الغارديان-
كشفت صحيفة «الغارديان» جانبا من استراتيجيات حرب التجويع التي تتبعها السعودية باليمن، لحسم المعركة هناك، عبر استهداف قطاعات الصيد والمزارع والأسواق ومخازن الغذاء، إضافة إلى إعاقة دخول المواد الغذائية إلى الأراضي اليمنية عبر إغلاق الموانئ الجوية والبحرية.
وفي تقرير بعنوان «قصف للتجويع.. كيف استهدف الطيران السعودي الإمدادات الغذائية؟»، وصفت الصحيفة البريطانية تفاصيل استهداف مقاتلة سعودية لقارب صيد كان يبحر على مسافة 10 أميال من شواطي مدينة الحديدة في البحر الأحمر (غربي اليمن).
حرب على الصيادين
وقالت إن الصيادين كانوا قد أنهوا لتوهم عمل أربع ساعات من نشر الشباك.
وبعيدا عن القارب رصد أحدهم ظلًا أسود كبيرًا يحوم حولهم.
واعتقدوا في البداية أن بارجة حربية ستصل وتسألهم عن وثائقهم ورخص الصيد؛ حيث كانوا داخل منطقة الـ30 ميلا المخصصة للصيد، وقد حُذِّروا من تجاوز المنطقة بملصق رمته قوات التحالف على البر.
ومن دون تحذير بدأت مدفعية المروحية تطلق النار عليهم، واستمر ذلك لمدة خمس دقائق.
يحكي «وسام موافي» أنه جر صديقه «عبدالله» إلى زاوية في القارب، ووضعه تحت كرة حماية لمنع الرصاص من الوصول إليه، إلا أن كلاهما أصيب بركبته، قبل أن تخترق المياه القارب.
ومع توقف القصف، كان كابتن القارب، وهو أب لثمانية أطفال، في عداد الأموات، وكذلك «عبدالله»، فيما فُقد أحد أفراد الطاقم واسمه «حمدي القدرة».
ولم يبق من الطاقم، حسب «وسام»، سوى خمسة أصيبوا، وحاولوا -رغم الدم الذي كان ينزف منهم- منع المياه من غمر القارب.
وعندما ظن «وسام» أن القصف قد توقف دارت المروحية دورة أخرى، لكنها غيرت الاتجاه واستهدفت قاربًا آخر حوّلته إلى كرة ملتهبة.
يحكي «وسام» أنه شاهد صيادي القارب الآخر، وهم يقفزون في المياه.
واستمرت المروحية في الدوران مدة ثلاث ساعات؛ حيث حاول «وسام» وضع قطع قماش على جرحه النازف.
وبقي القارب نصف غارق ويتحرك عبثا مدة 15 ساعة، قبل أن ينقذهم قارب آخر.
ولم يكن هذا الحادث معزولا، حسب رئيس نقابة الصيادين في ميناء الحديدة، «محمد حساني»، الذي قال إن التحالف بقيادة السعودية دمر منذ بداية الحرب في مارس/آذار 2015 أكثر من 250 قارب صيد، وقتل 152 صيادا نتيجة القصف من البوراج الحربية والمروحيات في البحر الأحمر، وعلى الجزر الصغيرة المتفرقة التي يستخدمها الصيادون.
وأضاف «حساني»: «التحالف أعلن حربًا على الصيادين منذ البداية».
ولفت إلى أنه قام بتوثيق الهجمات على القوارب بناء على شهادات الذين قاموا بإنقاذ الصيادين التي اندلعت الحرائق في قواربهم بسبب القصف.
أما في مدينة المخا، التي تبعد 100 ميل عن الحديدة، فقد منع الصيادون من ركوب قواربهم بعدما سيطرت القوات التابعة للحكومة المدعومة من الإمارات على المنطقة التي كانت تحت سيطرة الحوثيين وحليفهم السابق «علي عبدالله صالح».
حصار
وتقول «الغارديان» إن صناعة الصيد اليمنية أصبحت مهمة للحياة الاقتصادية في البلاد وسط أسوأ كارثة إنسانية، ومقتل أكثر من 10 آلاف مدني، وانتشار مرض الكوليرا.
وتضيف أن أكثر من 8 ملايين يمني، باتوا يواجهون خطر المجاعة، بعدما شدد السعوديون الحصار في 6 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وحتى بعد تخفيفه جزئيا في 26 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي؛ حيث سمح بدخول بعض المساعدات الغذائية.
وتتوقع منظمات الإغاثة مجاعة شاملة طالما بقي الحصار مفروضا على موانئ مثل الحديدة.
