كرستين كنيب- dw عربية-
التدخل العسكري في اليمن يتسبب للسعودية في مشاكل كبيرة تطال الجانب السياسي والإنساني وحتى سمعة المملكة. ويبدو أن روسيا تريد الآن تقديم المساعدة. وقد يكون لتدخل موسكو ثمارا تجنيها بفضل الوساطة.
بات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي منذ مدة بلا سلطة تقريبا. والآن تفيد تقارير إخبارية أنه أصبح اليوم بدون حرية حركة. فالرئيس الذي يواجه ضغوطا قوية من خصومه الحوثيين المتمردين والموجود مع عائلته منذ شهور في الرياض يريد منذ مدة العودة إلى وطنه، إلا أنه لا يُسمح له بذلك من قبل الحكومة السعودية التي توحي بأنها تحميه كرئيس منتخب ديمقراطيا، وهي تقوم منذ سنتين ونصف بتدخل عسكري في البلد المجاور في الجنوب.
وقرار الحفاظ على منصور هادي في الرياض يعزز التكهنات بأن العربية السعودية تريد إنهاء جهودها في اليمن. هذا التحرك العسكري السعودي، الذي تسبب في إلحاق الضرر بسمعة المملكة، كما أن المملكة لا تقدر على تعليل شرعيته مع وجود أكثر من 10.000 ضحية مدنية، ووجود 2.2 مليون طفل يمني يعانون من سوء التغذية بسبب الحرب. وظهور وباء الكوليرا وتفشيه بين المدنيين. حيث وصفته مؤسسات دولية بأنه أخطر وباء كوليرا في الوقت الحالي، وسط أزمة إنسانية عالمية كبيرة.
الرغبة في الانسحاب
ونظرا للعواقب السياسية والإنسانية الكارثية للتدخل العسكري في اليمن، والسمعة السيئة الناجمة عن ذلك، ألمح ولي العهد محمد بن سلمان في أغسطس الماضي خلال زيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية أن بلاده تفضل الانسحاب من اليمن. لذلك فإن قرار منع منصور هادي من مغادرة البلاد قد يكون اتُخذ مسبقا من أجل بلوغ هذا الهدف. وقد يكون هذا القرار إشارة غير مباشرة للطرف المعادي في اليمن، أي المتمردين الحوثيين، بزعامة الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
وهذا الافتراض يكسب قيمة منطقية، لأن روسيا بعثت في بداية أكتوبر الماضي طائرة مكلفة بنقل صالح البالغ من العمر 75 عاما من أجل العلاج الطبي في الخارج، وذلك بالرغم من السيطرة السعودية على الأجواء اليمنية، وهو ما قد يكون تعبيرا عن رغبة السعودية في التفاهم مع الحوثيين الذين تمكنوا قبل أيام من إطلاق صاروخ على مطار الرياض. وقد يكون ذلك قد حرك قيادة الدولة للعمل من أجل إنهاء العمليات القتالية. وبالتالي ستكون الرياض سعيدة لكسب روسيا كشريك محتمل من أجل إنجاح هذا الأمر. وفي موسكو يضمن المسؤولون بهذه الطريقة مزيدا من ممارسة التأثير في المنطقة، وهذه المرة كوسطاء في حرب دموية تأتي على حساب السكان المدنيين.
انتقاد من اليمن
فكرة أن تكون العربية السعودية قد راهنت على التفاوض مع أعداءها في اليمن، أو حتى على التفاهم معهم في تجاوز لحلفائها يتم نقاشه حاليا في اليمن. وإذا تأكدت صحة هذه الاستنتاجات، فإن ذلك سيعني تغييرا للدوافع المعلنة إلى حد الآن في الرياض.
ومن خلال هذا التحول، فإن المملكة السعودية قد لا ترغب "بالقضاء على التمرد" كما صرح الخبير السياسي خالد الأنسي لقناة الجزيرة الإخبارية. وهذا التحول يغير أيضا موقف المساندين اليمنيين للتدخل، وهو ما يظهر ضمن تصريحات الأنسي للقناة التلفزيونية. "قبلنا وجود التحالف العسكري لكي يدافع عن الشرعية السياسية ـ لكن ليس ليدمرها. والآن نحن نرى أن الأجندة الحقيقية تختلف عما يُردد رسميا. وبهذا يكون وجود السعوديين في اليمن غير شرعي".
تدخل مثير للجدل
من جهة أخرى فإن تدخل التحالف الذي تقوده العربية السعودية مثير للجدل. سباستيان زونس خبير شؤون الشرق الأوسط لدى الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية يعتبر التدخل السعودي في اليمن حربا بالوكالة بين العربية السعودية وإيران ويقول :"إنه في المقام الأول نزاع سياسي وجيواستراتيجي. وهو يعتمد على حقيقة أن إيران اكتسبت نفوذا كبيرا في العالم العربي".
هذا التقييم قد يكون صحيحا، خاصة أن العربية السعودية ترى نفسها في مواجهة حلفاء إيرانيين في العديد من المناطق، وليس فقط في العراق، بل أيضا في سوريا والبحرين واليمن ولبنان. فهذه البلدان يتم التحكم فيها من وجهة نظر سعودية من إيران". إلا أن الخبير الألماني زونس يعتبر أن التخوف السعودي من إيران قوية مبالغ فيه. "فهذا الشعور يخضع لهوس معادي لإيران، وبالتالي فإن التطلع إلى إيجاد حلفاء جدد، هو أمر تعمل عليه السعودية باستمرار، بالإضافة إلى محاولة استعادة حلفاء قدامى.
إلا أن ما تصبوا له السعودية لم يتحقق كليا لذلك ترى المملكة نفسها مجبرة على طلب المساعدة من حليف إيران روسيا. إذ تأمل السعودية في ضغط موسكو على طهران من أجل سياسة أكثر اعتدالا، فالكلمات بحسب التحركات السعودية الأخيرة وحوارها مع روسيا يمكن أن تحقق أكثر بكثير ما تجنيه الأسلحة.