في عام 1974، أصبح «ريتشارد نيكسون» أول رئيسٍ أمريكي يزور السعودية و(إسرائيل)، فضلًا عن سوريا، سعيا إلى تحقيق الانتصارات في الخارج، ولتحويل الانتباه عن فضيحة ووترغيت التي كانت تتصاعد آثارها في الداخل.
لقد كانت رحلة ناجحة للرئيس المحاصر. وقد روج لعملية سلام جديدة وتحدث عن إعادة تنظيم إقليمية لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط بعد حرب 1973. واحتفى القادة به. واصطفت الحشود تلوح بالأعلام في الشوارع، حتى في دمشق.
لكن لم تغير تلك الزيارة كثيرًا من مصيره. فقد استقال «نيكسون» بعد تلك الرحلة بشهرين.
وفي نهاية هذا الأسبوع، يحاول «دونالد ترامب» الهروب من الاضطرابات التي تواجه رئاسته بجولة في الشرق الأوسط. كما أنه سيتوقف في المملكة العربية السعودية و(إسرائيل). وسيتحدث أيضًا عن السلام في الشرق الأوسط وإعادة التنظيم الإقليمي، وهذه المرة قد يشكل ائتلافًا يتألف من (إسرائيل) والممالك السنية المحافظة في الخليج والمصريين والأردنيين. ومن المتوقع أيضًا أن يتم الاحتفاء به.
وفي رحلته الرئاسية الأولى خارج البلاد، يحاول «ترامب» التقريب مع الديانات السماوية الثلاث. وقال أنّه سوف يزور مهد الإسلام، وموطن اليهود، ومسقط رأس يسوع في بيت لحم، ثم الفاتيكان. وقال مستشار الأمن القومي «ماكماستر» للصحفيين يوم الجمعة: «إنّ ما يسعى إليه الرئيس ترامب هو توحيد شعوب جميع الديانات حول رؤية مشتركة للسلام والتقدم والازدهار». وقال مسؤولٌ كبيرٌ في الإدارة أنّ هدف «ترامب» هو «التأكد من أن تعمل الأديان الثلاثة معًا».
وتعد السعودية خيارًا غير عادي كمحطة خارجية أولى لـ«ترامب»، نظرًا لموقفه تجاه البلاد خلال الحملة الرئاسية. وقد اشتكى من أنّ الولايات المتحدة تدعم المملكة «بتكلفة هائلة»، دون أن تحصل على أي شيء في المقابل. وقد ربط المملكة بهجمات 11 سبتمبر/أيلول. وكتب «ترامب» على صفحته على فيسبوك: «تريد السعودية والعديد من البلدان التي قدمت مبالغ كبيرة من المال لمؤسسة كلينتون معاملة النساء كعبيد وتريد قتل المثليين»، كما قال لرويترز: «بصراحة، لم تعاملنا السعودية على نحوٍ عادل، لأننا نفقد قدرًا هائلًا من المال في الدفاع عن المملكة».
حليف من الدرجة الثانية
وبالنسبة للولايات المتحدة، تعد المملكة حليفًا من الدرجة الثانية، في أحسن الأحوال. وينتقد تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان، الصادر عن إدارة «ترامب» في مارس/آذار، النظام السعودي بسبب واحدٍ من أسوأ سجلات حقوق الإنسان في العالم. وفي قائمة الممارسات السيئة، تشير وزارة الخارجية إلى العنف ضد المرأة، والقيود المفروضة على حرية التعبير والتجمع والحركة والدين، والاعتقالات التعسفية، والحرمان من إجراءات التقاضي القانونية الواجبة، ومحاكمة الناشطين في مجال حقوق الإنسان والإصلاحيين، وإساءة معاملة السجناء، والتمييز المتفشي على أساس الجنس والدين والعرق والطائفة. وأضافت الوزارة قائلةً: «إنّ انعدام الشفافية الحكومية وإمكانية الوصول إلى المعلومات جعل من الصعب تقييم حجم العديد من مشاكل حقوق الإنسان المبلغ عنها».
وقال البيت الأبيض أنّ السعودية قد تواصلت مع «جاريد كوشنر» وغيره من الأشخاص الذين لم يكشف عنهم بعد وقتٍ قصيرٍ من الانتخابات للتشجيع على الزيارة المبكرة. وفي الرياض، سيجتمع «ترامب» مع الملك «سلمان»، الذي يعقد قمة مع ستة من قادة دول الخليج، بالإضافة إلى العشرات من كبار المسؤولين في المنطقة. وسيبدأ في بناء تحالفه الجديد من قادة الدول المحافظة في الشرق الأوسط أيضًا.
