قالت مصادر مطلعة لوكالة «رويترز» إن واشنطن تعمل على إبرام عقود مبيعات أسلحة بعشرات المليارات من الدولارات مع السعودية بعضها جديدة والبعض الآخر قيد الإعداد وذلك قبيل زيارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» للمملكة في وقت لاحق الشهر الجاري.
وستكون السعودية المحطة الأولى في أول جولة خارجية لـ«ترامب» منذ توليه السلطة في 20 يناير/كانون الثاني 2017، في إشارة إلى اعتزامه تعزيز العلاقات مع حليف رئيسي في المنطقة.
وزودت الولايات المتحدة السعودية بمعظم حاجاتها العسكرية بدءا من مقاتلات «إف-15» حتى أنظمة القيادة والسيطرة في صفقات بعشرات المليارات من الدولارات في السنوات القليلة.
وتعهد «ترامب» بتحفيز الاقتصاد الأمريكي بتوفير المزيد من الوظائف في قطاع التصنيع.
وواشنطن والرياض حريصتان على تحسين العلاقات الثنائية التي توترت تحت إدارة الرئيس السابق «باراك أوباما» لأسباب منها تأييده للاتفاق النووي الذي أبرمته القوى العالمية مع إيران؛ خصم السعودية الرئيسي بالمنطقة.
وقالت المصادر إن برامج شركة «لوكهيد مارتن» في الصفقة تشمل بضع بطاريات من نظام الدفاع الصاروخي (ثاد). وتصل تكلف نظام ثاد، مثل ذلك الذي تنشره واشنطن في كوريا الجنوبية، حوالي مليار دولار.
ويجري التفاوض أيضا على منظومة برامج كمبيوتر «سي 2 بي إم سي» للقيادة والسيطرة أثناء المعارك والاتصالات، وأيضا حزمة من قدرات الأقمار الصناعية وكلاهما ستقدمه «لوكهيد».
وتحدثت المصادر شريطة عدم ذكر أسمائها، لأنها غير مخول لها بالحديث عن المفاوضات التي تشمل أيضا عقودا أعلن عنها في السابق أو معدات قيد النقاش منذ سنوات.
ومن بين مثل الصفقات اتفاق قيمته 11.5 مليار دولار لشراء أربع سفن حربية متعددة المهام مع خدمات المرافقة وقطع الغيار كانت وزارة الخارجية الأمريكية وافقت عليها في عام 2015.
وأعقب الاتفاق محادثات للوقوف على قدرات وتصميم السفن، لكنه لم يصبح قط عقدا نهائيا.
وقالت المصادر إن الخطوة المقبلة للسفن ستكون على الأرجح خطاب اتفاق بين البلدين.
وتستخدم البحرية الأمريكية نماذج من السفينة الحربية «ليتورال»، التي تشارك في تصنيعها شركة «لوكهيد مارتن» و«أوستال» الأسترالية لبناء السفن.
وفي حال إتمامها ستكون أول صفقة لبيع تلك السفن الحربية الجديدة لدول أجنبية في عقود.
وتخضع أي مبيعات أسلحة كبيرة إلى الخارج لمراقبة من الكونغرس.
ويتعين على المشرعين أن يأخذوا في الاعتبار شرطا قانونيا يقضي بضرورة أن تحتفظ «إسرائيل» بتفوق عسكري نوعي على جيرانها.
وقالت المصادر أيضا إن ذخائر تفوق قيمتها المليار دولار مشمولة في الصفقة بما في ذلك رؤوس حربية لاختراق الدروع وقنابل موجهة بالليزر من طراز «بيفواي» تصنعها شركة «رايثيون».
وعلقت إدارة «أوباما» الصفقة بسبب مخاوف بشأن الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، وسقوط ضحايا من المدنيين هناك.
وقال مسؤول بالإدارة الأمريكية إن صفقة مبيعات «رايثيون» يجب أن تخضع أولا للمراجعة من بضع وكالات.
ورفض ممثل عن شركة «رايثيون» التعقيب على المبيعات.
بينما قال ممثل عن «لوكهيد» إن مثل تلك المبيعات قرارات بين الحكومات، وإن الحكومة الأمريكية هي أفضل من يتولى شرح وضع أي مناقشات محتملة.
فورة نشاط
وقال أحد الأشخاص المطلعين على مبيعات الأسلحة إن مفاوضات صفقات السلاح تسارعت وتيرتها مع تكثيف التخطيط لزيارة «ترامب» للسعودية في الأسابيع القليلة الماضية.
وقال مسؤولان أمريكيان إن مجموعة عمل أمريكية-سعودية اجتمعت في البيت الأبيض يومي الاثنين والثلاثاء لمناقشة الزيارة وأيضا تمويل شراء عتاد عسكري ووقف تمويل الإرهابيين.
