أحمد الرضيمان- الوطن السعودية-
ما تقدم في العنوان هو ما قاله قبل أيام أحد مدَّعي الإصلاح ممن ترك وطنه المسلم ومجتمعه وناسه، وذهب للإقامة في بلد الكفار، ليتخذه مأوى لمعاداة وطنه، بدعوى الإصلاح، وما أكثر ما ظُلمت هذه الكلمة الطيبة (الإصلاح) من دعاة الفتن والشر، الذين إذا قيل لهم لا تفسدوا ولا تزعجوا الناس بغوغائيتكم وسفاهتكم، والزموا العافية، وما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من السكينة والصبر وعدم منازعة الأمر أهله، قالوا: إنما نحن مصلحون، هذا المسلك المنحرف الذي سلكوه هو طريقة المفسدين، بدءاً من المنافقين في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، الذين قال الله عنهم: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولَكن لا يشعرون)، مرورا بابن سبأ الذي هيَّج الناس وأثارهم على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه تحت ذريعة (الإصلاح)، وكان من ادعاءاته التي ينشرها بين الناس بهدف الإثارة أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يُصلح الأخطاء في عماله، وأنه ولّى أقاربه، وأضاع المال العام، وصار يتحدث بذلك، فتجمَّع حوله الهمج الرعاع، ممن لا يعرف المنهج الشرعي، ولا يعرف حقائق الأقوال والشعارات، وإنما هم أتباع كل ناعق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولمّا قدم المفسدون الذين أرادوا قتل عثمان رضي الله عنه، وشكوا أمورا أزالها كلها عثمان، حتى أنه أجابهم إلى عزل من يريدون عزله، وإلى أن مفاتيح بيت المال تُعطى لمن يرتضونه، ولم يبق لهم طلبٌ، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: مصصتموه كما يمص الثوب ثم عمدتم إليه فقتلتموه).
فتبيَّن أن شعار الإصلاح الذي رفعوه، ومطالبهم التي يوهمون الناس بها، ما هي إلا ذريعة لإثارة الناس على الحاكم وقتله، ولهذا لما تم قتل عثمان رضي الله عنه نادى منادٍ منهم إنه لم يحل لنا دم الرجل، ويحرم علينا ماله؛ ألا إن ماله حلال لنا، فنهبوا ما في البيت، فعاث رعاعهم في البيت فسادًا، ونهبوا كل ما في البيت، ثم تنادوا وقالوا: أدركوا بيت المال، وخذوا ما فيه، فانظر - أيها القارئ الكريم - يدَّعون الاهتمام بحفظ بيت المال، ويتهمون أحد الخلفاء الراشدين، الذي جهز جيش العسرة، وتستحي منه الملائكة، فلما تولوا سقطت الأقنعة، ونهبوا بيت المال، بعد أن قتلوا إمام المسلمين، وسعوا في الأرض الفساد.
هذا المسلك الذي سار عليه ابن سبأ، هو تماما ما يسير عليه ورثته في المنهج والفكر، وقبل عشرين عاما بعد أزمة الخليج ادَّعى بعض الناس الإصلاح، متسترين بلباس الدين والعلم الشرعي، مع أنهم ليسوا من المتخصصين في العلم الشرعي، وإنما هم حركيون حزبيون، ولو تخصصوا فيه لعلموا أن العلم الشرعي يدعو إلى السمع والطاعة لإمام المسلمين والصبر حتى وإن بدا منه أثرة واستبداد، لما جاء في صحيح البخاري: (ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)، ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس، وأفصح الناس، وأنصح الناس، وأشجع الناس، وأتقى الناس، ومع هذا اختار كلمة (اصبروا) لم يقل: اخرجوا، أو اشجبوا، أو تظاهروا، وإنما قال: (اصبروا)، وقال أيضا في حديث آخر (أعطوهم الذي لهم، واسألوا الله الذي لكم)، وهذا ما لا يطيق العمل به الغوغائيون من مدّعي الإصلاح، كما أن العلم الشرعي يدعو إلى عدم منازعة الأمر أهله، ويحذِّر من الفتن والغوغاء والتحزبات الضالة، والإثارة التي لا يستفيد منها إلا أعداء الإسلام، ولهذا نجد الكفار يستقبلون هؤلاء المرجفين ويدعمونهم، وأذكر لما أصدروا نشراتهم ومذكراتهم في تلك الفترة، أني قلتُ للطلبة آنذاك هؤلاء ليسوا أهل نصح، وإنما هم أهل إثارة وفتنة، فهم يكتبون للحاكم مما يزعمونه نصيحة ومطالب شرعية، ثم ينشرون ما يكتبون للعالم، وهذا ليس من النصح في شيء، لأن الناصح يبدي ما لديه للمنصوح بسرية تامة، فإن قبل فهذا المطلوب، وإن لم يقبل فقد برأت ذمته، هذا في حق آحاد الناس، فكيف في حق إمام المسلمين، واليوم اعترف من تولى كِبَر الإفك والفتنة، وصار معارضا يسكن في بلد الكفر، أنه ومن معه فعلا لم يريدوا الإصلاح برسائلهم تلك وإنما أرادوا إثارة الناس، والنصائح الموجهة من قبلهم للحاكم إنما هي ذريعة فقط، هذا ما قاله بلسانه، فقد سمعته في حوار مع أحد الحاقدين على بلادنا من حزب الإخوان يقول:( ليس الهدف تحقيق الإصلاح مع الدولة، الهدف أن يقتنع الناس بصراع جماهيري، ليكون الناس مهيئين لخطوة تالية من خطوات التغيير).
ويقول كذلك ما نصه: (كان هدفنا الجماهير، وليس الحاكم، وإرسالنا إلى الحاكم ما هو إلا ذريعة حتى نصل إلى الجمهور).
فهل هذا هو الإصلاح، الذي أمر الله به ورسولُه؟!
ومن ضلالهم كذلك أنهم يجمعون التواقيع - كما اعترف بذلك - ويوهمون من يوقع أنها سرية، ثم يعلنونها، ولما سأله محاوره: عن جواز ذلك، قال: نحن المورِّطون، نورِّط الناس.
وإذا كان هذا هو الواقع، كان حريا بهم أن يسموا حركتهم، المورِّطون الكاذبون، بدل الإصلاح والمصلحون، لأجل أن يطابق الاسم المسمى.
والعجيب أنه يكفِّر دولتنا، ولا أدري ما هي الدولة الإسلامية في نظره ما دام أنه يرى تكفير بلادنا، هل هي الدولة التي آوته، أم نظام إيران وأدواتها، أم أنه لا توجد دولة إسلامية على وجه الأرض، والناس عنده في جاهلية عامة.
أسأل الله أن يهديهم لترك هذا المسلك السبئي الوخيم، وأن يوفقهم إلى الهدي النبوي القويم، وما ذلك على الله بعزيز.