وقال «ماكماستر»: «سيقدم (ترامب) رسالة قوية ومحترمة بأنّ الولايات المتحدة، والعالم المتحضر بأسره، تتوقع من حلفائنا المسلمين اتخاذ موقفٍ قويٍ ضد الأيديولوجية الإسلامية الراديكالية التي تستخدم تفسيرات منحرفة من الدين لتبرير الجرائم ضد الإنسانية جمعاء. وسيدعو القادة المسلمين إلى تعزيز الرؤية السلمية للإسلام».
وهذه هي نفس الرسالة التي نقلها مرارًا الرئيسان «جورج دبليو بوش» و«باراك أوباما» على مدى الأعوام الستة عشر منذ هجمات القاعدة عام 2001. وقد انتهى الأمر بكلا الرجلين إلى الإحباط تجاه البلد الذي أنتج الوهابية، وهي العلامة التجارية المحافظة للإسلام.
وفي أول زيارة له إلى المملكة، حاول «أوباما» إقناع الملك «عبد الله» بإعطاء بادرة ملموسة للمساعدة في إحياء عملية السلام. كما اعتقد أنّ موظفيه قد توصلوا إلى اتفاق من أجل استيعاب النظام الملكي لجميع السجناء المتبقين في خليج غوانتانامو. وقال «بروس ريدل»، وهو عضو سابق في هيئة المخابرات المركزية والبنتاغون، والعضو في مجلس الأمن القومي، ومؤلف كتاب يصدر قريبًا عن العلاقات الأمريكية السعودية، أنّ الملك لم ينجز أي خطوة في أي من الملفين.
وقال لي: «لقد كانت كارثة. زار أوباما السعودية أكثر من أي رئيس. وباع أيضًا المزيد من الأسلحة إلى المملكة، بقيمة 112 مليار دولار. ولم يحصل في مقابل ذلك إلا على القليل».
وكان «فرانكلين روزفلت» أول رئيسٍ أميركيٍ يعقد قمة مع زعيمٍ سعودي عام 1945، بعد مؤتمرٍ مع تشرشل وستالين. والتقى الملك «عبد العزيز بن سعود»، مؤسس الدولة السعودية الحديثة، على متن سفينة يو إس إس كوينسي، في قناة السويس. وقد ناقشا خططًا لخلق وطن لليهود الأوروبيين في فلسطين. وعارض الملك بشدة هذه الفكرة. إلا أنّ الزعيمين توصلا إلى اتفاقٍ حول عقدٍ استمر لسبعة عقود شهدت فيها الولايات المتحدة ثلاثة عشر رئيسًا وشهدت السعودية خمسة من الملوك، وذلك بحصول المملكة على الدعم العسكري الأمريكي مقابل حصول الولايات المتحدة على النفط السعودي.
وتفيد التقارير بأنّ إدارة «ترامب» تقترب من حسم صفقة أسلحة ضخمة بقيمة مائة مليار دولار، على الرغم من أنّ أساس الصداقة بين البلدين يبدو أقل اليوم، نظرًا للاكتفاء الذاتي المتنامي في الطاقة في الولايات المتحدة وتزايد الأسئلة حول سياسة السعودية على المدى الطويل.
وقدم الملك «سلمان» خطًا جديدًا للخلافة عين من خلاله ابنه البالغ من العمر واحد وثلاثين عامًا، وهو «محمد بن سلمان»، وليًا لولي العهد، متجاوزًا العشرات من الأمراء في العائلة المالكة. ويشغل «محمد بن سلمان» مناصب وزير الدفاع وولي ولي العهد ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، والذي يرسم أدوارًا مستقبلية اقتصادية جديدة، تجعله ثاني أقوى رجل في المملكة. ويقال بأنّه يتخذ العديد من القرارات الرئيسية في السعودية. وهو صاحب المبادرة للتدخل في اليمن عام 2015، في حربٍ تتجاوز تكلفتها التدخل الأمريكي في فيتنام. ويعتمد السعوديون على الطائرات الحربية الأمريكية والعتاد الأمريكي لشن حملتهم العسكرية. وفي ربيع هذا العام، عين الملك ابنًا آخر من أبنائه ليكون السفير الجديد لدى الولايات المتحدة.