والتقى وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» ومسؤولون سعوديون آخرون مع نواب أمريكيين في مبنى الكونغرس (الكابيتول) يوم الخميس ومن بينهم عضوا مجلس الشيوخ السناتور «بوب كوركر» والسناتور «بن كاردن» من لجنة العلاقات الخارجية.
وقال مسؤولون بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية إن السياسة الأمريكية هي عدم التعقيب على صفقات الدفاع الأمريكية المحتملة لحين إخطار الكونجرس رسميا.
وعرضت إدارة «أوباما» على السعودية أسلحة تزيد قيمتها عن 115 مليار دولار. وأصبحت أغلب عروض الأسلحة في عهد «أوباما»، التي جرى إخطار الكونجرس بها، اتفاقات رسمية إلا أن بعضها جرى إلغاؤها أو تعديلها.
وتقدم واشنطن أيضا خدمات الصيانة للأسلحة والتدريب لقوات الأمن السعودية.
كسب رضا الحليف الأمريكي
ويسعى الملك «سلمان بن عبدالعزيز» إلى كسب رضا الحليف الأمريكي عبر ضخ مبالغ مالية ضخمة في الاقتصاد الأمريكي، وهو دعم تحتاجه إدارة «ترامب» لتثبيت دعائم قيادتها لأقوى بلد في العالم، وللمضي قدما بحاجة في خطط إنعاش الاقتصاد الداخلي.
وفي 27 أبريل/نيسان المنصرم، كشف مصدر خليجي مطلع، لـ«الخليج الجديد»، أن السعودية رصدت 56 مليار دولار لدعم الإدارة الأمريكية خاصة في مشروع «ترامب» لتطوير البنية التحتية الأمريكية.
وآنذاك، قال المصدر المطلع أن المبلغ الذي رصدته المملكة لدعم إدارة «ترامب» يعد ضخماً خاصة في ظل ضغوط مالية تواجهها الرياض مع تدهور أسعار النفط، لكن المقابل الذي يريده الملك «سلمان بن عبدالعزيز» ونجله ولي ولي العهد «محمد بن سلمان»، أيضا، ضخم، وربما يستحق ذلك.
وأوضح المصدر أن «بن سلمان» (31 عاما) يعول كثيرا على دعم إدارة «ترامب» لخطوة اعتلائه عرش المملكة خلفاً لوالده، خاصة أن ذلك المخطط يواجه بمعارضة شديدة من أطياف داخل العائلة الحاكمة السعودية التي تضمر عدم رضا على تجاوز كبار العائلة ومنح المنصب الأرفع بالمملكة لشاب لا يزال في سن صغيرة وحديث عهد بمسائل الحكم.
وعلى الرغم من التوقعات بتقليص حيازة المملكة من أذونات وسندات خزانة أمريكية بعد إقرار قانون «قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب»، المعروف اختصارا باسم «جاستا»، إلا أن ما حدث كان العكس؛ حيث رفعت السعودية حيازتها من تلك السندات خلال الأشهر الأربعة من نوفمبر/تشرين الثاني 2016 (عندنا فاز «ترامب» بانتخابات الرئاسة) وحتى نهاية يناير/كانون الثاني 2017 إلى 112.3 مليار دولار، بزيادة بلغت نسبتها 25.6 %.
وتسير بخطى متسارعة خطوات تهيئة الساحة داخليا وخارجيا لـ«بن سلمان» لخلافة والده على عرش المملكة، حسب مراقبين.
ومن ذلك الأوامر الملكية الأخيرة الذي عززت نفوذ إمراء من الشباب مقربين من «بن سلمان» في هيكلية الدولة السعودية، وأطاحت بشخصيات أخرى قد لا تفضله.
كما تضمنت تلك الأوامر الملكية تعيين الأمير «خالد»، شقيق «بن سلمان»، سفيرا للمملكة لدى أمريكا، والأخير ستكون مهمته الأولى، حسب المراقبين، رفع أسهم ولي ولي العهد السعودي لدى إدارة «ترامب».
ويصب في هذا الصدد، الجولة الأسيوية التي أجراها العاهل السعودية (خلال شهري فبراير/شباط ومارس/آذار الماضيين)، والتي شملت الصين واليابان وماليزيا وإندونيسيا وبروناي، وكان أحد أهم أهدافها تهيئة الساحة الدولية للقبول بنجله ملكاً، حسب مراقبين.
إضافة إلى الزيارة التي أجراها الأمير الشاب إلى الولايات المتحدة الشهر الماضي، والتي عقد خلالها مباحثات مع الرئيس الأمريكي.
ويترافق ذلك مع اتساع نفوذ «بن سلمان» داخلياً، وتقديمه على أنه رجل الحرب والسلام؛ فهو يقود الحرب في اليمن من جهة، ويقود مسيرة الإصلاح في المملكة من جهة ثانية.
رويترز-