تصريحان يمنيان، يكشفان مساعي التفاوض السعودي لإنهاء الحرب في اليمن، بالتزامن مع حديث للأمير «محمد بن سلمان» ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع، عن مقدرة التحالف الذي باجتثاث «الحوثي» و«الرئيس المخلوع علي عبد الله) صالح»، خلال أيام قليلة.
حيث كشف سياسي بارز، أنه كان في المملكة بحثا عن تفاوض لم يتم، بينما قال «صالح» إنه رفض عروضا أمريكية وبريطانية وخليجية للتفاوض معه منفردا.
وتسعى السعودية منذ شهور، لوقف الحرب التي تفاقم الأوضاع على الحدود الجنوبية للمملكة، وتزيد الأعباء الاقتصادية، دون تقدم حقيقي تراهن عليه المملكة عسكريا في المدى القريب.
فعلى مدار عامين منذ انطلاق «عاصفة الحزم»، في 26 مارس/ آذار 2015، تواجه السعودية صواريخ شبه يومية على حدها الجنوبي، أسقطت مئات الضحايا بين قتيل وجريح، فضلا عن فاتورة مالية متصاعدة، في بلد تعاني من تحديات اقتصادية، بعد هبوط أسعار النفط، مصدر دخلها الرئيسي.
اجتثثاث خلال أيام
وفي مقابلة مطولة أمس، مع «بن سلمان»، قال إن القوات البرية السعودية «تستطيع أن تجتث ميليشيات الحوثي وصالح في أيام قليلة»، إلا أنه بين أنه سيكون هناك ضحايا بالآلاف في صفوف القوات السعودية وبين المدنيين في اليمن.
وأردف: «الوقت لصالحنا والنفس الطويل لصالحنا».
وفي سؤال حول مستقبل الحرب في اليمن، قال «بن سلمان» إن «الحرب في اليمن لم تكن خياراً بالنسبة للسعودية، كانت أمرا لابد أن نقوم به، وإلا كان سيكون السيناريو الآخر أسوأ بكثير».
وأردف موضحا: «كان هناك انقلاب على الشرعية من قبل ميليشيات إرهابية، وشكلت هذه الميلشيات خطر على الملاحة الدولية، وبدأ النشاط الارهابي ينشط في اليمن استغلالا لعمل هذه الميلشيات».
وبين أنه «لو انتظرنا قليلا سوف يصبح الوضع أكثر تعقيدا وسيصبح الخطر داخل الأراضي السعودية وداخل دول المنطقة وفي المعابر الدولية».
وفي رده على سؤال بشأن وجود مقترحات متكررة من «صالح» وما إذا كانت سبيل لعزل «الحوثي»، قال ولي ولي العهد السعودي: «صالح لديه خلاف كبير جدا مع الحوثي، ونعرف أنه اليوم تحت سيطرة الحوثي وتحت حراسته، لو لم يكن تحت سيطرة الحوثي سوف يكون موقفه مختلف تماما عن موقفه اليوم».
وتابع: «صالح لو خرج من صنعاء إلى أي منطقة أخرى سيكون موقفه مختلف تماما عن موقفه اليوم، اليوم قد يكون مجبرا على كثير من مواقفه».
وفي تعليقه على لقائه مؤخرا مع القبائل اليمنية في الرياض، قال «بن سلمان»: «هناك حماس كبير بين القبائل اليمنية وكلهم يكنون كرها كبير جدا لجماعة الحوثي ويرغبون في التخلص منها في أسرع وقت ليتفرغوا لبرامج تنمية البلاد».
تقدم محدود
وبحسب مراقبين، فان تصعيد «بن سلمان»، يأتي تزامنا مع تقدم ملحوظ، وإن كان بطئيا، على الصعيد العسكري.
ولعل خطوات التحالف الذي تقوده السعودية، نحو ميناء الحديدة، وإعلانه منذ أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، عن اتخاذه استعدادات حثيثة لشن عملية عسكرية كبيرة لاستعادة ميناء الحديدة، دفعت «بن سلمان» لهذا التصعيد.
ومنذ مطلع فبراير/شباط الماضي، بدأت التصريحات تصدر بين الحين والآخر من مسؤولين في الحكومة اليمنية والتحالف، لتؤكد استكمال التحالف عملياته العسكرية، والتوجه صوب محافظة الحديدة في إطار خطته لتحرير المناطق الساحلية من قبضة الميليشيات.