إلى (إسرائيل)
ومن المقرر أن يجتمع «ترامب» في (إسرائيل) مع رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» لبحث الخطوات الأولى في عملية السلام. ويملك الرجلان علاقاتٍ وثيقة، من خلال أسرة «كوشنر»، التي شاركت منذ زمنٍ طويل في قضايا إسرائيلية. وفي زيارة للولايات المتحدة قبل عدة أعوام، أقام «نتنياهو» في منزل آل كوشنر، ونام في غرفة نوم «جاريد». وعلى الرغم من تلك العلاقات، ذكرت الصحف الإسرائيلية أنّ «نتنياهو» يشعر بالتوتر حول ما يظهره «ترامب» من علاماتٍ قليلة على فهم التاريخ أو الدبلوماسية.
ومن المقرر أن يتوجه «ترامب» إلى بيت لحم، مسقط رأس (المسيح)، والواقعة الآن في الضفة الغربية، للقاء الرئيس الفلسطيني «محمود عباس». وقد اجتمع الجانبان فى وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر فى واشنطن عندما أعرب «ترامب» عن ثقته بإمكانية تحقيق السلام بين (إسرائيل) والعرب. وقال فى مؤتمرٍ صحفيٍ مشترك: «إنّه أمرٌ أعتقد بصراحة أنّه ليس صعبًا كما يعتقد الناس». وفي الأسبوع الماضي، أعرب «عباس» عن استعداده للاجتماع مع نظيره الإسرائيلي دون شروط مسبقة مثل وقف المستوطنات الجديدة في الضفة الغربية. وبينما يتحدث «ترامب» عن السلام في الشرق الأوسط باعتباره صفقة أخرى يجب أن يتم التعامل معها، فإنّ القضايا الأساسية، بما فيها وضع القدس، التي يطالب بها كل من الإسرائيليون والفلسطينيون لتكون عاصمةً لهم، تظل شائكة وعقبة أمام «ترامب»، كما كان الوضع مع كل رئيس منذ نيكسون.
وقد يحصل «ترامب» على أروع استقبالٍ في الفاتيكان. وقد أشاد «ترامب» في البداية بانتخاب البابا فرنسيس عام 2013. وقال «ترامب»، في يوم عيد الميلاد عام 2013: «إنّ البابا الجديد رجلٌ متواضع، مثلي تمامًا، وربما هذا هو السبب في أنني أحبه كثيرًا». لكنّ الرئيس، الذي راكم المليارات من العقارات، والبابا، الذي تجنب القصر الرسولي ليعيش حياة طبيعية في بيت الضيافة، لديهما بالتأكيد وجهات نظر مختلفة حول العالم بشكلٍ واضح. وخلال الحملة الرئاسية الأمريكية، كتب البابا على موقع تويتر: «الشخص الذي يفكر فقط في بناء الجدران، وليس بناء الجسور، ليس مسيحيًا». ووصف «ترامب» التعليق بـ «المشين"».
وعارض البابا قرار سابق لـ«ترامب» بحظر المسافرين من سبع دول إسلامية، وقال: «في كثيرٍ من الأحيان في الكتاب المقدس يطلب منا الرب الترحيب بالمهاجرين والأجانب، مذكرًا إيانا بأننا أيضًا أجانب».
وقال البابا «فرنسيس» في طريقه من البرتغال إلى الوطن، يوم السبت، للصحفيين أنّه سيكون صريحًا مع الرئيس ولكن باحترام. وقال البابا: «لم أكن أبدًا لأحكم على شخص دون أن أسمعه». وأوضح البابا «فرنسيس» أنّه في محادثاته مع زعماء العالم يبحث دائمًا عن الأبواب المشتركة المفتوحة لبناء اتفاق متبادل.
ولم يسبق للرئيس «ترامب» التوسط أبدًا في عملية سلام. وعلى عكس «ريتشارد نيكسون»، لم يتفاوض أبدًا على اتفاقٍ دبلوماسيٍ تحويلي. وقد يقدم الشرق الأوسط الآن قد ظروفًا مناسبة أكثر. لكن من غير المحتمل أن تسفر الرحلة عن تحولاتٍ كبيرة أو أن تغير التحديات الخطيرة التي سيواجهها «ترامب» حين يعود إلى بلده.
روبن رايت - ذا نيويوركر- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-