أكبر شهيد أحمد - هاف بوست-
توجه الاتهامات لحكومة الإمارات العربيية المتحدة بإخضاع مئات المدنيين في أفقر بلد في الشرق الأوسط للاحتجاز القسري في ظروف غير إنسانية تماما، وتعريضهم للتعذيب الذي يتضمن ربطهم في أسياخ وإحراق لحومهم بالنيران، فضلا عن الضربات الجوية التي أدت إلى مقتل الآلاف في المدارس والمستشفيات، في حين تعرقل تلك الحكومة جميع عمليات تسليم المساعدات لأكثر من 5 ملايين شخص يقتربون من حافة المجاعة ويعانون انتشارا لم يسبق له مثيل لوباء الكوليرا يصيب العشرات يوميا.
وقد اعترفت المملكة العربية السعودية علنا بأنها مسؤولة عن الأزمة في اليمن بسبب حملتها العسكرية التي استمرت لعامين ونصف العام ضد المسلحين المرتبطين بمنافستها الإقليمية إيران. غير أن حليفها الرئيسي في هذه الحملة، وشريكة الولايات المتحدة الأمريكية، تملصت من المساءلة عن دورها في ما وصفه المسؤولون الأمريكيون بـ «مئات الانتهاكات المحتملة للقانون الإنساني الدولي، وخلق فراغ أمني يستفيد منه القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المسلحة الأخرى».
والآن، قد يكون وقت تغير المد.
ويوم الخميس، أصدر الخبير العسكري «وليام هارتونغ» من مركز السياسة الدولية أول تقرير شامل عن العديد من الطرق التي تساعد بها دولة الإمارات في زيادة معاناة اليمن. ويهدف هذا التقييم إلى سد الفجوة في النقاش المتزايد حول حكمة خيارات السياسة الأمريكية في اليمن.
وقال «هارتونغ» إن «دور الإمارات في حرب اليمن لم يحظ بالاهتمام الذي يستحقه». وأضاف أنهم «متحمسون جدا للإبقاء على صورتهم كدولة خليجية جيدة».
وقد أعطت كل من إدارتي «أوباما» و«ترامب» الإذن بمشاركة بعثتين أمريكيتين منفصلتين، ولكن متشابكتين، في اليمن. الأولى عبارة عن مهمة طائرات أمريكية صغيرة ومتغيرة باستمرار، بما في ذلك الطائرات بدون طيار، وقوات العمليات الخاصة، التي تستهدف المتشددين المرتبطين بشبكات الإرهاب الدولية. وغالبا ما تعمل هذه القوة مع الإمارات، مثل الغارة الناجحة بعد فترة وجيزة من تنصيب الرئيس «ترامب».
والثانية عبارة عن بعثة دعم أمريكية للائتلاف السعودي الإماراتي الذي يقاتل في المقام الأول المقاتلين الحوثيين المتحالفين مع إيران، وتوفر تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتزود بالوقود الجوي للطائرات المقاتلة، والدفاع عن الأراضي السعودية من الهجمات عبر الحدود. وفي عهد ترامب، أذن المسؤولون بمزيد من الضربات الأمريكية المضادة للإرهاب في اليمن، وبحثوا توسيع الدعم للتحالف السعودي الإماراتي رغم جرائم الحرب المزعومة.
ويربط تقرير «هارتونغ» دولة الإمارات بالعديد من الجوانب الأكثر إثارة للجدل في سجل التحالف منذ دخوله لأول مرة إلى اليمن في مارس/آذار عام 2015، بدعوة من الحكومة المعترف بها دوليا. ويسلط التقرير الضوء على المسؤولية الأمريكية في تجهيز وتمكين الإمارات من التصرف كما هي عليه.
كشف النقاب
ويلاحظ، على سبيل المثال، أن الإمارات تقوم بتدريب وقيادة ما لا يقل عن خمسة كتائب يمنية لم تعد تقدم تقاريرها إلى حكومة البلاد، الأمر الذي يضر بفرص الاستقرار طويل الأجل. كما أنها تساهم من خلال سفن أمريكية مسلحة في حصار اليمن ومنع المساعدات من الوصول إلى السكان المدنيين اليائسين، ومنع تسليم الرافعات التي تشتريها الولايات المتحدة بهدف المساعدة على تفريغ مواد الإغاثة في ميناء يمني أساسي.
ويشير التقرير أيضا إلى ارتباط الإمارات ارتباطا وثيقا بحملة القصف الوحشية التي أساءت لسمعة التحالف. ومنذ عام 2009، أنفقت البلاد أكثر من مليار دولار على شراء أنواع من القنابل أمريكية الصنع لاستخدامها في اليمن. وتعد قواتها الجوية المتلقي الرئيسي للوقود الجوي الأمريكي.
وتعقد النتائج التي توصل إليها التقرير السرد الذي أصبح شعبيا في واشنطن حول الحرب، حتى بين منتقدي الحرب، وهو أن دولة الإمارات تقوم بالشيء الصحيح، في استهدافها للقاعدة والمسلحين الآخرين، وأن أخطاء الحملة الجوية تتحملها السعودية.
ويقول المدافعون عن حقوق الإنسان مثل «كيت كيزر»، من مشروع السلام اليمني، إن الإمارات تستحق حصتها من اللوم لأنه من المعروف أنها تقوم بطلعات جوية فوق اليمن بدعم وأسلحة أمريكيين، ولم يوفر التحالف أي وسيلة لمعرفة ما إذا كانت القنابل التي تقتل المدنيين يتم قصفها من قبل الطائرات السعودية أو الإماراتية.