كما تأتي لغة «بن سلمان» التصعيدية، مستندة إلى تغير الموقف الأمريكي واستعداد واشنطن لزيادة الدعم للمعارك، فضلا عن رفع إدارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» لحظر توريد القنابل الذكية التي كان قد فرضه الرئيس السابق «باراك أوباما» بسبب الخسائر في صفوف المدنيين.
ويقترب المسؤولون الأمريكيون من الموافقة على بيع ذخيرة دقيقة التوجيه للسعودية في صفقة أوقفت في عهد «أوباما».
كما أن التعاون بين الولايات المتحدة ودول الخليج في تزايد بالفعل في مجال مكافحة تنظيم «القاعدة» في جزيرة العرب، الذي يتصدر أولويات واشنطن باليمن، والتي كشف عنها عملية الإنزال التي وقعت قبل شهرين في محافظة البيضاء اليمينة.
فضلا عن أن الولايات المتحدة نفذت عددا من الضربات الجوية في اليمن هذا العام أكبر من مجمل ما نفذته من ضربات في 2016، وهو مؤشر واضح على تزايد المخاوف الأمريكية والتركيز على تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وتعمق المشاركة في اليمن.
ويرى مسؤولون أمريكيون أن الحرب الأهلية عقبة في طريق شن حملة عسكرية مستمرة على المتشددين، وأنها تمثل تهديدا لمضيق باب المندب الذي يتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة.
تفاوض مستمر
وتزامن تصريح «بن سلمان»، مع تصريحين آخرين، أحدهما لسياسي بارز، والآخر لـ«صالح»، يكشفان مساعي المفاوضات التي تقوم بها المملكة لإنهاء الحرب.
كما جاء تصريح «بن سلمان»، رغم اللقاء الذي كشف عنه «كامل الخوذاني» وهو قيادي حوثي، والذي عقد في مارس/ آذار 2016، وتم بالمملكة للتفاوض مع الجانب السعودي في محاولة لإنهاء الحرب في اليمن، والناطق باسم الجماعة «محمد عبدالسلام»، بالإضافة إلى «محمد علي الحوثي».
وسبق أن التقى الجانب السعودي وممثلون عن جماعة الحوثي بمدينة ظهران الجنوب السعودية، قبل أكثر من عام، لكن دون أن تسفر هذه اللقاءات عن التوصل إلى أي تفاهامات.
وبحسب مراقبين، فإن عودة استقبال المملكة لوفود الحوثيين أو ساعين للسلام معهم، رغم استمرار الحرب، يعكس إخفاق الحملة العسكرية، وانتهاء الرهان على قدرة الأمير «محمد بن سلمان»، ولي ولي العهد وزير الدفاع، على تحقيق حسم عسكري في اليمن.
وسبق للمغرد السعودي الشهير «مجتهد»، أن قال في أغسطس/ آب الماضي، إن «الحوثيين وصالح فازوا عسكريًا وسياسيًا واستخبارتيًا في المعركة مع السعودية»، مضيفا: «ونحن بقيادة محمد سلمان خسرناها عسكريا وسياسيا واستخباراتيا».
وأضاف: «هي ليست شكوك.. الإمارات متورطة قطعا بالاغتيالات والأمر شبه معلن.. والسعودية تمنع التصريح بذلك حتى لا يقال هذه نتائج عاصفة الحزم».
وعلى الرغم من أن السعوديين يفترضون أن الوقت في صالحهم، إلا أنه مع إطالة مدة الحرب فقد تتصاعد حالة التذمر بسبب ارتفاع تكلفتها في ظل ظروف صعبة نسبيا.
وبحسب تقديرات حكومية سعودية، فإن تكلفة الحرب بلغت مع نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي نحو 130 مليار دولار.
«البخيتي» في المملكة
الناشط السياسي «علي البخيتي»، المنشق عن الحوثيين، قال مساء أمس، إنه غادر السعودية، متوجهاً إلى الأردن، كاشفاً عن عدم تحقيق جهوده بالسلام للنجاح الذي كان يهدف إليه.
ونشر «البخيتي» صورة على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، قال إنها «من مطار جدة مغادراً المملكة».
وأضاف: «لم تتكلل جهودنا بالنجاح هذه المرة، لكننا سنواصل مشوار صناعة السلام في اليمن، أنا وغيري الكثير ممن ساهموا ويساهموا في هذا المسار»، بحسب «يمن برس».