وتمر 80% من المواد المستوردة عبر الموانئ البحرية لليمن.
عملة ضعيفة
وبرغم توفر المواد الغذائية إلا أن ضعف العملة اليمنية والقيود التي يفرضها السعوديون تعني أن أسعار المواد الغذائية مرتفعة فوق قدرة اليمني العادي على شرائها.
ولم يحصل العاملون في وزارات الدولة على رواتبهم منذ أغسطس/آب الماضي، وتم الاستغناء عن 55% من القوى العاملة بسبب الحرب.
ولا يستطيع ملايين اليمنيين شراء المواد الأساسية بشكل جعل 75% من السكان بحاجة للمساعدة الإنسانية.
استهداف المزارع
ولا يعتبر قطاع الصيد وحده المستهدف من طيران التحالف السعودي، ففي محافظة رضوى، شمال العاصمة صنعاء، توقف «يحيى أبوطالب» عن زراعة أرضه، بعدما سقط صاروخ في مزرعته على بعد 50 مترا من بيته، دون أن ينفجر.
ومنعه الصاروخ من زراعة الخيار في المزرعة حتى جاء فريق نزع الألغام وأخرجه.
وعندما بدأت أسعار المواد الغذائية بالارتفاع، فكر «يحيى» بإعادة بناء البيوت البلاستيكية الضرورية لنمو الخُضَر، إلّا أن جيرانه رجوه التوقف عن العمل خشية قيام السعوديين بقصفها مرة أخرى.
قنابل بريطانية وأمريكية
ونقلت الصحيفة عن قائد فريق نزع الألغام في رضوى، «علي الموافى»، قوله إنه تم تحديد 12 قنبلة وقذيفة صاروخية بريطانية وأمريكية وإيطالية الصنع لم تنفجر في المنطقة.
وحسب الأبحاث التي أجرتها «مارثا ماندي»، من «مدرسة لندن للاقتصاد»، حول أشكال القصف في الـ17 شهرا من الحملة بقيادة السعودية تشير إلى «وجود أدلة قوية عن استراتيجية تهدف لتدمير عمليات إنتاج الطعام وتوزيعه في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون والقوات الموالية لصالح».
وتشير البيانات التي جمعها «يمن داتا بروجيكت» (مشروع مستقل يوثق الحرب في اليمن)، إلى أن 356 غارة استهدفت مزارع، و174 غارة استهدفت أسواقا، و61 غارة جوية استهدفت مخازن للطعام، وذلك في الفترة من مارس/آذار 2015، إلى سبتمبر/أيلول 2017.
جريمة حرب
وتقول منظمات الإغاثة الدُّولية إن مهاجمة قدرة اليمن على توفير المواد الغذائية ذاتيا إضافة للقيود المفروضة على استيراد المواد من الخارج، يعتبر انتهاكا صارخا للقانون الدُّولي.
ورغم منظور المجاعة، إلا أن هذه الاستراتيجية استخدمت لوضع ضغوط على الحوثيين الذين فشل التحالف خلال السنوات الماضية بهزيمتهم.
ويرى محللون أن هذه الاستراتيجية جذابة لولي العهد السعودي، الأمير «محمد بن سلمان»، الذي يشغل منصب وزير الدفاع بدلًا من نشر قوات سعودية للسيطرة على مناطق الحوثيين.
ويضيف المحللون أن أية عملية برية قد تنتهي بالفشل أو التورط أكثر في مستنقع اليمن، الذي وجد السعوديون وحلفاؤهم أنفسهم فيه.
وحسب الخبير في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، «آدم بارون»: «هناك أصوات داخل التحالف والحكومة اليمنية ترى في الضغوط الاقتصادية وسيلة لوضع الضغوط على الحوثيين».
ولفتت ورقة نشرتها «الشبكة الدُّولية لحقوق الطعام والتغذية»، إلى أن «تدمير وسائل الحصول على الطعام والمياه يعتبر جريمة حرب».
وتساءلت مستنكرة: «من سيحاكَم عندما وقفت المنظمات الدُّولية والدول جانبًا وهي تتفرج على القصف والحصار لأشهر وها هي تلعب دور التدخل الإنساني لحماية اليمنيين من المجاعة والكوليرا».
ويبدو أن مستقبل الصراع اليمني أصبح قاتما بشكل أكبر مع مقتل «صالح»، الأسبوع الماضي.
وينتظر 28 مليون شخص في اليمن أياما أكثر بؤسا؛ حيث يحتاج ثلاثة أرباعهم إلى مساعدات إنسانية.