وحاولت الولايات المتحدة أن تنأى بنفسها عن التحالف السعودي الإماراتي تحت قيادة الرئيس «باراك أوباما»، في وقت ما، مع تعليق بعض شحنات الأسلحة إلى السعودية. لكنه حافظ دائما على العلاقات، وأشار «هارتونغ» إلى أن مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الإمارات، منذ بدء الحرب، تشير إلى نمط واضح من محاولة مساعدة الشريك الأمريكي في عملياته المثيرة للجدل في اليمن.
وقال هارتونغ في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى «هاف بوست»، متحدثا عن 4 صفقات رئيسية بين الولايات المتحدة والإمارات، تتعلق بالقنابل أو الصواريخ منذ مايو/أيار عام 2015: «أقول إن هناك ارتفاعا حادا في مبيعات الأسلحة الأمريكية ذات الصلة بالحرب اليمنية منذ بدايتها. ونحن لا نعرف على وجه اليقين الكمية التي قد تم تسليمها حتى الآن. ولكننا متأكدون من وجود نية لزيادة قدرة دولة الإمارات على إلحاق الأذى، وأن أنواع الأسلحة المعروضة مصممة خصيصا لنوع الحرب التي تجري في اليمن».
موقف حرج
ويأتي التقرير في الوقت الذي يواصل فيه بعض أعضاء الكونجرس ومجتمع حقوق الإنسان تقدير الادعاءات الرئيسية بالتعذيب من قبل القوات الإماراتية والميليشيات المدعومة من الإمارات، التي صدرت في يونيو/حزيران، في تقارير منفصلة من وكالة أسوشييتد برس وهيومان رايتس ووتش. وأثارت التحقيقات سؤالين رئيسيين، هل كان المسؤولون الأمريكيون على علم بانتهاكات حقوق الإنسان من قبل شركائهم أو حتى شاركوا فيها، وهل تلتزم الإمارات تماما بالقانون الدولي والأمريكي بشأن معاملة المحتجزين؟
وقبل كتابة تلك التقارير، اقترح الخبيران القانونيان «ريان غودمان» و«أليكس مورهيد» أن الأدلة على إساءة معاملة المعتقلين من قبل الإمارات ستضع الحكومة الأمريكية ومسؤولين محددين في خطر قانوني.
وكتب «جون ماكين» و«جاك ريد»، اللذان يشرفان على العمليات العسكرية الأمريكية كرئيس وعضو في لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ على التوالي، لوزير الدفاع «جيمس ماتيس» بطلب مثول فوري أمام المجلس بعد صدور التقارير.
وقال المتحدث باسم البنتاغون، «أدريان غالاوي» لـ «هاف بوست»، فى رسالة بالبريد الإلكتروني، الخميس، إن البنتاغون لا يرى أي صحة للادعاءات، وقد رد ماتيس على أعضاء مجلس الشيوخ قائلا: «قبل أي مراسلات بين (وزارة الدفاع) والكونغرس حول هذه المسألة، بدأنا تحقيقا أوليا عن العمليات والأنشطة في تقرير (أسوشييتد برس)، ولا سيما الاتهامات بأن الموظفين الأمريكيين قد سمحوا أو تغاضوا عن إساءة معاملة المحتجزين. ولا ولن تتسامح (وزارة الدفاع) مع إساءة معاملة المحتجزين». وأضاف: «لم نتلق أي دلائل موثقة تثبت الادعاءات الواردة في تقرير الوكالة».
ولم يرد على سؤال حول تقرير هيومن رايتس ووتش المنفصل الذي قال إن الإمارات تدير ما لا يقل عن مرفقين سريين للاحتجاز، وأنها تنقل المعتقلين خارج اليمن وتخضع السجناء للضرب المبرح والصدمات الكهربائية.
لكن حتى لو نفى المسؤولون الأمريكيون هذه الانتهاكات، يصعب تخفيف هذه المخاوف لأن الولايات المتحدة تفتقر إلى الوجود الدبلوماسي أو العسكري في البلاد لإجراء أنواع التحقيقات اللازمة في سلوكيات شريكها مثلما كانت تفعل في العراق أو أفغانستان.
وفي الشهر الماضي، طلبت هيومن رايتس ووتش، واتحاد الحريات المدنية الأمريكية، ومجموعات أخرى، من البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفدرالي أن يعلنوا على الأقل عن بعض التعليقات حول مزاعم الإساءة من قبل دولة الإمارات. وفي يوم الجمعة، قال مسؤول في هيومن رايتس ووتش لـ «هاف بوست» إن المجموعة لم تتلق أي رد.
وقال «هارتونغ»: «إنه من العار ألا يعلنوا شيئا». وقد دعا الولايات المتحدة لوقف بيع الأسلحة والتزويد بالوقود والتعاون العسكري الآخر مع الإمارات، على الفور، ريثما يتم التحقيق في انتهاكاتها المزعومة، ودعا إلى أن يوافق التحالف السعودي الإماراتي على بدء عملية السلام المتوقفة مع المتمردين الحوثيين المؤيدين لإيران، الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية. ووافق أعضاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بما فى ذلك السعودية، الجمعة، على إقامة تحقيق مستقل حول انتهاكات جميع الأطراف.
وأضاف: «كما هو الحال الآن، تعد الولايات المتحدة متواطئة في العديد من جرائم حرب التي ترتكبها جماعات مستقلة. وهذا ليس أمرا غير مقبول فقط، لكنه يفضي إلى نتائج عكسية لأي فكرة لمكافحة الإرهاب أو دحر إيران».