وأضاف: «أشكر السلطات السعودية على دعمها ومساندتها لجهود السلام؛ ولكرم الضيافة وحسن الاستقبال؛ وأشكر المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ على استضافته لي».
وتابع: «أشكر السفراء (الأمريكي والبريطاني والفرنسي ونائبه) الذين تشرفت بزيارتهم لي إلى مقر إقامتي؛ والسفير التركي الذي استضافني في مقر السفارة التركية بالرياض؛ وأشكر كذلك الإخوة الذين تشرفت باستضافتهم لي؛ يمنيين وسعوديين؛ وأعتذر ممن لم أتمكن من تلبية دعواتهم لضيق الوقت».
وأعلن «البخيتي» استقالته من منصبه في المجلس السياسي التابع للحوثيين، في يناير/ كانون الثاني 2015، منتقدا تحركات وتصرفات الحوثيين في صنعاء، عقب اقتحامها.
وعرف عن «البخيتي» انتقاداته العلنية في مواقع التواصل ووسائل الإعلام لممارسات وأخطاء الحوثيين، ودعوته الدائمة لمصالحة سياسية في اليمن.
عروض صالح
في الوقت نفسه، أعلن «صالح»، أنه رفض عروضا أمريكية وبريطانية وخليجية للتفاوض معه منفردا دون حلفائه، في إشارة إلى جماعة «أنصار الله» (الحوثيين).
وفي كلمة له مع قيادات حزبه المؤتمر الشعبي العام، نقلها موقع «المؤتمر نت» التابع له، قال «صالح» إن هناك غزلا دوليا للمؤتمر باعتباره حزبا معتدلا، ودعوات إلى التفاهم معه بشكل منفرد، في مقابل دعوات منفرده أيضا إلى الحوثيين.
وشدد «صالح»، الذي سلم الرئاسة عام 2012 تحت وطأة ثورة شعبية مقابل حصانة من الملاحقة القضائية، على أن «هذا الغزل مرفوض».
ومضى قائلا: «نعم سأتحاور معكم وجها لوجه وبندية كاملة أنا ورفاقي من أنصار الله (الحوثيين) وغير أنصار الله، سواء في صنعاء أو الرياض أو ظهران الجنوب (مدينة سعودية على الحدود اليمنية، احتضنت في مارس/ آذار 2016، مشاورات منفردة بين الحوثيين والجانب السعودي)».
وأضاف: «نتحاور من أجل إيقاف الحرب وفك الحصار ويدنا واحدة (..) هكذا رديت على الأمريكان ورديت على الخليجيين ورديت على البريطانيين الذين يريدون أن يتفاهموا مع صالح.. قلت لهم (...) أوقفوا الحرب، فكوا الحصار، ارفعوا اسم اليمن من تحت البند السابع».
وتابع أن النقطة الرابعة للتفاهم مع المجتمع الدولي هي «استبعاد القرار الدولي رقم 2216»، واصفا إياه بأنه «قرار حرب ولا أعترف به».
وينص هذا القرار على شرعية الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي»، وانسحاب المليشيا من المدن، وتسليم السلاح الثقيل، كما ينص على عقوبات ضد «صالح» وزعيم الحوثيين «عبد الملك الحوثي»، تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يجيز استخدام القوة العسكرية لتنفيذ القرار.
ولم يسبق أن أعلنت واشنطن ولا لندن ولا الرياض عن تقديمها عروضا للتفاوض مع «صالح»، غير أن ثلاث جولات من المشاورات السياسية، رعتها الأمم المتحدة، فشلت في إيجاد حل للصراع في اليمن.
ومنذ 26 مارس/ آذار 2015 تدور حربا في اليمن بين القوات الحكومية والمقاومة الشعبية، مدعومة بتحالف عربي تقوده الجارة السعودية، من جهة، وبين مسلحي الحوثي وصالح، مدعومين من إيران، من جهة أخرى، وذلك بعد أن سيطروا على محافظات يمنية، منها صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
وحتى الآن أودت الحرب في اليمن بحياة أكثر من عشرة آلاف شخص، وجرحت ما يزيد عن أربعين ألفا آخرين، وشردت قرابة ثلاثة ملايين من أصل 27.4 مليون نسمة، وفق الأمم المتحدة، التي حذرت، في مارس/ آذار الماضي، من أن ثلث محافظات اليمن الـ22 بات على شفا المجاعة.
وكالات-