سياسة وأمن » حروب

هل باتت السعودية وإيران على شفير الحرب؟

في 2017/05/10

مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-

استدرج الموقف الذي أعلنه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من إيران سلسلة ردود فعل عنيفة من قبل المسؤولين الإيرانيين، الذين هدّدوا بإشعال المملكة العربية السعودية باستثناء مكة المكرّمة والمدينة المنوّرة، وظهر الأمر وكأنها طبول الحرب بدأت تُقرع في أكثر من مكان في  منطقة الخليج، وهذا الصخب الإعلامي لن يؤدي بالضرورة إلى سلَ السيوف واستنفار القوى وتحضير المدافع وراجمات النار، ولكن هل تريد كل من السعودية وإيران الدخول في هذا الصدام؟ الجواب هو: حتماً لا، وطالما الحال هكذا، لماذا جاء كلام الأمير ابن سلمان في هذا التوقيت بالذات، وفي في ظل الحديث عن "رؤية 2030" التي من المفترض أن تحمل بذور استنهاض للحالة الاقتصادية في البلاد؟!

مكة هدف إيراني

"كيف تتفاهم مع واحد أو نظام لديه قناعة راسخة بأن نظامه قائم على إيديولوجية متطرفة منصوص عليها في دستوره ومنصوص عليها في وصية الخميني بأنه يجب أن يسيطر على مسلمي العالم الإسلامي ونشر المذهب الجعفري الإثني عشري الخاص بهم في جميع أنحاء العالم الإسلامي حتى يظهر المهدي المنتظر؟!".. هذا ما قاله الأمير ابن سلمان حرفياً في مقابلته التلفزيونية مع قناة العربية الثلاثاء 2 مايو/ أيار الماضي، والأخطر في كلامه جاء في تتمة الحديث، فقال: "نعرف أننا هدف رئيسي للنظام الإيراني، الوصول لقبلة المسلمين هدف رئيس للنظام الإيراني، لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سنعمل لكي تكون المعركة لديهم في إيران وليس في السعودية".

المعركة في أرض الخصم

باتت السعودية وقبلة المسلمين فيها (مكة المكرّمة) هدفاً للنظام الإيراني، والتمثيليات السابقة أيام رفسنجاني لم تعد تجدي نفعاً، فالكل في إيران من نسيج واحد، إصلاحياً كان أم متشدداً أو معتدلاً، والكل يسير على نهج رسمه الخميني، وطالما أن هناك نظاماً يعمل لتحضير البيئة الخصبة لوصول المهدي المنتظر فإن أي اتفاق معه لن يكون سوى ضرب من الوهم والخيال، ولذلك فإن الوسيلة الفضلى للتخلص من تهديد هذا النظام هي عدم الإنتظار ونقل المعركة إلى أرض الخصم، ولا بد من أن هذه المعركة تستلزم توفّر أدواتٍ مختلفة وفاعلة، وامتلاك القدرات المالية والاستعدادات اللوجستية والفنية والتقنية، ولا تنفصل المعركة الفكرية والثقافية والدينية والإعلامية عن المعركة العسكرية والأمنية، وكل ذلك مطلوب اليوم قبل الغد لتلافي الاجتياح الإيراني الوشيك".

إيران والسعودية ضدان لا يلتقيان

لا يشك أحد أو يتوهّم أن السعودية وإيران لا تقفان على طرفي نقيض سياسي وديني وعقائدي، فتاريخ كل من الكيانين يزخر بالعدائية المضمرة، التي ظهرت إلى العلن في كثير من المناسبات والمحطات، ولئن مرّت فترة زمنية يسيرة من التفاهم أيام حكم الرئيس الراحل هاشمي رفنسجاني لإيران بين عامي 1989 و1997، إلا أن هذا التفاهم لم يكن ليحصل لولا تضافر مجموعة من الظروف الإقليمية، والخليجية خصوصاً، التي حتّمت آنذاك تقارباً هشّاً بين الطرفين، فضلاً عن براغماتية رفسنجاني ودبلوماسيته في التعاطي مع الملفات المختلفة وميله إلى الانفتاح على العالم في سياسته الخارجية، ولئن تعدّدت المواقف السعودية التي تنتقد وتهاجم إيران، إلا أنها المرّة الأولى التي يتم فيها التعبير عن تجذّر هذه العدائية والقطع بعدم إمكانية الاتفاق لا حاضرًا ولا مستقبلاً، وكأن هذين الكيانين متضادان كخطين متوازيين لا يمكن أن يلتقيا أو يجتمعا بأي حال من الأحوال بحسب تأكيد ابن سلمان.

مواقف مدروسة

وعليه نسأل: ما هو الهدف من هذا التصعيد، لا سيما أنه جاء في وقت خمدت فيه النيران التي اشتعلت بين الطرفين بعد حادثة الحرم المكي ومقتل المئات من الحجاج الإيرانيين، وبعد الإعلان عن إمكانية استئناف الإيرانيين إقامة مراسم الحج هذا العام؟! يجب عدم التقليل من أهمية تصريحات الأمير الشاب فهي لم تكن سقطة إعلامية، ولا خطأً في تقدير الموقف، ولا حماساً اقتضاه سياق المقابلة أو رداً على سؤال استفزازي من قبل مضيفه الإعلامي داود الشريان، بل إن أي تحليل لمضمون هذه العبارات سيخلص إلى أن كل كلمة جاءت دقيقة في اختيارها، ومرتّبة في تنسيقها وبشكل فائق التنظيم والانسيابية في سياق البلاغة السياسية، وهذه التصريحات هي الأقوى التي صدرت عن مسؤول سعودي بهذا المستوى بشكل علني، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التغاضي عن فحواها وجدّيتها.

حما الله المملكة

تؤكد مصادر مطّلعة على كواليس القرار السعودي أن ليس هناك نيّة مبيّتة ولا توجهاً رسمياً في تأجيج الخلاف بين السعودية وإيران ودفعه إلى حد الصدام، فلا الساحة الداخلية السعودية مهيّأة لمثل هكذا مواجهات، لا سيما في ظل الاستنزاف العسكري على جبهة اليمن، والأزمة المالية التي تعصف بالمملكة، ولا القيادات السعودية تستسيغ مثل هذا الصدام لأنه سيؤدي إلى المزيد من الضعف والشرذمة التي تعتري البنية التنظيمية للحكم، ووضعت المصادر نفسها هذه المواقف في خانة الخطاب الموجّه إلى الشارع المحلي، في محاولة لشدّ عصب الجمهور السعودي من باب التخويف من الجار الإيراني النووي العملاق، في ما يشبه الصعقة الكهربائية التي تجعل من السعوديين يستنفرون أنفسهم للنهوض وتبنّي ما طرحه ابن سلمان في "رؤية 2030"، والتعمية على الأزمات التي تنتظر السعودية بحسب كلام ابن سلمان نفسه، وكذلك للتغطية على الفشل الذي لا تزال المؤسسات السعودية المختلفة تعانيه في لجم التدهور الاقتصادي والمعيشي، الذي بات يهدّد فعلياً استمرار ووجود وتاريخ وكل منجزات آل سعود عبر التاريخ.. حما الله المملكة.