعة، من منطلق كونه رئيساً شرعياً منتخباً، ويمثل رمزية ما تبقى من الدولة، وإلزام حلفائه المحليين بالمسؤولية السياسية لشرعيته، حيث ترك هذه القوى متعدّدة الولاءات تعيد تخليق نفسها في مراكز نفوذ جديدة، متجاوزةً سلطة الرئيس إلى تمثيل مصالح الدول المتدخلة في اليمن.
وبدلاً من ردعها وتقليم نفوذها، خضع هادي لإملاءات الأطراف القوية منها، بالتوازي مع دعم خصوم حلفائه الأقوياء، فبدلاً من استناده على حزب المؤتمر الشعبي العام لمواجهة صالح، اتجه إلى التحالف مع حزب الإصلاح، تاركاً حزب المؤتمر يقع كليا في يد صالح.
ولحل مشكلة القوة المتنامية لحليفه، لجأ الرئيس إلى استخدام جماعة الحوثي لضرب نفوذ حزب الإصلاح في أثناء المرحلة الانتقالية، وسلم محافظة عمران للحوثيين. ونجحت الإدارة العمياء لهادي في إضعاف حلفائه قليلاً، لكنها أضعفته كثيراً، وصبت، في الأخير، في مصلحة جبهة الحوثيين وصالح التي انقلبت على شرعيته.
منذ بداية التدخل العسكري لقوات التحالف في اليمن، تموضع هادي في معادلة الحرب رئيساً ضعيفاً لا حول له ولا قوة، فعدا عن أنه واجهة سياسة للتدخل في اليمن وقيادة حربٍ ضد الانقلابيين، استبعدته دول التحالف تماماً من الإشراف على العمليات العسكرية التي تقودها في اليمن. وفي مقابل الحماية السياسية، استخدمت دول التحالف هادي لتنفيذ أجندتها السياسية والاقتصادية في اليمن، ليتحول إلى ورقةٍ ناجحة لاستقطاب مزيد من الوكلاء المحليين.
الخلل في تمثيل العلاقة بين الرئيس هادي ودول التحالف، سواء في إدارة الحرب في اليمن أو في تطبيع الحياة السياسية في المناطق المحرّرة، كان مقدمةً للاختلالات السياسية والأمنية التي تشهدها اليمن حالياً؛ إذ تبرز العلاقة المختلة بين الرئيس هادي والإمارات مؤشراً على فوضى السلطات وتعدّدها، وتعتبر مدينة عدن مسرحاً لتجلي هذا الصراع الذي أخذ منحى عنفياً في الأشهر الأخيرة. فمنذ تحرير مدينة عدن، سعت الإمارات، بوصفها دولة متدخلة في اليمن قادت عملية تحرير المدينة، إلى تكريس نفوذها في المدينة، عبر تشكيلات ألوية عسكرية جنوبية، بقيادات سلفية خاضعة لإداراتها المباشرة، متجاهلة التشكيلات الأمنية التابعة للسلطة الشرعية في عدن.
وتجاهل الرئيس هادي حدة الاستقطابات الإماراتية للقوى السياسية في مدينة عدن، وتدخلها المباشر في إدارة المدينة، معتقداً أنه بذلك سيضمن ولاءات القيادات الجنوبية المنادية بفك الارتباط المتحالفة مع الإمارات، إلا أن فشله في مقاربة التحولات السياسية والاجتماعية في عدن، جعله أخيرا يخوض مواجهةً عسكريةً مخجلةً في دوافعها ومآلاتها مع نفوذ الإمارات، مستخدما قفازته القديمة المتمثلة بحزب التجمع اليمني للإصلاح.
وكانت معركة تأمين مطار عدن، وحسم السلطة التي تشرف عليه، واجهة هذه المعركة، حيث تحركت الحماية الرئاسية التابعة لهادي لاستعادة المطار، بعد رفض قائد أمن حماية مطار عدن الموالي للإمارات، المقدّم صالح العميري، المكنى أبو قحطان، توجيهات الرئيس بتمكين الحماية الرئاسية من استلام أمن المطار، وهو ما أسفر عن دخول الإمارات في المواجهة وقصفها جنود الحماية الرئاسية ومقتل عدد منهم.
وتكشف أحداث اشتباك قوات الحماية الرئاسية التابعة له مع القوات التابعة للإمارت مدى ضعف الرئيس اليمني، والمدى الذي قد تذهب إليه دول التحالف، للدفاع عن استحقاقاتها في اليمن، فعلى الرغم من تدخل السعودية للوساطة بين الطرفين، وإعلان تسوية مؤقتة، وضع بموجبها مطار عدن تحت السلطة السعودية، إلا أن التوترات لا زالت قائمة بين سلطتين متضاربتين في عدن.
كان في وسع الرئيس هادي توظيف جولة العنف في مطار عدن ذريعة لإعادة نفوذه في المدينة المحرّرة، وتشكيل تحالفات سياسية وعسكرية مع القوى الجنوبية التي لا زالت تدافع عن سلطته، ومواجهة القوى الأخرى التي تستقوي بولاءاتها العابرة للحدود، لكنه، كعادته في تمكين المليشيات، أحنى رأسه لتلك القوى، وأعاد تقاسم السلطة مع القوى الجنوبية الموالية للإمارات، معيناً قائد لواء زايد مسؤولاً عن الحماية الرئاسية التابع له.
كما حاول اليمنيون التكيّف مع الوضع الذي أجبرهم على انتخاب هادي رئيساً، خوفاً من الفوضى، يتقبلون بصبر اليوم الحروب والويلات الناجمة عن دفاعهم عن شرعية يمنيةٍ عاجزةٍ عن الدفاع عن نفسها، والدفاع عن رئيسٍ أهان نفسه وكل اليمنيين.
بشرى المقطري- العربي الجديد-